الفريق الخزرجي استدعي إلى الخارج ليكون ديغول العراق فلم يتوافق مع «سي. آي. إيه» وأصبح ملاحقا بتهمة إبادة الأكراد

TT

كان الفريق نزار الخزرجي ينتظرنا في شقة بسيطة من غرفتين في عمارة سكنية غير مميزة في بلدة صغيرة بالدنمارك.

في يوم من الايام كان الخزرجي اكبر الضباط في جيش صدام حسين ويحمل العديد من النياشين على صدره، وتحت امرته مليون جندي عراقي، ويحظى باحترام واعجاب الامة. ثم اختلف مع صدام وفر إلى الخارج تحت اغراء، كما يقول هو، من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) بإعداده لقيادة ثورة عظمى تسقط صدام حسين وتستعيد امجاد العراق. أي ليكون ديغول العراق.

ويقول الخزرجي، 64 سنة ، انه على استعداد للعب الدور الذي استعد له طوال حياته، وان الوقت اصبح مناسبا بعدما بدأت واشنطن والعالم في ممارسة الضغوط على الحكومة العراقية. ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى أي مكان. فهو مطارد وذو ماض.

ويواجه الخزرجي اتهامات بأنه لعب دورا في «عمليات الانفال»، وهي الحملة الوحشية التي قامت بها الحكومة العراقية ضد الاكراد في شمال العراق، حيث ذبحت قوات صدام اكثر من 100 الف كردي وسوت مئات من القرى بالارض وألقت غازات سامة. وقد تم الافراج عن الخزرجي في الدنمارك بعد توجيه هذه الاتهامات له بضمانه الشخصي ولكن طلب منه عدم مغادرة الدنمارك.

ويؤكد الخزرجي براءته، ويقول انه ضحية لاتهامات زائفة من عملاء صدام ومن المنافسين في جماعات المعارضة العراقية المنشقة والمتصارعة.

وبالنسبة لمن يطاردونه فكل هذا لا يهم. فقد قالت بريجيت فستبرغ المدعية الخاصة انه لا يهمها ان الفريق شخصية محورية في المعارضة العراقية، ولم تهتم بما ادعاه انه سيغادر الدنمارك لقيادة تمرد ضد صدام حسين عندما وجهت اليه تهمة القتل الجماعي للمدنيين وغيرها من جرائم الحرب.

والفريق الخزرجي جندي بالميلاد والتدريب. فوالده كان عميدا في الجيش العراقي، وعمه رئيسا للاركان، وتلقى دراسته في الكلية العسكرية العراقية، وخدم في سلاح المدرعات والقوات الخاصة وسلاح المهندسين، وترقى بسرعة في سلم المناصب.

وفي عام 1971 كان ملحقا عسكريا في موسكو والتقى بصدام هناك. وكان رئيس المستقبل يبلغ من العمر عندئذ 34 سنة ونائبا لرئيس حزب البعث الحاكم. وقد تعرض عم الخزرجي إلى حكم الإعدام بعد انقلاب 1968 الذي اوصل حزب البعث للسلطة. وقد استعطف الخزرجي صدام بعدم اعدام عمه. وتعهد صدام بتخفيف الحكم، وهو ما فعله.

ومنذ ذلك الوقت نشأت علاقة يسودها الخوف. ويقول الخزرجي انه كان معجبا في البداية بصدام الذي اعلن انه سيؤسس دولة عربية حديثة. ولكن في السنوات التي أعقبت ذلك اصبح التعذيب والاعدامات الجماعية امرا عاديا. وعين الخزرجي قائدا للفرقة الاولى في شمال العراق خلال الحرب العراقية الايرانية. وفي عام 1987وهي السنة التي انخفضت فيها جهود الحرب عينه صدام رئيسا للاركان. واعاد الخزرجي هيكلة الجيش وشن حملة جديدة. وخلال عدة شهور انقلبت الآية وسعت ايران الى وقف اطلاق النار. وتحول الخزرجي الى بطل قومي.

وهو يقول ان صدام حافظ على سيطرة شخصية على معظم قطاعات الجيش، وانه كان مسؤولا عن الجيش النظامي. وفي 2 اغسطس 1990 غزت قوات الحرس الجمهوري تحت قيادة صدام الكويت. واضاف انه استدعي للقيادة العامة مع وزير الدفاع وابلغ بالنبأ. وقال «كانت تلك رسالة واضحة ان الرجل (صدام) لم يعد يثق بي».

وقال انه خلال عدة اسابيع كتب تقريرين استراتيجيين يتكهن فيهما بكوارث اذا لم ينسحب الجيش العراقي. وفي 18 سبتمبر 1991 استدعاه صدام لاجتماع وطلب منه قراءة التقرير، اوقفني وقال لي لماذا لا تقولها بصراحة انك لا تريد القتال في هذه الحرب؟ وصدمت، وقلت له ان ما كتبته هو جزء من الحقيقة وان الباقي اسوأ. وبعدها بيومين اعفيت من منصبي». ويعتقد الخزرجي ان شعبيته انقذته من الاعدام.

وبعدها بخمسة اشهر بعدما طردت الولايات المتحدة وحلفاؤها القوات العراقية من الكويت، استدعي الخزرجي مرة اخرى وارسل الى الناصرية في جنوب العراق للمساعدة في تنظيم دفاعات ضد غزو اميركي محتمل. وبدلا من ذلك واجه انتفاضة من شيعة المنطقة، وكان بينهم مجموعة من جنوده. وقتل المحافظ المحلي ورئيس حزب البعث في المنطقة واطلق عليه النار اربع مرات في امعائه.

وعقب ذلك عاش الخزرجي تحت الاقامة الجبرية تقريبا في منزله في بغداد، لا يخرج من مسكن الاسرة خوفا من القبض عليه او اغتياله. وفي عام 1996 قبل ما وصفه بأنها دعوة من المنشقين المنفيين الذين على علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية لمغادرة العراق والانضمام للمعارضة في الخارج، وفر من العراق مع اسرته عبر المناطق الكردية.

واستقر في عمان والتقى بممثلين من وكالة الاستخبارات المركزية الذين طلبوا منه الانضمام إلى حركة الوفاق الوطني العراقي وعندما رفض قطعت الوكالة الاتصالات معه.

ويشير ديفيد ماك، وهو دبلوماسي اميركي كبير ونائب رئيس معهد الشرق الاوسط في واشنطن وكان يعمل مع المعارضة العراقية، ان المسؤولين الاميركيين شعروا بالاحباط تجاه الخزرجي. ولم يكن الاردن مكانا آمنا فاتجه اللواء الخزرجي مع اسرته الى الدنمارك في عام 1999 طلبوا اللجوء السياسي. وخلال الانتظار للنظر في طلب اللجوء اقام واسرته في مسكن تابع للرعاية الاجتماعية في بلدة سورو على بعد 45 ميلا جنوب غرب كوبنهاغن. وهناك تعرف عليه لاجئ كردي اشتكى الى السلطات ان الدنمارك تؤوي مجرم حرب. ورفضت السلطات منحه اللجوء بسبب الاتهامات ولكنها سمحت له بالبقاء في الدنمارك. وعلمت صحيفة دنماركية في سبتمبر الماضي بالامر وكشفت عن وجوده في الدنمارك.

واحرج تقرير الصحيفة حكومة يسار الوسط وتحول الخزرجي الى قضية انتخابية وكان احد اسباب هزيمة الحكومة في الانتخابات. ووصفته وسائل الاعلام الدنماركية بأنه «جنرال السموم».

وتتركز الاتهامات على دور الخزرجي قبل وخلال حملة الانفال. وكانت الحملة قد بدأت في عام 1987 بعدما اعتقلت القوات العراقية الافاً من المدنيين الاكراد وسلمتهم الى الشرطة السرية ودمرت مئات القرى، واستخدمت غاز الخردل وغاز الاعصاب في الهجوم على بلدة حلبجة في مارس 1988 مما ادى الى مقتل ما يترواح بين 3 آلاف و5 الاف مواطن. وكشفت جماعة «هيومن رايتس ووتش» عن عدة مذكرات واوامر تدين الخزرجي. واولها ترجع الى 14 مايو 1987 تقول احداها «ان قائد الفرقة الاولى اصدر امرا بناء على طلب الرفيق علي حسن المجيد (ابن عم صدام وحاكم كردستان آنذاك) بإعدام الجرحي المدنيين بعدما يتأكد الحزب من عداوتهم للسلطة».

وينفي الخزرجي انه اطلع على اي من هذه الاوامر او انه لعب دورا في الانفال او مذبحة حلبجة. وقال ان صدام كلف المجيد بمسؤولية التعامل الكامل فيما يتعلق بالاكراد.

وقدم الخزرجي للمحكمة رسائل من احزاب المعارضة الكردية الرئيسية تبرئه وتتهم نظام صدام حسين بمحاولات تشويه سمعة الخزرجي بهدف تخويف المسؤولين العراقيين من الفرار والانضمام الى المعارضة. وكل هذه الوثائق هي جزء من ملف متضخم في مكتب بريجيت فستبرغ. بالاضافة الى شهادة مائة شاهد والتحقيقات التي اجرتها. وتوجد اكثر من 2.4 مليون وثيقة من شمال العراق محفوظة في بولدر بولاية كولورادو الأميركية تحت سيطرة وزارة الخارجية. وهي في حاجة للاطلاع على بعض الوثائق الاصلية لاعداد قضيتها.

وتجدر الاشارة الى ان فستبرغ، 60 سنة، قضت 19 عاما كواحدة من المدعين الاقليمين العامين للجرائم الخطرة، وعددهم ستة. وتقول انه اذا كان الخزرجي او القوات التابعة له ساهمت في اعمال تنتهك معاهدات جنيف فستوجه اليه التهمة. واضافت ان كل القوانين الدولية المتعلقة بالحرب منذ الحرب العالمية الثانية تؤكد أنه «لا يمكن التحجج بالقول انك كنت تتبع الاوامر».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»