قدمت مجموعة استشارية من العراقيين في المنفى، ممولة من قبل وزارة الخارجية الاميركية، توصية بان العراق يجب ان يضاعف انتاجه النفطي للاسراع بنموه الاقتصادي، وان عليه ان يعيد الشركات النفطية الاجنبية ليتمكن من ذلك. وقال اعضاء المجموعة ان العراق لا يمكنه ان يجتذب مليارات الدولارات التي يحتاج اليها لمضاعفة انتاجه، الا باصلاح شركة النفط الوطنية العراقية على اسس غربية واعطاء شركات النفط نصيبا مضمونا في الارباح التي تتحقق في المستقبل.
لكن المجموعة التي تعمل في اطار خطة «مستقبل العراق»، والتي لم تنشر تقريرها بعد، لا تملك اية صفة رسمية تخولها المساهمة في تخطيط مستقبل صناعة النفط العراقية. الا انها على الاقل، تحدد الخيارات السياسية والاقتصادية الصعبة التي ستواجه قيادة البلاد بعد الحرب.
وستتناقض اقتراحات اللجنة مع التوجهات السائدة في منطقة الخليج والتي جعلت النفط سلعة وطنية تديرها الدولة. فقد صار انتاج نفط الخليج في يد الدولة منذ المقاطعة النفطية العربية عام .1973 وما تزال الدول المجاورة للعراق ترفض الاستثمار الاجنبي او الملكية الاجنبية، في مجال النفط. ويحاول المشرفون على نفط العراق حاليا اعادة الانتاج الى مستويات ما قبل الحرب، اي 2.5 مليون برميل في اليوم. ومن المتوقع ان تؤدي حملة ناجحة لزيادة الانتاج النفطي العراقي الى 6 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2010، الى تخفيض اسعار النفط، وتهديد استراتيجيات السيطرة على الاسعار بالنسبة لمنظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك).
من ناحية اخرى، سيزيد العجز في الاستثمار في نفط الخليج من مخاطر ارتفاع الاسعار. وتقدر ادارة معلومات الطاقة التابعة للادارة الاميركية ان حوالي 60% من النفط الجديد المطلوب لسد الطلب العالمي بحلول عام 2025، سيأتي من الدول الاعضاء في منظمة «اوبك».
وربما يحتاج العراق الى عام او اكثر، لتحقيق الاستقرار السياسي في ربوعه بالدرجة التي تجذب الاستثمارات الضخمة التي يحتاجها. وقال دانيال يرغين، رئيس مجموعة كمبريدج لابحاث الطاقة ومؤلف كتاب «تاريخ صناعة النفط» الحائز جائزة بولتزر: «سيكون العراق الجديد محكوما بالنزعات الوطنية. ونسبة لقوة هذه النزعات الوطنية، ولصعوبة التنظيم على اسس جديدة، فان هذا العمل سيستغرق فترة اطول مما يتصور البعض. ينبغي اولا تنقية المناخ السياسي وتحقيق درجة عالية من الوفاق السياسي. واذا حدث ذلك فان كل اقطار الخليج ستتجه انظارها الى العراق وتنتابها مخاوف حقيقية من ان العراق ربما يتمكن من نزع بعض حصصها في سوق النفط خلال اربع او خمس سنوات».
وجاء في تقديرات اللجنة الاستشارية ان مضاعفة انتاج العراق من النفط يحتاج الى 30 مليار دولار، ان لم يكن اكثر، تصرف على الحقول والمعدات وخطوط الانابيب ونقاط التصدير. وقد ظلت مجموعة «مستقبل العراق» تواصل عملها منذ العام الماضي، وهي واحدة من المجموعات الاستشارية التي يعمل فيها عدة مئات من عراقيي المنفى. وقد رفض كل اعضاء المجموعة الاستشارية النفطية، كشف هوياتهم، قبل الحرب ضد العراق، حماية لانفسهم وافراد عائلاتهم الباقين في العراق. لكن واحدا من اعضاء المجموعة، وهو محمد علي زيني، وكان موظفاً سابقاً في شركة النفط العراقية وهرب من العراق عام 1982، يحتل كذلك موقعا كبيرا في لجنة صغيرة كونتها وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) من عراقيي المنفى لتكون مستشارة لوزارة النفط العراقية بعد نهاية الحرب.
ولا تكتفي اللجنة باسلوب واحد لجذب الاستثمار الاجنبي. فالعراق، على سبيل المثال، يمكن ان يختار بيع 30% من اسهمه في شركة النفط الوطنية لمستثمرين اجانب، مع الابقاء على سيطرة الدولة. كما يمكنه إنشاء شركات متخصصة في اعمال التنقيب والتكرير والتسويق، تحدد سياساتها الدولة، ولكن عملياتها يمكن ان تكون مستقلة ومحكومة بقوانين السوق.
ويقول بعض المديرين التنفيذيين العراقيين في مجال النفط انهم يتلهفون لمساعدات اجنبية بعد ان عزلوا عن التكنولوجيا المتقدمة في هذه الصناعة لاغلب الفترات اثناء حكم صدام حسين. وقال سعد محمد علي منصور، كبير الجيولوجيين في «شركة نفط جنوب العراق»: «نحن نحتاج اليهم لخبراتهم ولمعارفهم، واذا لم تتعامل مع هذه الشركات فانك لن تحصل على هذه الخبرات والمعارف». و«شركة نفط جنوب العراق» شركة عملاقة تملكها الدولة وتنتج حوالي 60% من الخام الذي تنتجه البلاد.
وقال مصطفى بدر، كبير المهندسين بشركة حفريات العراق، ان شركاء العراق النفطيين يجب ان تكون بينهم شركات اميركية. واضاف: «ان صناعة النفط صناعة اميركية. ويجب ان نتعامل معهم مباشرة وباحترام». ويشرف مصطفى بدر على كل العمليات النفطية بجنوب البلاد.
ويرى منوشهر تاكين، احد كبار المحللين بمركز دراسات الطاقة العالمية بلندن، ان مديري الصناعات النفطية واستراتيجييها في العراق ودول الخليج الاخرى، يحتاجون الى خبرة ومواهب ورأسمال الشركات الاجنبية. يشار الى ان المدير التنفيذي لمركز دراسات الطاقة العالمية هو فاضل الجلبي، الذي كان هو الآخر عضوا بمجموعة وزارة الخارجية. وقد عمل زيني في المركز ذاته قبل ان ينضم الى فريق البنتاغون المتجه الى بغداد. وقال تاكين: «هذه كلها استنتاجات منطقية. ولكن اقناع الرأي العام بها مهمة بالغة الصعوبة».
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»