قال اسامة محمود الشريف رئيس تحرير الشبكة العربية «ارابيا اون لاين» الانترنت لم تؤثر سلبيا على توزيع الصحيفة المطبوعة، او انها ادت الى انخفاض دخل الصحف من الاعلان لا على مستوى العالم العربي بل على مستوى العالم. واضاف يتحدث عن التساؤلات حول احتمال نهاية عصر الصحيفة المطبوعة التي طرحت خلال الندوة العلمية التي اقامها المؤتمر العام لاتحاد الصحافيين والكتاب في عمان: «هذا السؤال هو مدار بحث اكاديمي ومهني مستمر منذ ظهرت المواقع الاخبارية على شبكة الانترنت في اوائل التسعينات».
ولم يمنع الجدل الدائر حول الموضوع الصحف نفسها من الدخول نحو عالم الانترنت من خلال طبعات الكترونية خاصة ومجانية في معظم الاحيان. وعلى العكس من ذلك فإن دراسات السوق في اميركا اثبتت ان كثيرا من المواقع الالكترونية الخدمية والتجارية منها، اتجهت الى الصحف والمجلات للاعلان عن نفسها والوصول الى مستخدمين جدد. وبمعنى آخر فإن هذه المطبوعات سواء العامة منها او المتخصصة استفادت اعلانيا من انتشار المواقع الالكترونية المختلفة على شبكة الانترنت.
ولم تثبت اي من الدراسات او الاستطلاعات التي اجريت حديثا ان توزيع الصحف قد تأثر نتيجة توجه القراء نحو تصفح المواقع الاخبارية او الطبعات الالكترونية للصحف ولذلك اسباب سنعرج عليها لاحقا، الا اننا ونحن نتحدث عن الانترنت والصحافة الالكترونية انما نبحث في ظاهرة عالمية لم تستقر بصورتها النهائية بعد. الصحافة العربية والإنترنت تشير دراسة نشرتها مجلة كولومبيا للصحافة الى ان نسبة مستخدمي الانترنت الاميركيين ممن يستقون الاخبار اليومية من الانترنت قفزت من 6% عام 1998 الى 20% في اوائل عام 2000. اما من حيث الاعلان فقد قفز حجم الانفاق الاعلاني على الانترنت من 1.9 مليار دولار عام 1998 الى 4.6 مليار دولار في نهاية عام 1999 اما المواقع الاخبارية فقد نمت حصتها من هذا الانفاق من 152 مليون دولار عام 1998 الى 358 مليون دولار في نهاية عام .1999 بالنسبة للعالم العربي قد نشهد قريبا وضعا تعاني فيه بعض الصحف اليومية من اختلال في التوزيع وتراجع في دخل الاعلان وليس ذلك مرده الى ظهور او تأثير الانترنت ففي عقد التسعينات بالذات تعرضت صناعة الصحافة الى تحديات كان اهمها ظهور الفضائيات العربية، وتطور وسائل متخصصة للاعلان مثل الجداريات واللوحات الاعلانية على جوانب الطرق، والتسويق المباشر. وأدى ذلك الى اعادة توزيع ما يسمى بالكعكة الاعلانية اي ما ينفق على كافة وسائل الاعلان (والتي يقدر حجمها في العالم العربي بحوالي ملياري دولار سنويا) بحيث انخفضت الفضائيات ووسائل الاعلان المتخصصة كاللوحات وغيرها.
وتشير آخر الارقام المستقاة من تقرير لمؤسسة بارك التي تنشر دراسات حول الاعلان في العالم العربي، الى ان حجم الانفاق الاعلاني الكلي خلال عام 1999 بلغ 1964 مليون دولار كانت حصة الصحف منه 42% والتلفزيون 38% والمجلات 15% والراديو 2% واللوحات 3%.
اما الانترنت فإن ما ينفق عليها من الاعلان في العالم العربي حتى اليوم لا يزيد في احسن الاحوال عن اكثر من نصف بالمائة من اجمالي الانفاق الاعلاني السنوي.
لكن ماذا يريد الناشرون العرب اليوم من الانترنت؟ وهل هناك ما يمكن تسميته (باستراتيجية التعامل مع الانترنت) يتفق عليها الناشرون العرب؟ واين الصحافة من كل هذا؟ هل تختلف رسالة ومبادئ الصحافة المطبوعة عن ما يسمى صحافة (الاون لاين) او الصحافة الالكترونية؟
ان ظهور اي وسيلة اتصال جماهيري جديدة يؤثر اول ما يؤثر على الصحافة المطبوعة كونها ام وسائل الاتصال الشعبية كلها، فالصحيفة التي جلست على عرشها لعدة قرون منذ اخترع جوتنبرغ المطبعة الاولى في منتصف القرن الخامس عشر مطلقا بذلك ثورة المعلومات الاولى، لم تتعرض لاي تحديات تذكر الا في بدايات القرن الماضي مع اختراع التلغراف والهاتف والراديو، ومن بعد ذلك في منتصف القرن العشرين عندما بدأ التلفزيون بث برامجه بشكل تجاري.
نجحت الصحيفة في التعامل مع معظم هذه التحديات بل انها اعتمدت وسائل الاتصال الجديدة مثل التلغراف والهاتف في تطوير وتحسين ادائها وحتى الراديو لم ينجح رغم انتشاره السريع ووصوله الى فئة من المستخدمين الاميين الذين لم تستطع الصحيفة الوصول اليهم، لم ينح في زحزحة الصحف عن قمة هرم وسائل الاتصال الجماهيري ولعل مرد ذلك يعود الى جاذبية ومصداقية الكلمة المكتوبة عند المتلقي.
5 آلاف صحيفة إنترنتية وما نعرفه اليوم من علاقة الانترنت بالمطبوعة الصحافية من خلال الواقع هو ما يلي:
اولا: ان غالبية الصحف اليومية في الغرب وفي العالم العربي تدير مواقع الكترونية خاصة بها وتصدر طبعات الكترونية وتشير احصائيات مؤسسة نيوزلينك الاميركية في نهاية عام 1998 الى ان عدد الصحف التي تدير مواقع على الشبكة في العالم قد وصل الى 4900 جريدة منها حوالي 2000 جريدة اميركية بينما لم يتجاوز عدد الصحف الالكترونية على الشبكة الثمانين صحيفة في نهاية عام .1994 وهذه الارقام تشمل الصحف اليومية والاسبوعيات والدوريات والمجلات وغيرها من المطبوعات. وبينما تتبوأ المطبوعات الاميركية مركز الصدارة من حيث عدد المواقع الالكترونية فإن المطبوعات غير الاميركية تشكل نسبة 43% من اجمالي هذه المواقع.
وفي العالم العربي ما لا يقل عن مائة موقع الكتروني لصحف عربية يومية واسبوعية وهذا الرقم في ازدياد مستمر.
ثانيا: ان عددا لا بأس به من كبريات الصحف في اميركا واوروبا واليابان قد فصل ما بين الجريدة المطبوعة والنسخة الالكترونية من حيث الادارة والتحرير وطبيعة المحتوى ومصادر الدخل والانفاق لكل منهما، مثال على ذلك صحف «الواشنطن بوست» و«النيويورك تايمز» و«الشيكاغو تربيون» الاميركية و«الفايننشال تايمز» اللندنية. واصبحت النسخ الالكترونية بوابات اعلامية شاملة تجدد محتواها على مدار الساعة طيلة ايام الاسبوع وتسبق في كثير من الاحيان النسخ المطبوعة في نشر الاخبار.
ثالثا: ان عددا من هذه المواقع الالكترونية المملوكة من دور النشر الصحافية يعد اليوم من انجح البوابات الالكترونية على الشبكة من حيث عدد الزوار او المشتركين وحجم الدخل الاعلاني بحيث اصبحت هذه البوابات مستقلة تماما عن النسخة المطبوعة وتقدم خدماتها على مدار الساعة الا انه يجدر القول واستنادا الى تقرير مؤسسة نيوز لنك فإن اقل من ثلث الصحف الالكترونية على الشبكة حاليا يجني ارباحا بل ان عددا لا بأس به من الصحف اغلق مواقعه الالكترونية (مائة صحيفة خلال شهر يوليو (تموز) الفائت) بسبب الخسائر.
رابعا: ان هناك مواقع اخبارية الكترونية نشأت في بيئة الانترنت او ما يسمى اليوم (بالفضاء التفاعلي) وحققت نجاحا باهرا الى حد دفعها للخوض في عالم النشر التقليدي ايضا اي ما يسمى (بالهجرة المعاكسة) مثال على ذلك مجلة ( دبليو اي ار ايه دي).
جاذبية الإنترنت خامسا: ان جاذبية الانترنت تكمن في سهولة نشر المعلومات عليها واسترجاعها منها وكونها وسيلة اعلام تفاعلية تمكن المستخدم من حرية التصفح وابداء رأيه واختيار ما يريده من معلومات كما انها وسيلة اتصال تتيح له خدمات مثل البريد الالكتروني والاتصال بالهاتف عن طريق الشبكة وسماع الموسيقى وحتى مشاهدة الافلام لذلك فإن الانتفاع بالشبكة ليس محصورا بالصحف الالكترونية وانما يتعدى ذلك الى حيز ارحب وامتع.
سادسا: اضافة الى ذلك ان الانترنت باتت تعني القمة في التعبير عن حرية الرأي بعيدا عن مقص الرقيب وقوانين المطبوعات والنشر، فلا حاجة لترخيص من وزارة الاعلام ولا بإذن توزيع او رخصة مطبعة او موجة بث، فالانترنت تجاوزت كا هذا وما يحدث اليوم في سورية مثلا من انفتاح حذر على العالم، كان عنوانه الرئيسي السماح بدخول الانترنت وكذلك كان الامر في السعودية وليبيا وغيرهما من الدول المحافظة.
سابعا: لا شك ان الانترنت وهي اليوم في قلب ثورة المعلومات قد اصبحت سمة مميزة لواقع العولمة الذي نعيشه، فنسمع اليوم عن الحكومة الالكترونية (دبي، قطر والاردن) وعن التجارة الالكترونية ومدن الانترنت وجامعات الانترنت وغير ذلك. وبافتراض ان سنوات وقد تكون عقود تفصلنا عن تحقيق كل ذلك ناهيك عن تحديات البطالة والفقر والتخلف والمرض والجفاف والجفاء السياسي بين بعض الدول العربية، فإن استشراف المستقبل يؤكد اننا سنكون يوما جزءا من هذا التحول المعلوماتي ضمن اطار القرية العالمية شئنا ام ابينا هذا التغيير سيشمل كافة مناحي الحياة والصحافة المطبوعة بشكلها وواقعها الحالي لن تكون مستثناة بطبيعة الحال.
اندماج التقليدي بالإلكتروني واذا كنا في العالم العربي وما زلنا في حقبة دخول المطبوعات الى الشبكة الالكترونية وظهور البوابات والمواقع الاخبارية المستقلة عن هذه المطبوعات فإنني لا اظن اننا سنظل بعيدين عما يحدث في الغرب من اندماج بين عالمي المطبوعة التقليدية والنشر الالكتروني وذلك لاسباب اقتصادية وجيهة:
اولا: ان دور النشر الصحافي في العالم بأسره تتجه الى تنويع نشاطاتها الاعلامية وذلك بدخول مجالات الراديو والتلفاز والمطبوعات المتخصصة واعداد المؤتمرات والانترنت مثال على ذلك شركة تربيون التي تصدر صحيفة «شيكاغو تربيون» وتملك ايضا محطات تلفزيون واذاعات ومجلات ومواقع الكترونية وحصصا في شركات ترفيه واتصال بالشبكة الالكترونية.
وهذه وان كانت ظاهرة جديدة لم تتبلور بعد في عالمنا العربي نظرا للقيود الحكومية على امتلاك وسائل الاتصال الا انها جزء راسخ من واقع صناعة الاتصال وثورة المعلومات في المجتمعات الليبرالية التي اعتمدت مبادئ اقتصاد السوق والديمقراطية الغربية.
ثانيا: ان العامل المشترك الرئيسي بين صناعتي النشر التقليدي والالكتروني هو المحتوى المتميز فبدونه لا تنجح مطبوعة ولا ينتشر تلفاز ولا يستمر موقع على الانترنت ولهذا فإن شركات الاتصال (ميديا) الكبرى في الغرب تزاوج بين ما تنتجه وسائل اتصالها بأنواعها التقليدية وغير التقليدية لتقوم بأمثل استخدام لذلك المحتوى عن طريق المواءمة واعادة الاستخدام، ولاهمية المحتوى مما دفع شركة (اميركا أون لاين) التي تدير انجح بوابة الكترونية في اميركا الى الاندماج مع شركة (تايم وورنر) وهي واحدة من اكبر شركات النشر والاتصال والترفيه في العالم من خلال صفقة قدرت بمائة وعشرين مليار دولار. وعندما نتكلم عن المحتوى فإننا لا نستثني شيئا بدءا من الاخبار السياسية ومرورا بانباء الفن والعلم وغيرها وانتهاء (بالملتيميديا) او الوسائط المتعددة من موسيقى وافلام والعاب تفاعلية.
ثالثا: اضافة الى المحتوى فإن دخول شركات النشر التقليدية عالم النشر الالكتروني يعتمد ايضا والى حد كبير على نجاح وانتشار الاسم التجاري (براند) عند المستهلك وما يجعل هذا الامر ممكنا هو ما يمكن تسميته بالترويج المتقاطع، حيث تقوم المطبوعة بالترويج للموقع الالكتروني الشقيق والعكس بالعكس. مثال على نجاح هذا الاسلوب شبكة الانباء الاميركية بالكوابل (سي. ان. ان) التي تروج لموقعها الاخباري الهائل على الانترنت من خلال برامجها التلفزيونية بشكل دائم وهنا يجدر بنا ان نذكر ان موقع (سي. ان. ان) مثلا يزوره اكثر من 4 ملايين زائر شهريا.
رابعا: بانتظار ان يتم تبني الانترنت كوسيلة اتصال جماهيري في العالم العربي حيث ما زالت اعداد العرب المتصلين بالشبكة متواضعة مقارنة بالوسائل الاخرى اضافة الى ارتفاع كلفة الاتصال وبطء الخدمة من حيث سرعة التحميل ووجود عقبات سياسية واجتماعية، وقلة عدد المواقع العربية الناجحة على الشبكة بانتظار كل ذلك فإنه من الجدير التنويه بان هناك اكثر من 120 مليون اميركي متصل بشبكة الانترنت وانه في الوقت الذي يتحدث الناشرون العرب عن الجدوى الاقتصادية من انشاء مواقع الكترونية فإن نظرائهم في الغرب قد استوعبوا الجانب الاقتصادي للنشر الالكتروني تماما.
خامسا: حصل تغيير مهم في مفهوم الصحيفة الالكترونية حيث تطورت هذه الصحف من كونها نسخا كربونية من الصحف المطبوعة الى ظهورها كبوابات اخبارية واعلامية وترفيهية ذات شخصية مستقلة فمثلا موقع صحيفة «النيويورك تايمز» على الشبكة يقدم خدمات لا توفرها وقد لا تستطيع ان توفرها النسخة الورقية من الصحيفة مثل حالة الطقس واسعار العملات والاسهم وحجوزات الفنادق والطيران والسوق الالكتروني للتبضع والشراء ومقارنة اسعار الحاجيات لقد ادى نجاح تجربة «النيويورك تايمز» على الشبكة الى اطلاقها لموقع شقيق اسمته (نيويورك تودي) وهو اشبه بدليل لعالم مدينة نيويورك يقدم كل ما يحتاجه الزائر او المقيم في المدينة من معلومات بدءا من دليل الهاتف وعناوين المطاعم وبرامج التلفزيون وحالة الطرق وخرائط للاحياء والشوارع وانتهاء بما يحدث في المدينة من نشاطات ثقافية وترفيهية مختلفة. وكذلك فعلت «الواشنطن بوست» وغيرها من كبريات الصحف في اميركا وبريطانيا وغيرها من الصحف في الغرب. هذه المواقع اصبحت شركات شقيقة تدار من قبل طواقم متخصصة لها اداراتها المستقلة من التحرير والاعلان والتسويق وكما ذكرت فإن عددا من هذه المواقع اصبح تدر ارباحا على مالكيها لا تقل اهمية في بعض الاحيان عن ارباح نشاطات النشر التقليدي.