علماء مسلمون: تجديد الفكر الإسلامي لا بد أن يؤسس على القرآن والسنة

TT

شدد علماء مسلمون على ضرورة تجديد فهمنا للدين مؤكدين أن حقيقة التجديد المنشود هي إحياء ما ندرس من سنن الاسلام وأحكامه وقواعده دون أي إخلال بثوابت الشريعة وأصولها.

واتفق العلماء على أن التجديد لا يعني بأي حال من الأحوال أدنى مساس بثوابت العقيدة والعبادات وما ورد في الكتاب والسنة من أحكام قطعية ولكنه إعمال للعقل والفكر في مشكلات حياتنا المعاصرة لاستنباط الأحكام المناسبة لها من أدلتها الشرعية، وبالاضافة الى ذلك فإن للتجديد في الفكر الاسلامي أسساً يقوم عليها ومعالم يسترشد بها وضوابط يلتزم بها وليس دعوة الى الانفلات من كل قيد أو بداية للتفريط في كل شيء، وهذا يعني ان التجديد سنة إسلامية لازمة لضمان حيوية الشريعة واستمرار صلاحيتها عبر الزمان والمكان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ان الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». هذه هي خلاصة آراء العلماء التي تضمنها كتاب «التجديد في الفكر الاسلامي» والصادر عن المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية بالقاهرة حديثاً والذي يضم مجموعة أبحاث ودراسات لنخبة من كبار العلماء المسلمين.

ومن بين هذه الدراسات دراسة مهمة لشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بعنوان «تجديد الفكر الاسلامي ضرورة عصرية» حيث يؤكد ان هناك أموراً لا تقبل التجديد ولا تقبل التغيير ولا تقبل التبديل فيما يتعلق بالعقائد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. هذه الأمور التي تتعلق بالعقائد لا تقبل التجديد لأنها أمور ثابتة. كذلك ما يتعلق بمكارم الأخلاق لا يقبل التجديد لأن العقلاء في كل زمان وكل مكان اتفقوا على ان الفضائل فضائل والرذائل رذائل.

وأوضح شيخ الأزهر ان الحياة في كل مظهر من مظاهرها متجددة فالتجديد نراه في الليل ونراه في النهار ونراه في كل مظاهر الحياة، ويؤكد ان التجديد في شؤون الحياة أمر هو محل اتفاق.

وفي الدراسة الثانية التي تحمل عنوان «التجديد مقدمة ضرورية لنهضة الأمة» يؤكد الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري ان التجديد سمة أساسية من سمات الاسلام كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، ويشير الى أن البعض يتخوف من التجديد خشية أن يجر ذلك الى التفريط في شيء من تعاليم الدين وقيمه الثابتة، ومن هنا يميل هؤلاء الى غلق الباب ظناً منهم أن في ذلك السلامة من مخاطر التجديد ومخاطر العولمة على السواء، فالأمر ليس على هذا النحو من التشاؤم، مؤكداً ان التجديد في الفكر الاسلامي له أسس يقوم عليها ومعالم يسترشد بها وضوابط يلتزم بها وليس دعوة الى الانفلات من كل قيد أو بداية للتفريط في كل شيء.

وفي الدراسة التالية يؤكد الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الاسلامي، ان التجديد من سنن الاسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وهو سنة إلهية تتابع على أدائها الأنبياء والرسل ونزلت من أجلها كتب الله لدعوة الخلق إلى توحيد الله عز وجل وإفراده بالعبادة وطاعة أمره واقامة فرائضه، وهذا هو دين الاسلام الذي دعا إليه جميع الرسل، فبعثة الأنبياء كانت لتجديد الدين في النفوس وهداية الناس الى صراط الله المستقيم وإرشادهم الى النجاح.

ويوضح الدكتور التركي ان تجديد الفكر الاسلامي بمعناه الصحيح يستلزم أن ينهض علماء الأمة بالاجتهاد في علوم الدين على تنوعها واتساع آفاقها كما نهض أسلافهم في مختلف العصور وواجهوا مشكلاتهم وقضاياهم، واضعين نصب أعينهم أنهم دعاة حق وأمناء رسالة الاسلام ومبلغون لها وأن الجهد في ذلك جهد بشري محكوم بزمانه من حيث القدرات والقضايا ومستويات الناس العلمية والثقافية.

ويشير الى أن أهم ملامح هذا المنهاج تحديد مصادر التجديد في القرآن الكريم والسنة النبوية والفقه الاسلامي باعتباره فهماً للدين وواقع الحياة وهداية للواقع بهدى الدين، ويؤكد الدكتور التركي انه لا بد لمن يمارس مهمة التجديد أن تكون لديه الأدوات الصحيحة لفهم الاسلام، وأن تكون لديه معرفة بالواقع الذي هو مجال التطبيق وأن تكون لديه القدرة على عرض حقائق الدين وتزيينه للناس حتى يظل متجدداً في حياتهم معالجاً المشكلات التي يواجهونها.

ويختتم الدكتور التركي دراسته، مؤكداً ان التجديد كان في فترات من تاريخ المسلمين بعثاً جديداً لهم وسلاماً دافعوا به عن دينهم وأرضهم وقوة في مواجهة أعدائهم وان الجهود والتقليد بغير علم وحظر الاجتهاد على أهله كان سبباً في تخلف الأمة عن دينها، مما أنضب أثره في النفوس وهذا أخطر ما يواجه الأمة الاسلامية اليوم. وتأتي الدراسة الأخيرة بعنوان «التجديد في الأسس التي يقوم عليها الفكر الفقهي وليس في مجالاته» للدكتور احمد الخمليش رئيس دار الحديث الحسنية بالمغرب والذي استبعد حدوث تجديد في الفكر الفقهي اذا ما استمر تداول الأسس التي يقوم عليها هذا الفكر من المستثمر وطرق الاستثمار والثمرة «بتعبير الغزالي»، بنفس التصور الذي كان السابقون يتناولونها به. كما يدعو الدكتور الخمليش الى تجاوز الانشغال غير المجدي بالمجادلة حول المؤهل وغير المؤهل للحديث عن أحكام الشريعة إلى البحث الجدي في التوجيه القرآني والنبوي للمسلمين، أفراداً أو مجتمعاً، في سلوكهم وبناء الأمة الوسط، واذا كان هذا البحث لا غنى له عن الاستئناس بالرصيد الذي خلفه من سبقونا في الإيمان فإنه لن يفيد الشريعة ولن ينفع الناس إلا اذا استوعب واقعهم بكل ظرف وقدم لهم الحلول الشافية.