مهرجان الأغنية السورية.. مكانك سر!

TT

اعترف الفنان دريد لحام، مدير مهرجان الأغنية السورية وهو يقدم لدورته السابقة التي اقيمت أخيراً في مدينة حلب بأنهم ـ في ادارة المهرجان ـ يواجهون مشكلة التكرار وبالتالي الوقوع في النمطية والمراوحة في المكان، خاصة أن هذا المهرجان مرتبط بآلية واحدة، بحكم مهامه المحدودة بصناعة الأغنية «لذلك كان أمامنا مهمة تبدو مستحيلة وهي التجديد ضمن الثوابت، والتطوير ضمن التقاليد التي اصبحت راسخة، مستفيدين من تجربتنا الذاتية، وما يثار حولها من اجتهادات واقتراحات تعمق الايجابي وتتجنب السلبي، وتكفل الاستمرار».

وعلى الرغم من أن هذا الكلام ليس تبريرا لعدم تحقيق المهرجان النقلة النوعية الموعودة، وخاصة بعد دورته السابعة، إلا اننا نعتبر اصرار ادارة المهرجان على أن تجعل اليوم الثاني منه خاصا بتكريم رائد المسرح العربي، ابي خليل القباني، واصدار كتابين عنه، مبادرة مهمة، لما لهذا الفنان الرائد في القرن التاسع عشر من دور في تأسيس المسرح العربي في سورية، ثم في مصر، من خلال تجربة حافلة ومريرة، بالاضافة إلى احياء تراثه الغنائي المسرحي بحلة جديدة ومتطورة وباصوات واعدة وشابة وباعداد وتوزيع وتقديم بصورة مبهرة وعبر فرجة مسرحية متألقة. قدم المهرجان له في ليلته الثانية احتفالية ساهرة لمختارات من اغانيه وموشحاته مثل: شمس الراح ـ محبوبي ـ يا سعدك صبحية ـ ما اضمالي ـ كيف لا اصبو ـ يا غصن نقا ـ يا طيرة طيري.. وقام باعداد هذه الاعمال من الملحنين: ابراهيم جودت وعدنان ابو الشامات ومحمد هباش، وقام بالتوزيع الجديد محمد هباش ومطيع المصري، وقدمتها المجموعة، والمطربون عمر سرميني وكنانة القصير وفاتن حموي وعتاب العيسى.

وقام الفنان اسامة الرومانية بتشخيص بديع لشخصية ابي خليل القباني، وهو يقدم عرضا افتراضيا لسيرته الشخصية على الشاشة البانورامية المرفقة، وسلم عدنان عمران وزير الاعلام شهادة تقدير لعائلة ابي خليل القباني تسلمها الدكتور صباح قباني، شقيق الشاعر الراحل نزار قباني.

ويشتمل الكتابان اللذان اصدرهما المهرجان عن القباني جهدا استثنائيا من لجنة التراث التابعة للمهرجان، والتي يرأسها المخرج جميل ولاية الذي حدثنا عن ظروف اصدار هذين الكتابين قائلا: جمعنا مصادر كثيرة عن هذا الرائد الكبير والعصر الذي عاش فيه واتصلنا باهله واقاربه ومنهم الدكتور صباح قباني حيث قدم لنا مجموعة من الكتب والمقالات التي تغني البحث، وقصدنا بيروت وجمعنا مصادر جديدة من الدكتور محمد يوسف نجم، وقدم لنا الدكتور علي عقلة عرسان مصادر قيمة عن القباني، كما بحثنا عن مصادر اخرى في وزارة الثقافة والمكتبة الظاهرية والمكتبات الخاصة وخزائن كتب بعض المراكز الثقافية الاجنبية وحتى في مكتبات الارصفة، وكتب الناقد عبد الفتاح قلعجي الجزء الأول الذي يضم حياة القباني ومسيرته الكفاحية مع المسرح، اما الجزء الثاني من الكتاب فيشتمل على الحانه واغنياته. وانجز هذا العمل عبد الكريم عبد الرحيم، وقام الملحنان ابراهيم جودت وعدنان ابو الشامات باعداد مدونات الحان القباني، وقد وزع الكتابان على المشاركين في المهرجان وعلى ضيوفه، وهذه هي المرة الاولى التي يصدر فيها مؤلفان شاملان عن حياة واعمال ابي خليل القباني الذي ولد عام 1833 وتوفي عام 1903.

والمعروف ان القباني عانى كثيرا من الاضطهاد في العهد العثماني لتأسيسه المسرح الذي كان كثيرون يرون فيه نوعا من المفسدة للاخلاق فهدموا مسرحه في دمشق، واحرقوا مسرحه في مصر حيث عمل في سورية حتى عام 1884 قبل ان يهاجر إلى مصر ويقدم في الاسكندرية، ثم في القاهرة، ثم في اكثر مناطق مصر، مئة وخمسة عروض بين عامي (1884 ـ 1900) غنى في بعضها عبده الحامولي.

أغاني الاطفال بدأ مهرجان الاغنية السورية يقدم أخيراً يوما خاصا لاغاني الاطفال التي اصبحت تأتي في اولويات اهتمامه «وقد تبين الآن اكثر من أي وقت مضى بأن الاطفال ليسوا فقط الذين ينشدون حقوقا مهملة، بل هم صانعو الحق للشعوب، واطفال الحجارة شهادة سامية ابهرت الضمير العالمي وهزته من الاعماق».

وقد خصص اليوم الأول لأغاني الاطفال حيث قدمت مجموعة منهم اغاني متطورة كما وزعت الجوائز على الفائزين من الاطفال في الدورة السابقة للمهرجان.

أما في المجال البانورامي قدم المهرجان اعمالا غنائية بانورامية هي توليفة لمجموعة اغان ورقصات ودبكات حول موضوع واحد، فكانت بانوراما (اللالا) وبانوراما (الورد)، بحيث كانت خريطة من نوع متطور قطباها: احياء التراث الغنائي وصناعة الاغنية الحديثة.

النشاط الثقافي الموازي يتميز مهرجان الاغنية السورية بهذا النوع من النشاط الثقافي الموازي للاعمال الفنية ويشتمل هذا النشاط على:

ـ معرض للرسوم النادرة التي ترصد تاريخ الموسيقى والغناء في العالم منذ بدء التاريخ حتى اليوم. واقيم هذا المعرض بجهد شخصي من الناقد صلاح الدين وارشيفه الخاص.

ـ معرض رسوم وصور عن آلة العود وهي سلطانة الطرب العربي مع بيان مؤثراتها وتأثيراتها وانتشارها العالمي بصيغ ونماذج مختلفة. واقيم معرض آخر للصور الفوتوغرافية، ومعرض مهم للكتب التي صدرت عن الغناء والموسيقى يضم اكثر من خمسمائة عنوان وتوازي فعاليات المهرجان ندوات ثقافية يشارك فيها محاضرون، ويشارك الحضور من خلال مداخلاتهم.

كان موضوع ندوات دورة هذا العام النظر إلى المسرح الغنائي والرقص، والتمثيل معا.. وقد شارك في الندوة المحاضرون: الدكتور سعد الله أغا القلعة، والدكتور رياض عصمت، والناقد عبد الفتاح قلعجي، والدكتور عبد الله ابو هيف، والدكتور عجاج سليمان.

أما مسابقة الاغاني الجديدة، والتي امتدت على مدى يومين فقد شارك فيها بالاضافة إلى الجوقات، والفرق الفنية التي هي فرقة جلنار، وفرقة الشهباء، وفرقة الرقة للفنون الشعبية، أكثر من حوالي خمسين مطربا ومطربة من الشباب ومن اصحاب المواهب الغنائية الواعدة، والمعروف أن هناك جوائز توزع على الفائزين: جائزة الاورنينا الذهبية تعطى لافضل اغنية شعبية (نساء) وأفضل اغنية شعبية (رجال)، وافضل اغنية حديثة (نساء) وافضل اغنية حديثة (رجال)، وافضل اغنية حديثة طرب (نساء) وافضل اغنية حديثة طرب (رجال). بالاضافة إلى افضل تعبير راقص للفرق.

وهناك جائزة اورنينا القارية تمنح لأفضل كلمات، وافضل لحن شعبي، وافضل لحن حديث، وافضل لحن طرب، وافضل توزيع، وافضل صوت نساء، وافضل صوت رجال، وافضل اداء وحضور مسرحي (نساء) وافضل اداء وحضور مسرحي (رجال).

وعلى الرغم من هذه الفعاليات المنوعة التي تعطي مهرجان حلب هذا التميز عن غيره من المهرجانات العربية، فلا يزال بحاجة إلى نقلة نوعية حقيقية تعيد توازنه، وتجدد فعالياته، وتساعد على تخريج عدد من اصحاب المواهب الواعدة من منطلق صحيح ينهي ظاهرة الفلتان في عالم الطرب والغناء ويضع عقبات حقيقية أمام محاولات اقتحام هذا الميدان من دون موهبة او خبرة او تأهيل.