فريق تنقيب نفطي يفتح الباب أمام فك لغز اختفاء جيش قمبيز في صحراء مصر

TT

تملكت الإثارة والدهشة فريقاً مصرياً للتنقيب عن النفط عندما عثر على عظام آدمية وخناجر ورؤوس اسهم منتشرة في منطقة تكثر بها الكثبان الرملية، غير ان درجة الدهشة والإثارة كانت أكثر عند اكتشاف فريق خبراء الآثار قصة اكتشاف هذه الأشياء.

مصدر الدهشة لم يكن في العثور على آثار متعلقة بأسلحة الحرب القديمة لان هذه مسألة مألوفة في مصر، وإنما في الموقع الذي عثر فيه على هذه الآثار وهو موقع قريب من واحة سيوة بالقرب من الحدود الليبية. ففي هذا المكان اختفى عام 532 قبل الميلاد جيش قوامه 50 ألف مقاتل من دون ان يعثر له على أثر وهو الجيش الذي أرسله الملك الفارسي قمبيز الثاني ابن قورش العظيم لطرد وتعقب كاهن في منطقة سيوة تنبأ بسقوط حكمه، غير ان عاصفة رملية مفاجئة وعنيفة هبت في المنطقة الصحراوية قبل ان يصل جيش قمبيز إلى وجهته. هذه هي رواية هيرودوت (هيرودوتوس) اشهر المؤرخين الإغريق خلال فترة القرن الخامس قبل الميلاد وهو الذي صور قمبيز كشخص «مجنون» و«سيئ» و«خطير». وقد فشل الكثير من المحاولات والجهود التي بذلت خلال مختلف فترات القرن الماضي في العثور على أي دليل على جيش قمبيز مما أدى إلى تشكيك المؤرخين في احتمال ان تكون رواية هيرودوت حول جيش قمبيز ملفقة.

ولكن بعد مرور أربع سنوات على هذا الاكتشاف بدأ فريق من خبراء الآثار والجيولوجيين إلى جانب علماء آخرين عملية مسح للمنطقة التي عثر فيها على بقايا جيش قمبيز باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية، بينما ستخضع العظام لاختبار الحمض النووي. ويعتقد الدكتور محمد الصغير، المسؤول في المجلس الأعلى للآثار بالقاهرة، ان بقايا جيش قمبيز ترقد فعلا تحت رمال الصحراء. فعقب تخريب معبد آمون، الذي ذاع صيته بعد زيارة الاسكندر الأكبر له عام 332 قبل الميلاد، كان من المفترض ان يهاجم جنود جيش قمبيز الليبيين بغرض استرقاقهم، طبقا لرواية هيرودوت. ومن الواضح ان الطبيعة اخفت تماما المصير الذي انتهى إليه الجيش الغازي وهو لا يزال في نصف الطريق، كما كتب هيرودوت الذي تلقى معلوماته من سكان سيوة. ويذكر ان تلك الحملة كانت واحدة من ثلاث حملات سعى قمبيز من خلالها إلى فتح بقية القارة الأفريقية بعد غزو مصر عام 525 قبل الميلاد الذي كان بمثابة نهاية لحكم الأسرة الفرعونية الـ26 وبداية لحقبة حكم فارسي استمر جزءاً كبيراً من فترة القرنين التاليين.

وطبقاً لهيرودوت، فان قمبيز قاد شخصيا قوة تابعت مجرى النيل جنوباً لفتح إثيوبيا، غير انه اضطر إلى العودة مع قواته بسبب نقص الإمدادات. وحسب رأي الدكتور جاب الله علي جاب الله، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية، ان وصف قمبيز بالجنون مصدره الإغريق الذين لم تكن علاقتهم بالفرس على ما يرام. ويضيف جاب الله ان هيرودوت، الذي كان موجوداً في مصر خلال الفترة من 450 إلى 460 قبل الميلاد، تلقى الكثير من معلوماته من المصريين خلال فترة تمرد واحتجاج ضد الحكم الفارسي.

هذا، وبصرف النظر عن حفر واستخراج بقايا جيش قمبيز لتسليط الضوء على الحرب ومختلف الجوانب المتعلقة بالقتال قبل 2500 سنة مضت، فان ثمة انقساماً في الآراء بين كبار علماء الآثار والمصريات، فالدكتور الصغير، الذي سيقود عملية التنقيب، واثق من النجاح. اما الدكتور جاب الله، فيرى ان الكتاب والمؤرخين الكلاسيكيين ذكروا ان جيش قمبيز دفنته عاصفة رملية ولكن ليس هناك مصدر آخر لهذه المعلومة. ويرى ان المسح إذا انتهى إلى نتيجة سلبية فان «النتيجة السلبية تعتبر نتيجة أيضا»، على حد تعليقه.

*خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» خاص بـ«الشرق الأوسط» =