الضابط المصري السابق دراز رفيق زعيم «القاعدة» في سنوات الجهاد: بن لادن يدير التنظيم بعقلية رجل الأعمال واعتقال بن الشيبة ضربة قاضية

TT

عندما سقطت طائرة عصام دراز رفيق بن لادن في كهوف وجبال افغانستان على اطراف مدينة بيشاور الحدودية في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1986، ولقي 13 راكبا مصرعهم على متن طائرة الخطوط الجوية الباكستانية، وخرج دراز من الحادث سليما وتناقلت وكالات الاخبار العالمية الخبر، تساءل الناس ماذا يفعل المصري دراز في بيشاور الحدودية بين باكستان وافغانستان، ولماذا ذهب الى هناك. ومضت سنوات طويلة وقصة عصام دراز الضابط السابق في سلاح الاستطلاع بالجيش المصري مثل اللغز ولكن دراز عاد منذ ايام الى لندن وفي جعبته الكثير من الاسرار عن المرحلة التي انشغل فيها بالكاميرا والكلاشنيكوف في سنوات الجهاد الاولى واقترب فيها من بن لادن خلال سنوات الجهاد ضد الروس، واكتوى بعد ذلك بنار بن لادن نفسه، بعد عودته الى مصر بمنعه من السفر لمدة عشر سنوات ادت الى افلاس شركته الاعلامية التي اشرفت على انتاج ثلاثة افلام تسجيلية عن افغانستان وخمسة كتب عن وقائع المرحلة الافغانية منها «قصتي مع بن لادن.. اربع سنوات مع الافغان العرب»، وفيلم وثائقي بعنوان «الافغان العرب.. البداية والنهاية».

ويقول: بعد عودتي من افغانستان وجدت اسمي على «قوائم الممنوعين من السفر»، وتعرضت لاجراءات امنية صارمة ادت الى انهيار حياتي بالكامل، وفي نفس الوقت تعرض مقر شركتي «المنار» لسرقة غريبة، سلبت منه بعض المواد المصورة التي لم تستخدم بعد. ويقول عن فترة ما بعد افغانستان «لقد طالت المطاردة كل من ذهب الى افغانستان، وكنت اجد العذر لاصدقائي واهلي المقربين الذين ابتعدوا عني وكانوا يتحاشون الاقتراب مني خوفا من الملاحقة الامنية. حتى الاسلاميون انفسهم كانوا يخافون مني». ويضيف: طالني الامر بالاستدعاء الى اجهزة مباحث امن الدولة، واصبحت وجها مألوفا لديهم، ثم التوقيف والحجز في سجن المطار بعد السماح لي بالسفر. وتحدث عصام دراز عن رفاق بن لادن الذين احتلوا مناصب كبيرة في مكتب «الخدمات» الذي تحول بعد ذلك الى «القاعدة».

وكشف عن عدة اسماء من قادة «الافغان العرب» من كبار مساعدي بن لادن للمرة الاولى منها ابو قتيبة (سوري الاصل) الذي قتل في معارك جلال اباد في مايو (ايار) عام 1989، وابو الزبير (سعودي ـ قتل في البوسنة)، وشفيق المدني (من المدينة المنورة)، وياسين كردي (عراقي) مختص بصفقات السلاح والذخيرة.

ووصف مجموعة المدينة المنورة من قيادات «الافغان العرب» التي كانت تحيط بابن لادن بانها كانت ذات خلق مميز، ومنهم شفيق المدني وهو من عائلة ثرية بالمدينة، وقال ان مجموعة المدينة كانت سلفية العقيدة، وتكره التصوير الفوتوغرافي، ويقول كان بن لادن نفسه يقول لي «لا تحرجني مع الاخوة في اخراج الكاميرا كلما رأيت وجه احد منهم لمحاولة تصويرهم»، ويضيف دراز: «انهم كانوا ايضا مطاردين امنيا، بالاضافة الى عقيدتهم الجهادية».

واستغرب دراز ولع بن لادن بالكاميرا والاعلام وكثرة تسريبات شرائطه بعد الاحداث الارهابية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وقال: لقد جلست في الكهوف والمغارات لنحو عام ونصف قبل ان يوافق على تصوير اول لقطة فوتوغرافية له. ويوضح: «لقد اقتنع بن لادن بعد وقت طويل بلعبة الاعلام والاضواء المبهرة على شاشات التلفزيون وقدرتها على كسب المعركة». ويقول: خلال الفترة ما بين 1986 و1990 كنت اول من التقط له صورة فوتوغرافية، وكنت اول من سجلت حديثاً معه في معارك جلال اباد عام 1989، باعتباره قائد «مأسدة الانصار العرب»، وهي مجموعة قتالية من الشباب العربي، الذين تركوا بلادهم، وجاءوا للقتال مع بن لادن، وكان عددهم لا يزيد على مائة شاب، لا يعرف احد منهم فنون القتال، وكان عمر زعيم «القاعدة» وقتها 28 عاما.

واسأله عن تأثير اعتقال اليمني رمزي بن الشيبة منسق عمليات سبتمبر على «القاعدة» فيقول من خلال خبرته كضابط استطلاع سابق في الجيش المصري ان ما حدث يعد سقطة امنية كبرى لا تغتفر، ستؤدي الى الى فرط عقد «القاعدة». وقال: اعتقد ان ابن الشيبة كان تحت السيطرة الامنية الاميركية والباكستانية من اسابيع عقب لقائه مع برنامج «سري للغاية».

* كيف دخلت الى افغانستان وقمت بتصوير معارك المجاهدين؟

ـ سمح لي قادة المجاهدين ان اشارك معهم كمقاتل ومصور في صد الهجوم الكبير الذي قامت به قوات الاحتلال الروسية في مقاطعة بكتيا الجبلية، وذلك بعد اعلن الشيخ عبد رب الرسول سياف حالة النفير العام اي حالة «الطوارئ» وهكذا وجدت نفسي في قلب المعركة اقوم بتصوير المعارك وعشرات الافلام التي سجلت فيها شجاعة المجاهد الافغاني، وايمانه ضد الترسانة العسكرية الروسية. وبعد ذلك ذهبت بطاقم كامل لتصوير معارك جلال اباد، ومنها معركة سمر خيل الشهيرة في عام .1989

* ماذا تتذكر من سنوات الجهاد ضد الروس؟

ـ اتذكر كثيراً من المواقف كانت العناية الالهية تقف الى جانبي وتحفظني، فقد تعرضت للموت مرتين، اولاهما عندما صعدت الى ربوة لتصوير موقع روسي، خلال القصف، فاطلقت علي نقطة «ملاحظة افغانية» بطريق الخطأ قنبلتي هاون سقطتا على قرب خمسة امتار مني، واعتقد زملائي المجاهدون انني استشهدت، فعادوا بدوني. والمرة الثانية عندما كنت اتحرك في سفح جبل خلال المعارك الضارية لاخذ لقطات بالكاميرا التي كنت احملها على كتفي، وكنت اقوم بهذه المهمة بدون دليل افغاني، ولم اكتشف انني اتجه نحو كمين روسي، الا عندما انشقت الارض، عن مجاهد افغاني خرج من بين الاشجار، وانتزعني نحو مغارة، وهو يصرخ «امامك كمين».

* كم ظللت في معارك باكتيا؟

ـ استمرت حوالي اسبوعين، قمت خلالها بتصوير نحو ساعة من معارك الحرب، وكان الجهد مضنيا لاننا كنا نستخدم كاميرات ثقيلة، وعقب انتصار المجاهدين سافرت الى لاهور الباكستانية لتحميض الافلام، وكانت النتيجة ممتازة، فركبت الطائرة الباكستانية وكانت من طراز «فوكر»، عائدا الى بيشاور في الظلام، ولكنها كانت تحلق فوق المدينة الغارقة في الظلام لمدة نصف ساعة، حتى انني سألت الطيار عن سبب التأخير في الهبوط، وفي تلك اللحظة كانت الطائرة في طريقها الى الاصطدام بالارض واخذت تتقلب على الارض عدة مرات.

* بماذا شعرت بعد ذلك؟

ـ شعرت ان روحي تسحب مني، حدث الامر كله في ثوان، صوت اصطدام هائل وصرخات وانين، وكأن الطائرة قد دخلت «مفرمة»، لم ار سوى الظلام، لكنني لم افقد الوعي، رأيت بصيصا من النور، خارج حطام الطائرة، فزحفت ثم قفزت الى الخارج، وكانت دهشتي كبيرة لاني وجدت نفسي استطيع ان اقف على قدمي رغم الالام التي شعرت بها في الفخذ بسب ضغط حزام المقعد على جسمي، وجدت نفسي ادور حول الطائرة، واتمتم «الحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله».

* كم كان عدد الضحايا؟

ـ لقي 13 راكبا مصرعهم وتم نقل الباقين الى مستشفى لادي ريدنج ببيشاور، وعندما علم الدكتور محمود البوز مدير مستشفى الهلال الاحمر الكويتي، جاء ونقلني الى مستشفاه، ثم جاء قادة المجاهدين لتهنئتي على سلامة الوصول، واطلق علي عبد رب الرسول سياف امير المجاهدين ورئيس الاتحاد الاسلامي لمجاهدي افغانستان عندما اطل علي بوجهه في المستشفى لقب «العائد من البرزخ»، وكانت خسارتي في الافلام واللقطات لا تعوض، وبمجرد ان خرجت من المستشفى اقترضت كاميرا وذهبت على عكاز، لاقوم بتصوير معسكرات اللاجئين الافغان خارج بيشاور الحدودية.

* ما سر مفتاح شخصية بن لادن؟

ـ مهذب وبسيط واخلاقه طيبة مع تواضع في التعامل مع رفاقه من «الافغان العرب» وهو ما جعل الشباب يندفعون الى الالتفاف حوله، وهو رجل اعمال موهوب اي انه كان يدير «القاعدة» بعقلية رجل الاعمال في حسن اختياره لمساعديه وتوزيع المهام عليهم. وكان مساعدوه على الجانب الاخر يتميزون بالطاعة العمياء، عن حب وليس عن خوف.

* ما سبب حب بن لادن للكاميرا والاضواء كما هو واضح حاليا؟

ـ لقد ظللت بجواره لمدة عام ونصف عام قبل ان انجح في التقاط اول صورة فوتوغرافية له، وكان رفاقه من «الافغان العرب» مطاردين امنيا من دولهم التي خرجوا منها، بالاضافة الى انهم كانوا سلفيي العقيدة، ويكرهون التصوير باعتباره حراما من وجهة نظرهم، وكان هو متأثراً بهم ايضا ولا يحب احراجهم، ولكن الامور تغيرت، ولا أدعي انني كنت اول من اقنعته باهمية الاعلام والاضواء في تعريف العالم به، وعندما ذهبت اليه في شارع المكرونة بجدة عام 1989 لاقدم اليه كتابي «ملحمة المجاهيدن العرب في افغانستان» وعلى غلاف الكتاب صورته بالالوان، وكان وقتها ممنوعا من السفر، قال لي: «لقد نصرتني نصرا عزيزا، وهو اكبر مكسب سياسي لم يكلفني شيئا»، ولم يدفع لي اي مبلغ، وذهبت بنسختين في اليوم التالي الى وزارة الاعلام السعودية، للسماح لي بتوزيع الكتاب في المملكة.

* ما حصيلة تجربة مصاحبة بن لادن لمدة خمس سنوات وتأُثير ذلك على حياتك بعد ذلك؟

ـ اليقين الكامل بالله، والكفر بادعياء الاسلام من منظمات وشخصيات اسلامية عالمية، معظمهم كاذبون والله يعلم، وسوف اتحداهم جميعا يوم القيامة. بالنسبة لابن لادن كان شخصية بسيطة ومرحة في اوقات الفراغ، وكان يتبادل معي القفشات باللهجة المصرية فيقول مازحا «انت فاكر ايه؟ ده انا افهمها وهي طايرة»، ورغم خلافي معه في كثر من الامور، الا ان ذلك لم يؤثر للحظة واحدة على علاقتي معه، وهذا على خلاف كل من تعاملت معه من الشخصيات القيادية والفكرية الاسلامية على مدى حياتي، وهو ان رأيك المخالف مع احد منهم يعني انك اصبحت مصنفا في خانة العدو، ويعاملك على هذا الاساس ولا يمكن ان انسى موقف الاخ صلاح شادي من القيادات التاريخية للاخوان المسلمين، وكانت تربطني به علاقة عائلية، واخبرني انه عرض امري على مكتب «الارشاد» فرفضوا رفضا قاطعا تقديم اي مساعدة لي ولكنه قدم لي مساعدة مالية محدودة ساعدتني في طبع كتابي الاول عن حرب المجاهدين واسمه «صرخة دامية.. قصة الغزو الروسي لافغانستان».

وعلى النقيض هناك موقف بعض القادة الاسلاميين الذين تعاملت معهم بعد عودتي من افغانستان، وأحدهم شخصية معروفة في الكويت ذهبت اليه طلبا في المساعدة، ليساعدني بتعييني في اي عمل اتعيش منه، فقال لي بالحرف الواحد «لو انت من تنظيم الاخوان المسلمين، فان لك ما تشاء، وان لم تكن فليس عندي لك اي شيء»، وكانت نقطة تحول حادة في نفسي. وهناك شخصية اخرى اسلامية كانت على رأس منظمة خيرية اسلامية، قدمني وعرفني عليها بن لادن نفسه في سنوات الجهاد ضد الروس، وبعد حرب افغانستان ذهبت اليه ما لا يقل عن خمس مرات، ارجوه ان يجد لي عملا، لاني اتعرض لضغوط كبيرة في بلدى، ولا اجد مايسد حاجتي، وهناك الكثير من اصحاب «دكاكين الجهاد» الذين جمعوا اموال التبرعات الخيرية، ووضعوها في حسابهم الخاص، وهناك المكاتب الهندسية التي ادعت انها تساهم في اعمار افغانستان، وحصلت على الملايين من الدول العربية، ولم تفعل شيئا يذكر.