تاريخ الصراع بين البشير والترابي بدأ في السنوات الأولى للإنقاذ

TT

يعود الصراع بين الرئيس السوداني عمر البشير، والدكتور حسن الترابي زعيم المؤتمر الشعبي المعارض، الى الاعوام الاولى من قيام نظام الانقاذ الوطني، لكنه صار في العلن منذ العام 1998، أي بعد ان تسرب الى صحافة الخرطوم أن الترابي، الذي كان يشغل منصب رئيس المجلس الوطني (البرلمان)، سيستقيل من منصبه ليتولى أمانة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بمفهوم تحول الانقاذ من وضع حزب الحكومة الى حكومة الحزب. وبالفعل جرى انتخاب الترابي للمنصب الجديد في فبراير (تشرين الثاني) 1998 وسط إشارات بتصدعات هنا وهناك في الجسم الحاكم في البلاد.

* بعد 3 أيام من هذه الخطوة لقي نائب الرئيس السوداني آنذاك الفريق الزبير محمد صالح مصرعه في حادث سقوط طائرة في جنوب البلاد، ونشأ فراغ في المنصب، قرر الحزب الحاكم سده بدفع ثلاثة أسماء للبشير لاختيار واحد منهم للمنصب وهم: الدكتور حسن الترابي، وعلي عثمان محمد طه، والدكتور علي الحاج محمد، وذلك حسب الدستور، وقام البشير باختيار علي عثمان طه نائباً لمنصب النائب الأول، لكن الترابي استقبل الخطوة في نطاق انها تشكل بداية رفض له بشكل أو آخر من قبل الرئيس البشير. واحترس زعيم الاسلاميين عن خطوة التخلي عن البرلمان والتفرع للأمانة العامة للحزب، وبدأ يتحرك في اتجاهين لاعادة سطوته التي بدأت تخبو.

* في العاشر من ديسمبر (كانون الاول) 1998 فاجأ عشرة من قيادات المؤتمر الوطني اجتماعاً لمجلس شورى الحزب بمذكرة تحدثت لأول مر ة عن هيمنة الترابي على الأداء في الحزب بصورة تقدح في هيبة الدولة، وطالبت بتقليص صلاحياته كأمين عام للحزب، وتخويل بعضها الى رئيس الجمهورية ورئيس الحزب البشير. ولقيت المذكرة هوى في نفوس المشاركين وسط غضب الترابي وأعوانه. ومن ابرز الموقعين على المذكرة الدكتور ابراهيم احمد عمر، الامين العام الحالي للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، والدكتور غازي صلاح الدين مستشار السلام السابق، وسيد الخطيب الناطق باسم وفد الحكومة الى مفاوضات السلام في كينيا حاليا، وحامد علي تورين وزير التربية والتعليم السابق، والدكتور نافع علي نافع وزير الحكم الاتحادي الحالي وعضو وفد الحكومة الى المفاوضات.

* واثر هذه التطورات آثر الترابي العودة الى كرسي رئاسة البرلمان بعد ان قدم استقالته منه وجرى قبولها في ديسمبر (كانون الاول) من نفس العام، لكنه عاد وجمع انصاره في صورة درامية لاعادته مرة اخرى. ومن البرلمان بدأ الترابي يحضر نفسه لمعركة جديدة مع البشير عبر زيارات الى ولايات البلاد خصصها لاستقطاب أنصاره في المعركة المقبلة قدر أن تكون ساحتها المؤتمر العام للحزب في اكتوبر (تشرين الاول) 1999، وبالفعل، وجه هذا المؤتمر ضربة قوية للرئيس البشير واستعاد مركزه بصفة أساسية، كما جرى ابعاد الموقعين على مذكرة العشرة عن المكتب القيادي وهيئة الشوري وعلى رأس الذين طالتهم الضربة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر ما اضطر البشير لاحقاً الى تعيينه في منصب مساعد رئيس الجمهورية.

* لم يتوقف الترابي، الموصوف بالعنا،د عند ذلك الحد إذ كثف من خلال البرلمان حملات استدعاء لوزراء في حكومة البشير وفتح من خلالها ملفات ساخنة مثل ملف طريق الانقاذ الغربي وملف محاليل «كور» وأخرى. ومن ذات الموقع نُظّم مؤتمر للحكم الاتحادي أصدر توصية بانتخاب الولاة بدلاً عن الانتخاب عبر كليات بواسطة رئيس الجمهورية. وألحق الترابي التوصية بمقترح للبرلمان بتعديلات دستورية تحمل الى جانب المقترح مقترحاً آخر باستحداث منصب لرئيس الوزراء وهو المنصب الذي يقوده الرئيس البشير.

* اشتعلت المعركة بين الرجلين القويين في الانقاذ، وتدخل البشير بقوة في 12 ديسمبر (كاون الأول) 1999 فاصدر قرارات عرفت باسم قرارات الرابع من رمضان حل بموجبها البرلمان وبالتالي أقصى الترابي من منصبه، وجمد مواد في الدستور تتعلق باختيار الولاة عبر كليات انتخابية مما يعني تعيينهم من قبل الرئيس البشير. وقد حاول الترابي الطعن في قرارات الرابع من رمضان لكن المحكمة الدستورية أيدتها.

* استمرت المشاحنات بين الرجلين، وفي الخامس من مايو (ايار) 2000 دعا الرئيس البشير الى اجتماع ضخم لأنصار حزب المؤتمر الوطني قصد به أن يقام داخل دار الحزب. ووجه البشير عبر الاجتماع الذي عرف بنفرة رمضان هجوماً عنيفاً على الترابي واتهمه لأول مرة صراحة بالعمل على إسقاط نظام الانقاذ، وكشف أن الزعيم الاسلامي يجري في هذا الخصوص اتصالات بضباط في الجيش والأمن والشرطة وتحريضهم ضد الحكومة. وأصدر الرئيس البشير صباح اليوم التالي قراراً بحل الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني التي يرأسها الترابي، وقبل أن تطوق مجموعة من الأمن دار الحزب وتفرض عليه حظر الدخول، ليفقد الأخير آخر مناصبه ومعاقله الرسمية، لم يشفع له استئناف تقدم به لدى مسجل تنظيمات الأحزاب ضد القرار.

* ومضى البشير في خطه التصعيدي ضد الترابي فدعا الى اجتماع لمجلس شورى الحزب الحاكم في 26 يوليو (تموز) 2000 انتهى باعتماد قرارات إقصاء الترابي من الأمانة، وعاد وانتخب البروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيساً لمجلس الشورى بصفة مؤقتة. وكان رد فعل الترابي إزاء الخطوة أن أعلن المفاصلة النهائية مع البشير بتشكيل حزب مواز باسم «حزب المؤتمر الوطني الشعبي» فتمايزت الصفوف وارتبكت ساحة الانقاذ بشدة حيال أسئلة الاختيار بين الانضمام الى البشير الحاكم والى الترابي المعارض الجديد للإنقاذ. وسادت لأشهر وسط الاسلاميين سياسة «سيفي مع معاوية وقلبي مع علي». وفي خضم التمايز أعلن الترابي في 19 فبراير 2001 أن حزبه وقّع مذكرة تفاهم مع زعيم الحركة الشعبية، جون قرنق، اعتبرها البشير بمثابة عمل عدائي ضده بالتضامن مع «عدو النظام الأول» قرنق الذي يدير حرباً طويلة ضد الخرطوم من جنوب السودان. وعليه وبعد مضي 24 ساعة من إعلان مذكرة التفاهم عبر مؤتمر صحافي طوقت قوة من الأمن منزل الترابي في ضاحية المنشية قبل أن تقتاده الى سجن كوبر أشهر السجون السودانية.

* مكث الترابي هناك زهاء العام ونقل من بعد الى منزل حكومي في ضاحية كافوري المجاورة لكوبر، وسمح لزوجته واحدى كريماته بالإقامة معه وترتيب زيارات لبقية أعضاء الأسرة. وبعد توقيع اتفاق الترتيبات الأمنية بين الحكومة وحركة قرنق في اواخر سبتمبر (ايلول) الماضي أطلق سراح الترابي بعدها بعدة ايام، قبل ان يعاد اعتقاله من جديد فجر اول من امس بتهمة تأجيج الصراع في دارفور وتهم اخرى.