الطيب الصديقي أشهر مسرحي مغربي: قطعت علاقتي بشيمعون بيريز

قال لـ«الشرق الأوسط»: انه يحتفظ بصوره مع مشاهير السياسة والمجتمع معلقة على جدران الحمام

TT

يعتبرالطيب الصديقي من اشهرالمسرحيين في المغرب والعالم العربي، وهي شهرة لعبت شخصيته بحضورها الصاخب دورا رئيسيا في صنعها. بدأ الصديقي نشاطه في «فرقة التمثيل المغربي» التابعة لمصلحة الشبيبة والرياضة، واسس عام 1957 بطلب من الاتحاد المغربي للشغل بـ«المسرح العمالي» بالدار البيضاء، وبعد عدة مساهمات في فرقة المعمورة بالرباط عاد للاستقرار بالدار البيضاء، فانشآ عام 1963 فرقة تحمل اسمه، ثم اسس فرقة المسرح البلدي الذي كان يشغل فيه منصب المدير، ومنذ 1974 اصبحت الفرقة تحمل اسم «مسرح الناس» وهو الاسم الذي ما زالت تحمله حتى اليوم وتقدم عروضها في اطارالمسرح الجوال. يقول صديقه المسرحي عبد الواحد عوزري ان «المسار الفني الشخصي للطيب الصديقي يلخص لوحده كل مسار المسرح المغربي خلال مرحلة الستينات والسبعينات، كما يكشف عن بعض جوانب المبادرات التجديدية في المسرح العربي».

بعيدا عن خشبة المسرح التقت «الشرق الأوسط» الصديقي لرفع الستار عن جوانب من حياته الخاصة، فأجرت معه هذا الحوار بمنزله في الدار البيضاء حيث لا يتردد بدعوتك لمشاهدة صوره مع المشاهير معلقة على جدران الحمام، معلقا «هذا مايستحقون».

* مند متى وانت تعيش في مدينة الدار البيضاء؟

ـ مند ان كان عمري تسع سنوات، الدار البيضاء بالنسبة لي من افضل المدن المغربية رغم ما يقال انها مدينة بلا روح ولا تاريخ. لكن في اعتقادي من لا يعرف المدينة هو الذي يقول مثل هذا الكلام. فأحياؤها عبارة عن مجموعة من المدن الصغيرة: عين الشق ودرب السلطان والحي المحمدي وحي الحبوس، وهذا الاخيرمن انظف واجمل الاحياء بفنه المعماري، اما درب السلطان فهو عبارة عن متحف في الهواء الطلق يعود تاريخ بعض بناياته الى عام 1939. كما تضم المدينة عددا من البساتين الجميلة. وتجري حاليا عملية ترميم احياء المدينة القديمة. وانا من بين الاشخاص المهتمين بهذا الموضوع باشراف المهندس رشيد الاندلسي حيث سيتم تحويل «دار المخزن» الى متحف ومدرسة للفنون، ورغم ان الدار البيضاء تعاني من مشكل خطير هو التلوث الا اني متفائل بالمستقبل بفضل المجهودات الكبيرة التي يقوم بها المسؤولون لتنظيم هذه المدينة الاخطبوط التي يقطنها مغاربة قدموا اليها من مختلف المدن المغربية من فاس ووجدة وفاس وتازة وغيرها.

* وانت قدمت الى الدار البيضاء من مدينة الصويرة أليس كذلك؟ ـ نعم قضيت مرحلة الطفولة الصغرى في الصويرة مدينة الفن والفنانين، ويكفيك ان تعرفي انها تضم اكثر من خمسين رواقا للفن التشكيلي والنحت والموسيقى. وما زلت اتذكر عندما كان عمري ست سنوات أننا لم نكن نفرق بين العربية والعبرية، اذ كنا نتحدث باللغتين معا بحكم العدد الكبير للجالية اليهودية التي كانت تعيش في المدينة، حيث كان التعايش طبيعيا بين المسلمين واليهود والمسحيين، فالمنزل الذي كنا نقطنه يوجد على يمينه منزل عائلة مسيحية وعلى يساره منزل عائلة يهودية، طبعا كان ذلك قبل ما يسمى دولة اسرائيل او مدينات اسرائيل كما يطلق عليها بالعبرية.

* ربما هذا ما دفعك لربط صداقات قوية مع بعض الشخصيات السياسية البارزة في اسرائيل مثل وزير الخارجية الحالي شيمعون بيريس؟

ـ هذه العلاقة كانت مبنية على حسن نية، وأؤكد هنا ان اول زيارة لي الى اسرائيل والتي تمت بعد اتفاقية اوسلو كانت بدعوة من ياسر عرفات الذي طلب من مجموعة من الكتاب والشعراء والتشكيليين العرب القيام بهذه الزيارة في اطار الدعوة الى التطبيع، وكان آنذاك شيمعون بيريس يتفوه بالسلام في جميع خطاباته، لكن اتضح في ما بعد انه حليف شارون في الوقت الذي كنا نحسبه من دعاة السلام، وهذه هي الحقيقة المرة.

* هذه الزيارة جلبت لك انتقادات واسعة، كيف واجهتها؟

ـ صحيح، وفي اطار تلك الانتقادات قالت شخصية مصرية معروفة: كنا نحترمك ولكنك للأسف انسقت وراء موجة التطبيع، فرددت عليه بالقول بانه «لم يسبق لي ان مثلت في اسرائيل ولا ألقيت محاضرة عن المسرح هناك، انها مجرد زيارة». ثم قلت له بأني اطالب بالتطبيع اولا مع مصر لانه لم يسبق لكم ان عرضتم مسرحية او فيلما مغربيا في مصر، فكفى مزايدات. واشير الى انه اخيرا اثيرت حملة ايضا على الكاتب المغربي محمد برادة حول موضوع ترجمة النصوص العربية الى العبرية. هذه اعتبرها بلادة، لان العبرية في حد ذاتها، كما قال حسن نجمي، لا تحمل مفردات ضد العرب، فالحرب ليست بالسلاح فقط بل باللغة ايضا، والجزائريون ربحوا الحرب مع فرنسا باللغة وليس بالسلاح. انه امتياز كبير في رأيي ان نعرف لغة العدو.

* هل ما زالت تربطك علاقة بشيمعون بيريس؟

ـ يجيب بانفعال: لم تعد تربطني به اية علاقة وقلت له ذلك عبر الهاتف قبل شهر تقريبا، لاني لا يمكن ان اثق بشخص يغير جلده كل يوم، فقد كان ينتمي الى حزب العمال ثم هو الآن مع اليمين المتطرف، مع السفاح شارون، لذلك لا اسمح لنفسي، بأن ارتبط معه بأي علاقة.

* ومن هم اصدقاؤك حاليا؟ ـ اصدقائي كثيرون، فنانون وصحافيون وموسيقيون ورجال مسرح، ولي اصدقاء يعملون في الخطوط الجوية الملكية، الا ان الصديق الذي لا يفارقني هو الممثل مصطفى سلمات فهو رفيق الدرب.

* انت صديق السياسيين ايضا؟

ـ نعم، ومن بينهم ليونيل جوسبان وهو من اكبراصدقائي، اما اصدقائي السياسيون المغاربة فهم: عبد الرحمن اليوسفي ومحمد الاشعري واحمد الحليمي، ولدي اصدقاء ايضا من خارج الحكومة فأنا لست متعصبا لانتماء سياسي معين لأني احترم الرأي الآخر، نوع واحد من البشر لا اتحمله هو المتطرف او المتزمت لأني من الناس الذين يؤمنون بالحوار عملا بمقولة فولتير: «لست متفقا معك ولكني مستعد للموت من اجل ان تتمكن من التعبير عن رأيك»، غير انه للأسف لم نصل بعد الى هذا المستوى، فنحن نعمل بمقولة «اذا لم تكن متفقا معي نخلي دار بوك»، وقنواتنا التلفزيونية تكشف عن ذلك وجرائدنا ايضا تحولت الى منابر لقذف وشتم الآخرين.

* الم تفكر في ترشيح نفسك للانتخابات المقبلة؟

ـ سبق ان رشحت نفسي للانتخابات، وكنت اعلم اني لن افوز، لأن ادريس البصري (وزير الداخلية السابق) كان يكرهني، وهل انا محتاج لاكون في البرلمان؟ ماذا سأفعل هناك؟

* كيف يسير ايقاع حياتك اليومية؟

ـ لم اعد اغادر المنزل الا للضرورة، وحتى في السابق لم اكن من الناس الذين يقضون حياتهم في المقاهي، فمند 15 عاما لم اعد اذهب الى المقهى سوى مرة واحدة في الشهر لأني في الفترة الاخيرة تفرغت للكتابة، فمند بداية العام الى الآن ألفت خمسة كتب.

* منذ ان عرفك الجمهور المغربي والعربي وانت بهذا الشكل الذي ارتبط بظاهرة «الهيبي» والافكار الثورية في فترة السبعينات لماذا لم تغير مظهرك؟

ـ انا لا اضع على نفسي مثل هذه الاسئلة، انا كما انا، منذ وعيت وانا بشعر طويل قبل «الهيبي»، وقبل كل شيء، لا استيقظ صباحا واقول لأجرب ان اقص شعري او اصبغ لحيتي، واجرب كيف سأبدو للناس. ليس عندي مثل هذه المشاكل مطلقا.

@ بشأن حياتك الخاصة، هل يمكن ان تحكي لنا عن ظروف ارتباطك بزوجتك؟

ـ لا اريد الحديث عن العائلة.

* هل تؤمن بمقولة وراء كل رجل ناجح امرأة؟

ـ هذه مقولة بليدة تنفي شخصية المرأة وتجعلها دائما في الظل، هناك امرأة تجر وراءها 300 رجل!

* كم لديك من الابناء وما هي طبيعة العلاقة التي تربطك بهم؟

ـ لدي بنتان هما: راضية ورجاء، وولدان هما: الزبير وبكر، وعلاقتي بهم من اجمل ما يكون، الزبير يعمل تقنيا في الصوت والاضاءة، وراضية سنة ثالثة في معهد للاعلاميات، وبكر يدرس بمعهد التكنولوجيا ورجاء طالبة في الثانوي.

* ارتبط جيل الشباب الحالي بتكنولوجيا الاتصال والاعلاميات كيف هي علاقتك بهذا المجال؟

ـ علاقة طبيعية، لست شغوفا بها ولكني لا اجهلها، بالعكس فهذه التكنولوجيا تفتح لنا ابوابا عديدة، بيد اني افضل الصوت الذي يحدثه القلم اثناء الكتابة على صفحة بيضاء، واستمتع كثيرا بخشخشة الورق وانا اقرأ في كتاب، وهذا ما لا اجده في الكومبيوتر.

* هل انت من الاشخاص الذين لهم هوايات غريبة؟

ـ اغرب هواية لدي هي اني اهتم كثيرا بأنواع النباتات وأحفظ اسماءها باللاتينية، كما لدي اهتمام كبير بصناعة الفسيفساء المغربي.

* هل يغريك جمع التحف واللوحات؟

ـ كل بلد زرته جلبت منه تحفة، فلدي بالمنزل مجموعة من التحف من الهند والصين وتركيا وايران وتونس وافريقيا. زرت بلدانا كثيرة، الا ان بلدين اعجبت بهما كثيرا هما: ايطاليا والهند، ايطاليا لانها عاصمة الفنون، اما الهند فلأنها ترتبط بطقوس روحانية خارقة للعادة.

* هل من بين هذه التحف هدايا قدمت لك؟

ـ الهدية حتى وان كانت لا تقدر بثمن فهي لا تحرك بداخلي اي مشاعر، الا ان هذا لا ينفي اني احب ان اقدم هدايا للآخرين.

* هل لديك اهتمامات رياضية؟

ـ انا كنت لاعبا دوليا سابقا في كرة السلة مع فريق الوداد لمدة 10، سنوات ومارست ايضا العدو الريفي، غير انه لم يسبق لي بتاتا ان لعبت كرة القدم.

* هل هذا يعني انك غير متابع لمباريات كرة القدم؟

ـ لا ابدا، اتابع المباريات سواء الوطنية او الدولية، ولعلمك انا «ودادي» واسميت ابنتي رجاء، وفي كل المباريات التي تجمع الفريقين اتمنى ان تكون النتيجة متعادلة. اما بالنسبة لكرة القدم الدولية فأنا معجب بزين الدين زيدان، ومغربيا باللاعب المغربي النيبت والظلمي الذي يلعب بطريقة سحرية وكنت معجبا جدا بالراحل بيتشو.

* هل لديك فلسفة خاصة تطبقها في حياتك؟

ـ ان يهتم كل واحد بما يفعله، بدل مراقبة الناس وتضييع الوقت في النميمة. ومع ذلك انا متفائل جدا بالحياة لأنها سهلة للغاية وخطيرة في نفس الوقت، بدليل ان لا احد يخرج منها حيا. فـ 97% من الناس يموتون على فراشهم، اذن اخطر مكان للنوم هو الفراش، هذا مضحك اليس كذلك؟

* الا تخاف من الموت؟

ـ ابدا.

* معروف عنك انك صريح جدا، ألا تزعج صراحتك الآخرين؟

ـ نعم انا صريح جدا. وخصوصا مع الآخرين، لأني اكذب على نفسي من حين لآخر، ولا يهمني من لا تعجبه صراحتي، فوالدي كان يقول لي اذا كان لديك صديق واحد في الحياة فهذا يكفي.

* ماهي العيوب المزعجك في شخصيتك؟

ـ سريع الغضب، لكن غضبي لا يدوم طويلا.

* هل شهرتك خلقت لك اعداء؟

ـ انا متيقن من انني افرح الناس كلهم، فأصدقائي يفرحون عندما تنجح مسرحياتي، واعدائي يفرحون ايضا عندما يفشل احد اعمالي. إذن الكل يفرح.

* معروف عنك ايضا انك مطالع جيد للكتب. ما هي انواع الكتب التي تقرأها؟

ـ اولا الشعر، لان الحضارة العربية هي الوحيدة التي يمكن لشاعر مثل محمود درويش ان يجمع حوله اكثر من 100 الف شخص في ملعب رياضي في امسية شعرية حتى وان كان ثمن التذكرة 30 دولارا، وهذا الامر لا يوجد في اي مكان في العالم، فالشعر له مكانة كبيرة في التعبير العربي. من بين قراءاتي ايضا كتب التاريخ والفنون، ولدي شغف كبير بالكتب التي تتحدث عن انواع الفن المغربي، اما الكتب التي لا أقرأها بالمرة فهي الروايات البوليسية.