الإسكندر الأكبر يساهم في تحرير بابل سينمائيا

أحمد عثمان

TT

يعد السينمائي الاميركي المعروف اوليفر ستون العدة لتصوير فيلمه الجديد «الاسكندر الأكبر»، في الخريف المقبل في وديان المغرب وصحاراه. ويعتمد سيناريو الفيلم على كتاب تاريخ الاسكندر الذي كتبه لين فوكس استاذ التاريخ القديم بجامعة اكسفورد منذ ثلاثين سنة. سيلعب كولين فاريل دور الاسكندر، كما يساهم في تصوير المعارك خيالة من اسبانيا ووحدات من الجيش المغربي. ورغم فشل العديد من المحاولات السابقة لانتاج فيلم عن حياة الاسكندر، يبدو ان الظروف السياسية الجديدة والتحضير الاميركي للحرب على العراق، جعلت لقصة تحرير الاسكندر المقدوني لبابل اهمية خاصة في الوقت الحاضر.

تقع مقدونيا شمال شرقي بلاد اليونان، وهاجرت اليها القبائل المقدونية التي جاءت من غرب اوروبا خلال القرن الثامن قبل الميلاد. ولم يذكر الشاعر هوميروس في رواياته اسم القبائل المقدونية من بين الاقوام اليونانية، كما ان الجغرافي سترابو لم يتحدث عنهم عندما ذكر اسماء الاراضي اليونانية.

وفي العصور الحديثة توزعت اراضي مقدونيا القديمة بين صربيا وكرواتيا ومقدونيا وجنوب بلغاريا، كما حصلت اليونان على الجزء الجنوبي الغربي.

وبعد عدة قرون من الحياة القبلية، تمكن فيليب فيليبوس الثاني من توحيد الاقوام المقدونية تحت سلطته عند منتصف القرن الرابع قبل الميلاد وتكوين جيش منظم لها. ولما كانت القوات الفارسية تتجمع في ذلك الوقت عند مضيق الدردنيل تأهبا لغزو اوروبا، لجأ فيليب الى غزو ممالك اليونان تمهيدا لمواجهة الفرس، تمكن بالفعل من التغلب على تحالف اثينا وطيبة في معركة حاسمة عند خيرونيا عام 338 ق.م.

كان الاسكندر في العشرين من عمره عندما مات أبوه فيليب وخلفه هو على عرش مقدونيا. وبعد حروب قضى فيها على تمرد الممالك اليونانية، قاد الاسكندر ـ جيشه المكون من 35 الف مقاتل ـ عبر مضيق الدردنيل عام 334 قبل الميلاد، لمواجهة الجيوش الفارسية. وفي اول معركة له مع الفرس عند نهر غرانيكوس شرق طروادة، انتصر الاسكندر وهرب دارا (داريوس) ملك الفرس من ارض المعركة، مما جعل مدن آسيا الصغرى تفتح ابوابها للاسكندر دون قتال.

ثم عاد الجيشان الى اللقاء عند مدينة ايسوس (شمال الاراضي السورية) داخل تركيا، وهناك اندحرت القوات الفارسية للمرة الثانية وهرب دارا الى ارض الرافدين تاركا وراءه أمه وزوجته واولاده، اسرى في ايدي الاسكندر. ولكن بدلا من مطاردة الملك الفارسي، سار الاسكندر بجيشه جنوبا على الشاطئ السوري حتى وصل بلاد الفينيقيين، وهناك تلقى رسالة من دارا يعرض فيها شروط الصلح. فرد الاسكندر طالبا من الملك الفارسي الحضور شخصيا لمقابلته ومناقشة شروط السلام معه. ولما رفض دارا هذا الطلب واصل الاسكندر طريقه جنوبا على الساحل الفينيقي ولم تقف في طريقه سوى مدينة صور التي اضطر الى حصارها سبعة اشهر قبل سقوطها.

وعندما وصل الاسكندر الى الحدود المصرية، استقبله اهلها بالترحاب حتى يخلصهم من سوء المعاملة التي تلقوها على يد الفرس. وفي منف العاصمة توَّجه الكهنة ملكا على مصر ووضعوا على رأسه تاج الارضين. وفي احتفال كبير قدم الملك الجديد القرابين الى «عجل ابيس» في معبد السرابيوم بسقارة، وكان المصريون يعتبرون هذا الحيوان رمزا لبتاح معبود منف.

بعد هذا سافر الاسكندر بالمركب في مياه النيل شمالا في الفرع الغربي للدلتا، حتى وصل الى بحيرة مريوط فنزل في المنطقة المحصورة بين البحيرة جنوبا والبحر الابيض شمالا في مواجهة جزيرة فاروس. وهنا فكر الملك الشاب ببناء مدينة في هذا الموقع تحمل اسمه وتكون عاصمته الجديدة. وبعدما وضع خطة بناء مدينة الاسكندرية قرر الاسكندر زيارة معبد آمون في سيوة، وسار واصحابه مسافة 500 كيلومتر وسط رمال الصحراء الليبية، في رحلة شاقة استغرقت ثلاثة اسابيع للوصول الى الواحة.

* ذو القرنين

* كان معبد آمون في سيوة ـ الذي بناه احد ملوك الاسرة 26 قبل قرنين من عصر الاسكندر ـ له شهرة عالمية في النبوءة بلغت جميع انحاء العالم القديم. وكان اليونانيون يطلقون على آمون المصري اسم «زيوس»، وهو كبير آلهتهم، بينما اطلق عليه الرومان اسم «جوبيتر». وصل الاسكندر الى معبد سيوة في فبراير (شباط) 331 قبل الميلاد. وهناك اخذه الكاهن الاكبر وادخله الى قدس الاقداس ـ وهو حجرة مظلمة لا يدخلها الا الكاهن الاكبر والملك ـ ولم يسمح لاحد من مساعديه بالدخول معه. وعندما خرج الاسكندر من المعبد بدا عليه الارتياح، ورفض الافصاح عما حدث بالداخل، وكان كل ما قاله لاصدقائه «سمعت ما يحبه قلبي».

وقبل ان يغادر سيوة اعلن الكهنة الاسكندر ابنا لآمون، ووضعوا على رأسه غطاء رأس آمون الذي يمثل رأس كبش له قرنان. واصبحت صورة الاسكندر على العملات المضروبة بعد هذا التاريخ تحمل قرنين على رأسه، تشبها بآمون ولهذا عرف الاسكندر على انه «ذو القرنين»، وهو الذي ورد ذكره في سورة الكهف: «ويسألونك عن ذي القرنين، قل سأتلو عليكم منه ذكرا».

غادر الاسكندر منف بعد بضعة اسابيع من اصداره الاوامر بالمباشرة في بناء مدينة الاسكندرية في 7 ابريل 331 ق.م، بعد قضاء سبعة اشهر في مصر. وسار في طريقه الى شمال سورية، ثم عبر نهر الفرات لملاحقة جيوش دارا والتقى به في معركة حاسمة عند مدينة كوكميلة (قرب اربيل)، شرق دجلة، انهزم فيها الجيش الفارسي وصار الطريق مفتوحا امامه لغزو بلاد فارس نفسها. وكانت بابل قد خضعت لحكم الفرس لمدة مائتي عام قبل وصول الاسكندر اليها وعانت خلالها من بطش الاكاسرة الفرس. اذ تحولت ارض الرافدين الخصبة الى اقطاعيات لقادة الفرس والاجانب، الذين التزموا بدفع الضرائب للقصر الفارسي في شوش، وسار الاسكندر بجيشه جنوبا الى بلاد بابل فاستقبلته بالترحاب، حيثما حل، وعندما اقترب الاسكندر من اسوار بابل طلب من جنوده الاصطفاف والانتظام في مسيرتهم، واراد ان يظهر للبابليين انه جاء لتحريرهم من البطش الفارسي. ففتحت البوابات وخرج كبار المسؤولين لاستقباله يرشون الارض ازهارا ويحملون اواني فضية للبخور والعطور. وجاء قائد الحامية الفارسية بقطيع من الاغنام والخيل، ومن ورائه الكهنة يرتلون اناشيدهم ويعزفون موسيقاهم. ودخل الاسكندر المدينة ممتطيا عجلته الحربية، حتى وصل الى قصر الملوك وسط بابل الذي بناه نبوخذ نصر.

* نبوءة العرافين * بعد فترة من الراحة والاستجمام في بابل، سار الاسكندر شرقا، حيث اخضع كامل الارض الفارسية، قبل دخوله بلاد الهند ومد حدود ملكه من افغانستان الى بلاد اليونان. ولكن بعدما اصابه سهم في صدره في احدى معارك البنجاب، قرر الاسكندر العودة الى قصره في بابل. وفي الطريق خطرت له فكرة غزو جزيرة العرب. وكانت الجزيرة العربية قد اضحت المنطقة الوحيدة الباقية خارج سلطة الاسكندر في المنطقة الممتدة ما بين بلاد اليونان غربا وارض الهند شرقا. وبالفعل ارسل الاسكندر احد ضباطه الى جزيرة البحرين ليعد الموقع لوصول قواته اليها، كما بنى ميناء خاصا على نهر الفرات عند مدينة بابل، جمع به اسطولا بني من خشب الارز الذي احضره من بلاد الفينيقيين الذين اختار منهم بحارته، ثم ارسل الاسكندر وحدة استطلاعية نزلت بجزيرة فيلكة ـ التابعة للكويت الآن ـ وكذلك في البحرين، وكانت البحرين ما تزال في تلك الحقبة ارضا خصبة ومركزا مهما لتجارة الافاويه والبخور من جنوب الجزيرة العربية. وبالرغم من كل هذه التحضيرات لم يتحرك الجيش المقدوني من موقعه في بابل بسبب المرض الذي اصاب الاسكندر فجأة، فقد كان الملك الشاب ـ الى جانب حالة الاعياء الشديد التي وصل اليها نتيجة لكثرة حروبه ـ اصيب بجراح بالغة وهو يحارب في بلاد الهند، جعلته يلجأ الى مدينة بابل.

ولقد تنبأ العرافون البابليون بموت الاسكندر، فاقترحوا وضع شخص آخر في مكانه حتى يفديه في مواجهة الخطر، لكن الاسكندر لم يأخذ النبوءة مأخذ الجد، وقيل ان احد اتباعه دعاه الى شراب اصيب بعده بارتفاع كبير في الحرارة، مما اضطره للمبيت في حوض مملوء بالماء في الحمام. وبعد تناول كأس ثانية قدمها له الشخص نفسه، سقط الاسكندر ساكتا وظل عاجزا عن الكلام الى ان مات بعد اربعة ايام وهو لم يتجاوز 33 عاما. وكان موت الاسكندر في تلك اللحظة هو السبب الوحيد الذي جعل منطقة الخليج تحتفظ بوضعها خارج حدود الامبراطورية المقدونية التي سيطرت على كامل بلدان الحضارات القديمة.