مبادرة الغاز السعودي تجمع 3 شركات عالمية للتنقيب عن الغاز الطبيعي في مساحة 210 ألف كيلومترات جنوب الربع الخالي

شراكة ثلاثية بين «أرامكو» و«شل» و«توتال» تحفر 26 بئرا حتى الآن على عمق 12 الف قدم بحثا عن الغاز

TT

يشكل التنقيب في الصحراء تحدياً كبيراً لشركات البترول العالمية وهاجساً كبيراً لها في مواجهة تحديات الطبيعة القاسية للصحراء, رغم ما تملكه تلك الشركات من إمكانيات وخبرات وتجارب متراكمة عبر السنين.

ولكن تجربة الربع الخالي الذي يعتبر «أم الصحراء» وتتجاوز درجة الحرارة في ربوعه 50 درجة مئوية وتحيطه كثبان رملية يزيد ارتفاعها على 300 متر تقريباً, ستضاعف من طبيعة تلك التحديات التي تواجهها شركات صناعة النفط وتبطئ من اندفاعها نحو أهدافها الرامية لاكتشاف حقول جديدة في تلك البقاع التي يحيطها الغموض ويخشاها الجميع.

وتواجه شركة جنوب الربع الخالي التي تأسست نهاية العام الماضي, لتنفيذ أعمال التنقيب والتطوير للغاز الطبيعي والسوائل المرافقة التي تستخرج من منطقة امتياز تبلغ مساحتها 210 آلاف كيلومتر في جنوب الربع الخالي في المملكة العربية السعودية جملة من الصعوبات نظراً لطبيعة المنطقة وما تشكله من تحديات حتى في ظل وجود التقنية الحديثة والخبرات البشرية.

وقد فازت هذه الشركة المشتركة التي تمتلك «شل» نسبة 40 في المائة من أسهمها, و 30 في المائة لكل من أرامكو السعودية وتوتال, بمنطقة الامتياز عقب مفاوضات وجهود مضاعفة من قبل أعضاء فريق التفاوض المؤلف من الشركات الثلاث على مدى عدة سنوات حول ما يعرف بمبادرة الغاز الطبيعي السعودي. وستتولى الشركة الجديدة, تنفيذ أعمال التنقيب والإنتاج في منطقة الامتياز بتفويض من الشركات المساهمة الثلاث, وبموجب اتفاقية بين شركة جنوب الربع الخالي المحدودة والحكومة السعودية على أن تقوم الأولى بأعمال التنقيب عن الغاز غير المرافق والمكثفات وسائل الغاز الطبيعي وتطويرها وإنتاجها من القطاعات 5 ـ 9 ـ 85 ـ 85 في حوض جنوب الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية.

وتعتبر عملية استغلال احتياطات الغاز الطبيعي الجاف (ينتج من آبار الغاز وليس من آبار النفط) عملية مثيرة للتحديات من الناحية التجارية خصوصا مع وجود السعر الثابت والقليل نسبياً المفروض في الوقت الحالي على هذه النوعية من الغاز.

ولضمان النجاح على الصعيد التجاري لهذه الشركة إنشاء بنية لازمة مثل آبار الإنتاج ومحطات التجميع والمعالجة وخطوط لأنابيب الخاصة بتوصيل الغاز إلى الشبكة الرئيسية لشركة أرامكو السعودية مع خطوط أنابيب أخرى لتوصيل المكونات السائلة.

وأشار باتريك ألمان وارد الرئيس التنفيذي لشركة جنوب الربع الخالي المحدودة, في حديث لمجلة " شل" الشرق الأوسط, في عددها الأخير, إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الشركة في منطقة امتياز شاسعة جداً تقدر مساحتها كامل مناطق الامتياز الأخرى لشركة «شل» في العالم أجمع, وتعادل خمسة أضعاف مساحة هولندا وتساوي مساحة المملكة المتحدة أو تعادل مساحة ألف قطاع من قطاعات الاستكشاف في بحر الشمال.

وفي هذا السياق, يقول باتريك وارد المعار من شركة «شل» ليتولى منصب الرئيس التنفيذي لشركة جنوب الربع الخالي المحدودة «نظراً للمساحة الشاسعة التي يتوجب التنقيب فيها, يتوجب علينا التركيز على أنشطتنا بشكل سريع وبطريقة ذكية في آن واحد, لأن الشركة المشتركة لا يمكنها أن توفر الوقت والمال لتنفيذ أعمال المسح السيزمي لكامل أجزاء المنطقة بنفس الكثافة" .

وبين أن بيئة العمل ستضع شركته على المحك عندما يتعلق الأمر باكتساب معطيات «سيزمية» عالية الجودة, وقال يتوجب «علينا في هذا الوضع تسخير واستخدام كافة أساليب التقنية العالية في تجميع البيانات «السيزمية», أي بيانات الجاذبية والمغناطيسية المحمولة بالهواء وأيضاً الصور المأخوذة عبر الأقمار الصناعية, مما سيتيح لنا التركيز على عملية جمع البيانات الأرضية من المناطق الواعدة بشكل أكبر.

ويمضي باتريك في حديثه فيقول «لقد تم حفر 26 بئراً في المنطقة, ولكن لم يأت أي منها باكتشافات تجارية, كما تم حفر العديد من تلك الآبار كاختبارات لدراسة عمر الطبقات بغرض تحديد جيولوجيا المنطقة».

ويضيف «إن أنشطة شركة جنوب الربع الخالي تستهدف أولاً التكوينات الصخرية التي تسبق تكوينات خلف الصخرية, وهي تكوينات «عنيزة» الصخرية من حقب الحياة القديمة التي توجد على عمق يصل إلى نحو 12 ألف قدم وتكوينات «سارة» و«ساق» وهي من الصخور الرملية وهذه بالطبع سيتشكل وفق عمر وعمق دفن تلك الرواسب تتشكل خصائص «النسامية» و«النفوذية» تحدياً تقنياً آخر حيث تكون مسألة الحصول على معدلات إنتاج كميات تجارية للمواد الهيدروكربونية من هذه المكامن الرخوة تكون أكثر صعوبة».

وتابع «من العوامل الأخرى المثيرة للتحديات التي ستواجه الشركة, هو أنه في مثل تلك الأعماق السحيقة والمكامن ذات الخصائص المذكورة, لا تظهر المواد الهيدروكربونية مباشرة من خلال البيانات السيزمية, لذلك فإن عملية التقييم التي نقوم بتنفيذها ستتطلب تكاملاً في النماذج الجيولوجية الجيدة لتحديد توزيع أفضل تطويرات المكامن وموانع التسرب ونموذجية علمية توليد وهجرة المواد الهيدروكربونية عبر المنظومة». وقال «أوعزنا بتوظيف طاقم العمل وأيضاً وضع خطة العمل الخاصة بتجميع بيانات ومعطيات المنطقة, كما تقدمنا لمجلس إدارة الشركة بالبدء بأول مسوح للجاذبية والمغناطيسية المحمولة في الهواء للمنطقة, ونأمل في الحصول على البيانات بنهاية شهر أبريل الجاري»، وأضاف «تم الإعلان عن المناقصة الخاصة بأعمال تجميع البيانات السيزمية من الأرض, وأن عمليات المسح الأرضي ستبدأ منتصف هذا العام»، وقال إن «مدة العقد الابتدائية قد حددت بخمسة سنوات قابلة للتجديد, مما سيجعل الأمر ماراثونا يوميا لنا طيلة الأعوام الخمسة المقبلة».

ومعروف عن منطقة جنوب الربع الخالي كونها أكبر منطقة صحراوية في العالم ومحفوفة بالمخاطر الشديد علاوة على ارتفاع درجة الحرارة، وهي وعرة جداً وهناك صعوبة كبيرة في الدخول إليها لوجود الكثبان الرملية الضخمة التي يصل ارتفاعها بعض منها إلى 300 متر.