«حراج الدمام» سوق الموضة الباهتة.. وأسعارها لا تتجاوز خمسة ريالات إن وجد من يشتريها

TT

الحراج هو المكان الوحيد الذي لا تبور فيه بضاعة مهما تقادم عليها الزمن. قد يتوقف الطلب عليها لفترة ربما تطول أو تقصر، لكنها في النهاية ستجد من يساوم لشرائها. فالملابس التي تم شراؤها في المناسبات والأعياد وجرى نقلها إلى أكشاك الجمعيات الخيرية لجمع الملابس، لتوزيعها على المحتاجين، لا يتجاوز سعرها في هذا السوق خمسة ريالات (1.3 دولار) إن وجد من يشتريها.

ويعتقد الباعة أن حالهم سيتحسن، وأن الناس سيقبلون على بضائعهم. ومكمن هذا التفاؤل معرفتهم بخفايا السوق أكثر من غيرهم من المتجولين بين هذه الأكوام المكدسة من الملابس المستهلكة، والتي لا تجد إلا القليل من العناية، حيث تبدو وكأنها مخلفات سوق حقيقي.

هذه الخبرة، حسب أحدهم، في قراءة الأشياء تم اكتسابها في هذا السوق، الذي يبددون فيه جل وقتهم، لذلك يبدون للوهلة الأولى مفرطين في التفاؤل، غير أنهم في الواقع يتكلمون عن حقائق يعملون على ضوئها، لهذا تجدهم لا يعترفون بالاستسلام لمجرد أن الزبائن يبتعدون عنهم في الوقت الحالي، فالجهد الذي يبذلونه في العمل المتواصل للتفنن في عرض ما لديهم بشتى الطرق لكسب الزبون والسعر، يبقى أهم هذه الطرق. الساعات الطويلة التي يقضيها الباعة في انتظار زبون جاءت به الحاجة أكثر مما جاء به حب التسوق، ليبحث وسط هذه الأكوام عن حاجته، فكثير من البسطات في الحراج تفتقد لأبسط قواعد التنظيم، وتبدو بضاعتها نشازا على نحو «طابعة كومبيوتر، أوان زجاجية، أشرطة كاسيت، أغان مختلطة مع أشرطة دينية، دفاية كهربائية، سماعة هاتف، أمشاط، فأس، مضرب تنس، مروحة، ملابس مختلفة وبكميات كبيرة»، وغير ذلك من البضائع التي لا يمكن أن تجتمع في مكان واحد سوى في مباسط الحراج. كما إنها تشكل خطر نشوب الحرائق مع أول شرارة، نتيجة الكم الهائل من البضائع المكدسة على الأرض.

محمد فاروق، عامل آسيوي يعمل في مبسط مليء بالثياب المستخدمة، والبضائع المستعملة، يفسر كثرة المعروض من هذه البضائع بسبب وفرتها وعدم إقبال المشترين عليها قائلا «كثير من هذه الملابس عندما تنظف ستصبح بحالة جيدة ويمكن للمتسوق أن يشتريها وهو مقتنع بأنها جيدة». مبسط آخر به أكوام من الملابس المختلفة ابتداء من الثوب، وصولاً إلى بناطيل الجينز جنباً إلى جنب مع الأواني المنزلية، هذه الملابس غير المفروزة يصل سعر القطعة إلى ريال واحد (0.27 دولار)، بينما يصل سعر القطعة بعد الفرز وبعد أن يحصل الجاكيت مثلا على علاقة ترفعه عن أرضية المبسط إلى خمسة ريالات (1.3 دولار) والسعر قابل للتخفيض متى ما وجد المشتري الجاد. ويقول علي الخوي، صاحب مبسط ملابس: «كان الإقبال على الملابس كبيراً في الماضي بسبب إمكانية تصديرها إلى بعض الدول العربية». ويضيف: «كان سعر الشاحنة متوسطة الحجم من نوع (دينا) يصل إلى ثلاثة آلآف ريال تقريباً (800 دولار)، أما الآن فلا يتجاوز سعرها ألف وخمسمائة ريال (400 دولار) بسبب فرض رسوم جمركية عليها في البلدان التي كانت تصدر لها، الى جانب ضعف الإقبال عليها.

ويضيف الخوي «إن أكثر من يرتاد هذه البسطات هم من العمالة الآسيوية، حيث توفر لهم هذه المباسط الملابس بأرخص الأثمان نسبة الى أجورهم الضعيفة.

وعن كيفية الحصول على هذه الملابس يوضح الخوي «أن أصحاب المباسط يقومون بشراء هذه الملابس من الجمعيات الخيرية التي تقوم بجمعها من الراغبين في التبرع بها عبر نقاط جمع هذه الملابس «حاويات جمع الملابس»، وبعد شرائها ننقلها إلى هذه المباسط بنفس الحالة التي جمعت بها، حيث يتكفل من يريد شرائها بتنظيفها وكيها».

وبشأن إمكانية تنظيف هذه الملابس وكيها وفتح محلات خاصة بها أسوة ببعض البلدان العربية، قلل الخوي من فرص نجاح هذا المشروع بقوله «الإقبال ضعيف عليها وغالبية المشترين من أصحاب الأجور الضعيفة أصلاً، وخلال عملي في هذه المهنة لم ألحظ مواطنين قاموا بشراء ملابس»، مضيفا «من يبيع هذه الملابس يريد الربح اليسير لأن هذه المباسط غير مرخصة، ولذلك لا تجدها منظمة».

ويذكر سورال «عامل هندي»، الذي يعمل في أحد هذه المباسط أن هناك ملابس جيدة يمكن الاستفادة منها بعد تنظيفها وكيها، ولكن بسبب العشوائية في الحراج لن يتم ذلك. ويقول محمد الدوسري، صاحب أحد المباسط «كل ما تراه في هذه المباسط نشتريه بالجملة، مثلاً أشتري شاحنة من الحجم المتوسط (دينا) وسعر هذه الشاحنة يتراوح ما بين 1 1000 و1500 ريال (266 ـ 400 دولار) وبهذه الشاحنة ملابس وأدوات كهربائية وأواني وغيرها، بعد ذلك نقوم بفرز الملابس لوحدها والأواني والأدوات الكهربائية لوحدها». ويبين الدوسري إن ما يهم المشتري في كل الحالات هو السعر، لذلك يجد الأسعار متدنية لجذب الزبون. ويقول أحمد توجان، عامل آسيوي، «أقوم في الفترة الصباحية اثناء عدم وجود الزبائن بتنظيف الأواني واستبعاد المكسور منها، وتنظيف بعض الأحذية، وترتيب بعض الملابس لمن يريد شرائها، أما في الفترة المسائية فيكون اهتمامي منصباً على الزبون في توفير طلبه وإعطائه السعر المناسب».

وكما إن البضاعة أصناف وألوان، فإن المشترين هم كذلك، حسب قول علي الحساني، أحد المتسوقين. كما ان الملابس المكدسة في هذا السوق أغلب المقبلين عليها هم من العمالة الأجنبية البسيطة بسبب تدني أسعارها. ويضيف قائلا إن هناك مباسط قد تغريك بالشراء، وتوجد بها بضاعة جيدة، ولكن هناك مباسط لا تعرف من سيشتري منها لأن بضاعتها من الأشياء التالفة.