دعوات للاسراع بانشاء عاصمة جديدة لمصر حلاً لتكدس السكان والاختناقات المرورية

TT

بعد الترهل الذي اصابها وجعلها مدينة غير محتملة، مكتظة بالاختناقات المرورية والسكانية والمؤسساتية، والجسور العلوية التي شوهت العديد من احيائها الجميلة، طالبت دوائر اقتصادية وسياسية بضرورة التحرك السريع نحو انشاء عاصمة جديدة لمصر بدلاً من القاهرة، مؤكدين اهمية استغلال الامتداد الصحراوي لتخفيف حدة التكدس السكاني بالقاهرة ومنع النزوح اليومي من المحافظات والذي يتم نتيجة عمل الافراد داخل القاهرة او انجاز مأموريات ومصالح شخصية من الاجهزة الحكومية التي تتركز جميعها في القاهرة.

كما شهدت الفترة الماضية مطالبة من بعض نواب البرلمان المصري بضرورة انشاء عاصمة جديدة لمصر حيث تقدم النائب ناجي عبد المنعم وكيل لجنة الاقتراحات والشكاوى بالبرلمان بطلب احاطة الى الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان والمجتمعات العمرانية ينبه الى أهمية استخدام المجتمعات العمرانية الجديدة للقضاء على التكدس والزحف السكاني المستمر الى القاهرة.

ونبه عبد المنعم الى ضرورة البدء بنقل الوزارات ومجلس الشعب الى المناطق الجديدة لتفريغ القاهرة من حدة الكثافة، ودعا الى تخطيط العاصمة الجديدة بأحدث الوسائل حتى تصلح ان تكون عاصمة لمصر على غرار أحدث العواصم العالمية.

ورغم ارتفاع الاصوات بأهمية انقاذ القاهرة من المشاكل العديدة التي اصبحت تحاصرها إلا ان الحكومة، ممثلة في الدكتور محمد ابراهيم سليمان وزير الاسكان والمجتمعات العمرانية، رأت عدم ضرورة ذلك حيث اوضح في رده على طلب النائب بالبرلمان صعوبة انشاء عاصمة جديدة لمصر، مشيراً الى ان ذلك يحتاج الى تمويل ضخم حيث ان التحول من عاصمة، في حجم واهمية القاهرة، بما تحتويه من هيكل عرقي وبنية أساسية ووظائف محلية ودولية متعددة، الى عاصمة جديدة سوف يحمّل الاقتصاد المصري أعباء هائلة من دون مردود سريع ومناسب، الامر الذي لا يبرر هذا الاجراء اقتصادياً خاصة في الظروف الحالية.

ولم تكن المطالبة الحالية الأولى التي تم التفكير فيها بانشاء عاصمة بديلة للقاهرة حيث سبقت ذلك مرات عديدة منذ سنوات. ويشير المهندس حسين صبور رئيس شركة الأهلي للاستثمار العقاري الى ان الحكومة سعت من قبل لانشاء مدينة جديدة بهدف نقل المصالح الحكومية والجهات الادارية ومقرات الوزارات خارج القاهرة لتخفيف التكدس والاختناقات المرورية، وقد تم انشاء مدينة السادات في طريق مصر اسكندرية الصحراوي لكي تلعب دور العاصمة البديلة الا ان الفكرة لم تكتمل لاعتبارات عديدة منها ضعف المرافق والتركيبة الديمغرافية للأسر بجانب عدم وجود مجالات عمل للأسر وذويهم حيث ان التخطيط يوفر ذلك مسبقا وهو ما يجب تجنبه في العاصمة الجديدة.

وأضاف صبور ان نجاح اقامة عاصمة جديدة مرهون بتخفيف المركزية في القرارات الادارية والمصالح الحكومية وذلك من خلال تفويض الجهات الممثلة للوزارات في المحافظات والمدن واعطائها صلاحيات لاتخاذ قرارات ذات صفة رسمية حتى يتم التغلب على ضرورة التوجه الى العاصمة الأم للانتهاء من المصالح الشخصية أو العملية او الاستثمارية.

ومن جانبه أكد محمد مجاهد، مدير بنك الاسكان والتعمير المانسترلي، ضرورة ان تعامل المدينة الجديدة التي يتم انشاؤها كبديل للقاهرة بنفس درجة الاهتمام التي تحظى بها العاصمة الأولى، مشيرا الى انه رغم التكدس السكاني والاختناقات المرورية وزيادة نسبة التلوث بالقاهرة الا ان أحدا لا ينكر الاهتمام الكبير بمرافقها سواء انشاء او متابعة ودعم في التجديد المستمر وهو ما لم تحظ به مدن أخرى خاصة المدن الجديدة، وهو ما أدى الى فشلها في جذب الزحف السكاني المستمر الى القاهرة.

ويوضح مجاهد ان اغلب المدن الجديدة تعاني من نقص في المرافق مما لا يؤهلها لكي تكون بديلة للقاهرة باستثناء مدينة السادس من اكتوبر التي تم تخطيطها بشكل افضل من مثيلاتها، وضرب مثلا بمدينة 15 مايو التي تعد من أقدم المدن الجديدة الا انها تفتقد الى اهم انواع المرافق ومنها المستشفيات مما يضطر معه الافراد الى النزوح الى القاهرة، وبالتالي فانها مدينة ليست قائمة بذاتها واعبائها ومشاكلها.

وكانت القاهرة قد شهدت عددا من التقارير توضح سوء المناخ وارتفاع نسبة التلوث الى الحدود التي تهدد صحة الأفراد خاصة مع زيادة عدد السكان والمصانع والسيارات مما أدى الى تغليف القاهرة بكمية من الدخان والسحب التي كشف عنها تكرار ظاهرة السحابة السوداء التي تظهر بشكل منتظم على مدار السنوات السابقة وهو ما يستلزم وجود حل بديل لتخفيف حدة معاناة الافراد وعودة القاهرة الى مكانتها السابقة.

وقد تعالت حدة الأصوات بالمطالبة بانشاء عاصمة جديدة خاصة مع بدء انشاء مطار جديد في غرب القاهرة على امتداد الصحراء وذلك بنظامBOT المتمثل في انشاء المشروع وتشغيله وتسليمه الى الجهات الرسمية، حيث يرى خبراء الاقتصاد ان هذا المطار فرصة كبيرة لانشاء عاصمة جديدة خاصة انه يحتاج الى عاصمة ادارية قريبة منه وهو ما يعني نقل الوزارات والمصالح الحكومية ومعسكرات الجيش وانشاء كيانات عمرانية واقتصادية وصناعية وانتاجية مستقلة يديرها خبراء متخصصون في التنظيم والانضباط والانتاج.

وقد أوضح الخبراء الاقتصاديون ان مصر تمتلك العديد من الخبراء في مجال التخطيط العمراني، بالاضافة الى ان مصر لا تقل عن الدول النامية التي سبقتها في انشاء عاصمة جديدة مثل باكستان ونيجيريا وماليزيا، مؤكدين ان العواصم القديمة لهذه الدول لم تبلغ من الفوضى والعشوائية والترهل ما بلغته القاهرة والذي يستدعي سرعة التحرك لانقاذها والحفاظ على ماضيها من آثار وتحف من الدمار واستبدال الاماكن التي يتم نقلها بالحدائق والمشاتل في اطار العمل على تنقية هواء القاهرة من التلوث الذي يهدد بانتشار العديد من الأمراض الصدرية نتيجة ارتفاع نسبة الرصاص فيه.

وأكد الاقتصاديون ان انشاء عاصمة جديدة بالقرب من المطار الجديد في غرب القاهرة سيعمل على الاستفادة من الامتداد العمراني والصحراء المترامية والتي تحتوي على أهم الآثار الفرعونية، حيث يتوقع مساهمة ذلك في جذب حركة السياحة الى مصر بما لا يقل عن 5.1 مليون سائح سنويا نظرا للموقع الفريد لمصر وامكانية استغلاله من النواحي التجارية والاستثمارية مع الدول المجاورة، بالاضافة الى تخفيف الضغط على الجانب الشرقي من الخريطة المصرية التي يتركز فيها العمران والمطارات والتقليل من الزحف على الاراضي الزراعية بالمحافظات الملاصقة للقاهرة التي فقدت اكثر من 20 ألف فدان خلال العشرين سنة الماضية ، وهو ما كان له ابلغ الأثر على اتساع الفجوة الغذائية في مصر.