أشجار البروسوبس تعود للظهور مجدداً في السعودية بعد حملة شرسة لوأدها

الجدل بشأن مخاطر الشجرة على الصحة ينتهي بالمطالبة بالتوسع في زراعتها * دوافع معركة إزهاق أعظم إنجاز بيئي في الصحراء لا تستند إلى أساس علمي * ربع مليون من النباتات المزهرة أكثرها يسبب الحساسية لمن لديهم القابلية الوراثية

TT

بدأت اشجار البروسوبس بالظهور مجدداً في المدن السعودية بعد ان وضع مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بالرياض حداً للجدل الذي اثير منذ سنوات حول مخاطر زراعة هذه الشجرة والمطالبة باتلافها بحجة انها تسبب مخاطر صحية رغم الاهتمام العالمي بهذا النوع من الأشجار والتوصية بالتوسع في زراعته نظراً لفوائده واهميته البيئية والاقتصادية وخصوصاً في المناطق الصحراوية حيث اعتمد سكان الحضارات في البيئات الجافة على هذه الشجرة لملاءمتها مع الطبيعة الصحراوية، وشكلّت ثمرتها عبر العصور الماضية مصدر غذاء جيدا للانسان كما يمكن خلطها مع مواد اخرى لتغذية المواشي والدواجن لاحتوائها على نسب عاليهة من البروتين بالاضافة الى انها شجرة تتميز باخضرارها وتوفيرها للظل وهو ما يناسب الاقاليم الصحراوية والجافة.

بدر الخريف من الرياض سجل حجم الجهود التي بذلت لاعادة هذه الشجرة الى الغطاء النباتي في السعودية والاهتمام العالمي بها واهميتها الاقتصادية والبيئية.

اثمرت جهود المختصين في السعودية الذين دافعوا عن هذه الشجرة وانتقدوا قرار اتلافها في المدن السعودية التي شهدت شوارعها وحدائقها تشجير اعداد كبيرة منها قبل سنوات اثمرت هذه الجهود عن صدور توجيهات الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران بالاستمرار في زراعة هذه الشجرة بل والتوسع في ذلك، مما اوقف الهراء والاصوات التي طالبت باتلاف هذه الشجرة وتحقيق الحماية لهذا الانجاز البيئي الضخم.

* دفاع عن بروسوبس

* واوضح إبراهيم البليهي مدير عام الشؤون البلدية والقروية بالقصيم «وسط السعودية» الذي خاض خلال سنوات معركة للدفاع عن البروسوبس وعدم اتلافها ان مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة ممثلاً بالدكتور عبد الملك بن عبد الرحمن آل الشيخ المشرف على المركز كان له دور رئيسي وبارز في حماية المنجز البيئي الضخم الذي كان معرضاً للاتلاف الكامل مشدداً بالقول لقد مرت على الامانات والبلديات ايام عسيرة ومؤلمة لأن الناس استجابوا للشائعات وبدلاً من ان يكون اخضرار المدن مبعث سعادة كما هو الحال في كل اقطار الارض تحول إلى مصدر خوف خلافاً للاجماع الإنساني منذ اقدم العصور. لقد كانت فضيحة حضارية وكارثة بيئية وخسارة اقتصادية وحمقا صحيا كما كشفت هذه الهجمة الرعناء ان الشائعات اذا لم تواجه فوراً بالحقائق يمكن ان تقوض أعظم الانجازات. فالذي حصل فظيع وشنيع فما من شعب في الدنيا حارب الاخضرار احتجاجاً على انه يُزهر سوانا فالمجتمعات تعتبر حمى الربيع من الظواهر الطبيعية بل يعتبرونها دلالة الخصب وعنوان الرخاء وضريبة الاخضرار البهيج فحتى الغيث يأتي مصحوباً بالرعود والصواعق وربما الفيضانات ونحن في هذه الصحراء الجدباء نزهق عشرات الآلاف من الاشجار الوارفة احتجاجاً على تزهيرها بينما الذين يعيشون مغمورين بالاخضرار لا يسمحون بقطع غصن من شجرة الاّ برخصة خطية بعد الاقتناع من ضرورة ذلك!!!!

* لغط مفتعل

* ورأى البليهي أن القضية رغم فداحة نتائجها كانت مفتعلة فمثل ذلك اللغّط الذي حصل لا يمكن ان يحصل في اي مجتمع يعيش وسط الاخضرار او عند شعب متحضر يدرك ان وجود جانب غير مرغوب في أي شيء لا يبرر مهاجمته لأن التقييم لأي شيء يقوم على مبدأ الترجيح فلا يوجد في الدنيا شر محض ولا خير محض وانما الذي يغلب نفعه يعتبر نافعاً وما يغلب ضرره يعتبر ضاراً فالنباتات المزهرة تسبب الحساسية لفئة من الناس لديها خلل في جهاز المناعة فالتعريف العلمي للحساسية انها: «.. رد فعل غير طبيعي لمؤثر طبيعي..» بمعنى ان الاصل في حبوب لقاح لنباتات انها لا تسبب الحساسية اما الذين يتحسّسون منها فان الخلل فيهم وليس في النباتات المزهرة.

واشار الى انه يوجد ربع مليون من النباتات المزهرة واكثرها يسبب الحساسية لمن لديهم القابلية الوراثية وهذه الحقيقة معروفة في كل المجتمعات المتحضرة او التي عايشت الاخضرار وتتفتح في اوطانها الازهار اما رد الفعل الذي حصل هنا فيعود الى اننا في هذه الصحراء القاحلة لم نتعود على ان نعيش وسط النباتات المزهرة فالاخضرار ليس من طبيعة هذه البيئة الجدباء المعادية للحياة وانما هو شيء طارئ ومجلوب ومصطنع وليس نتاج البيئة بشكل طبيعي لذلك استنكرناه فالناس أعداء ما جهلوا.

وشدد على ان المسألة ليست صحية وانما هي قضية اجتماعية ثقافية وينبغي ان لا تمر دون ان نأخذ منها العبرة حتى لا تستأصل الشائعات كل الانجازات الوطنية لأنه لا يوجد أي شيء الا وهو معرض لمثل هذه الحجة الرعناء لذلك فان مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بحكم اختصاصه بهذه البيئة الصحراوية المعادية للحياة هو اهم الجهات العلمية المسؤولة عن نشر الوعي بطبيعة الصحراء وتوطين التفكير الواقعي في التعامل مع بيئتنا القاسية ذات الوضع الحرج فالوعي هو الاهم لأن الشائعات يمكن ان تثار بنفس الطريقة حول أي منجز وطني مهما بلغت عظمته.

وقدم البليهي شكره للمشرف على المركز والباحثين على اهتمامهم بالبيئة وعنايتهم بالمنجزات الوطنية.

* اهتمام عالمي بأشجار البروسوبس

* في الوقت الذي ظهرت فيه اصوات في السعودية قبل سنوات تطالب بايقاف زراعة اشجار البروسوبس كانت المنظمات العالمية ومراكز الابحاث تقوم بجهود لدعم الاتجاه العالمي لنشر زراعة هذه الشجرة وتحقيق مساهمتها في حل مشكلة التصحر وتوفير غطاء نباتي والقضاء على أسباب التلوث مما يؤكد ان الاتجاه المحلي الى تشجير المدن السعودية بهذه الشجرة هو امتداد للاتجاه العالمي، وان الهجمة على هذه الشجرة لا تقوم على أي سند علمي. فقد اسفرت هذه الجهود العالمية عن انشاء اتحاد عالمي للبروسوبس لتخضير الصحارى الشاسعة وتغيير البيئة الطاردة للسكان.

ويقود فريق تعاوني عالمي منذ 15 عاما تشارك فيه الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك وشيلي مشروع دراسة تطبيقية لزراعة بعض انواع البروسوبس البالغ عددها 44 نوعاً من منطلق انها انواع اقتصادية ومحاصيل جديدة واعدة في مجال غذاء الانسان والحيوان.

وثمار البروسوبس او القرون هي محصول يؤمل حصاده لصنع دقيق البروسوبس الخشن او الناعم واستخدامه مخلوطاً مع دقيق القمح او فول الصويا او الذرة الصفراء لغذاء الانسان الى جانب خلطات خاصة لتغذية المواشي والدواجن.

وقد عمد سكان المناطق الجافة في أميركا وآسيا وأفريقيا الى ثمار هذه الاشجار للحصول على مادة تؤكل وتخبز ويمكن توظيف التقنية الحديثة للاستفادة من ثمرة هذه الشجرة.

* البروسوبس: سريعة الإكثار والنمو وفوائدها متعددة وتعيش تحت أسوأ الظروف

* تعتبر ا شجار الغاف/البروسوبس Prosopisspp من نباتات الاقاليم الجافة Xeriophytes فهي تنمو تحت ظروف البيئة السائدة في شبه الجزيرة العربية، وتتحمل درجات الحرارة الجوية العالية، والجفاف الشديد وارتفاع نسبة الملوحة في التربة.

تمتاز هذه الشجرة بسهولة الاكثار وسرعة النمو والتكيف مع الجو المحيط بها، حيث تقوم بإنتاج مجموع جذري قوي قادر على التعمق في التربة لمسافات بعيدة قد تصل الى 50 متراً في بعض الانواع، كذلك تنتج كميات كبيرة من الأخشاب المتينة والقرون الثمرية التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين والسكر بالاضافة الى اهمية ازهارها في انتاج العسل.

تستعمل هذه الأشجار في تشجير وتثبيت الكثبان الرملية المتحركة وإقامة مصدات الرياح وأحزمة الوقاية الخضراء وتشجير الشوارع والطرقات والمتنـزهات العامة، وإنتاج كميات كبيرة من القرون الثمرية واحطاب الوقود والأخشاب الأخرى، وفي كثير من بلدان أميركا الوسطى والجنوبية يقوم المواطنون هناك بطحن ثمار الغاف وتحويلها إلى خبز حلو الطعم يأكلونه ويتغذون عليه.

ويطلق اسم الغاف «البروسوبس» على تلك الاشجار التي تنمو في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة العربية في كل من عمان والامارات العربية تحت اقصى ظروف الجفاف والحرارة واشعة الشمس المباشرة، وهذه الاشجار التي يطلق عليها اسم اشجار الغاف معروفة ايضاً في الهند وباكستان تحت اسم جهند واسمها العلمي Prosopisspicigera اما في الولايات المتحدة فيطلق اسم ميسكيت mesquite على جميع انواع الغاف Prosopisspp التي تنمو جنوب غربي الولايات المتحدة والمكسيك تنتمي انواع الغاف Prosopisspp الى تحت عائلة mimosoideae والفصيلة البقولية mimosaceae ومن مميزاته الرئيسية التي تختلف عن بقية البقوليات ان قرونه لحمية لا تفتح عند النضج وتنثر حبيبات الطلع على شكل حبيبات منفردة وليس على شكل متجمع.

هذا ويبلغ عدد انواع الغاف في العالم الجديد «الأميركيتين» في كل من المكسيك والتشيلي وبيرو والأرجنتين حوالي 40 نوعاً بينما لا يزيد عددها في العالم القديم على اربعة انواع.