السوري د. طالب عمران من الكتاب العرب القلائل الذين كتبوا في الخيال العلمي، وقد اشتهر ببرنامجه الإذاعي «ظواهر مدهشة» الذي بلغت حلقاته الألف.
عن بداياته في هذا المجال، ومكانة أدب الخيال العلمي في الثقافة العربية، كان معه هذا اللقاء:
* كيف كانت بدايتك في مجال الخيال العلمي؟
ـ بدأت رحلتي مع الخيال العلمي منذ أن بدأت أعي ما للعلم من أهمية، وقد نقلني هذا الخيال ما بين إنسان ما قبل التاريخ وحتى الإنسان المسافر في محطات فضائية ليحط على كواكب بعيدة تستوطنها كائنات عاقلة. لم تكن الفكرة مقبولة لدى الصحافة الأدبية عندنا حين بدأت أدفع بعض قصص الخيال العلمي التي تتحدث بلغة فهمها الإنسان عندنا. وعانيت الكثير حتى أفردت لي مكاناً بين الكتاب له خصوصيته، ونشرت أول مجموعة للأطفال عام 1978 ضمن منشورات اتحاد الكتاب العرب، فتحت الباب لأنشر مجموعات قصصية وروائية عن الخيال العلمي زاد عددها عن الـ25.
* ما الفرق بين الزمن العلمي والزمن الأدبي؟
ـ الخيال العلمي يختلف عن الخيال الأدبي بجنوحه نحو الحديث عن المستقبل ضمن حدود المنطق العلمي، وقد يصف الماضي وصفاً بحثياً منطقياً، أما الخيال الأدبي فليس له حدود، منذ أن تعرف الإنسان على ألف باء العلم والخيال جنحا به نحو الابتكار والاختراع، ولولا الخيال لما تحقق التطور.
* ما خصوصية هذا الأدب، وما رأيك في الخيال العلمي العربي؟
ـ إنه أدب له خصوصيته المرتبطة بالعلم، كما قلت نشأ مع عصر العلم وكان جول فيرن أبرز رواده، إضافة لهربرت جورج ويلز، فكانت نزعته الفلسفية المسيطرة فكتب عن المستقبل، وأدخل العديد من الأفكار الإنسانية وأتى بعد ذلك كتاب كثيرون أرسوا دعائم هذا النوع من الأدب بين كتاب العصر. وفي الوطن العربي عرفنا هذا النوع من الأدب مع بعض كتابات مصطفى محمود ومنها «رجل تحت الصفر» و«العنكبوت» وتوفيق الحكيم «رحلة إلى الغد»، حتى أتى نهاد شريف وبدأ بنشر قصصه في الدوريات الأدبية في مصر بتشجيع من الكاتب الراحل يوسف السباعي. وفي عام 1972 نشر أولى رواياته «قاهر الزمن» التي تحولت في ما بعد إلى فيلم سينمائي من بطولة نور الشريف وإخراج كمال الشيخ، ثم أتبع رواياته بمجموعات قصصية عديدة من بينها «رقم 4 ـ نا» و«الماسات الزيتونية» و«أنا وكائنات» و«الإجماع» و«نداء لولو السري». ثم مسرحية «أحزان السيد مكرر» وغير ذلك، فقد كان مخلصاً لهذا النوع من الأدب، ويعتبر الرائد الحقيقي لكتاب الخيال العلمي العرب، وهناك أحمد عبد السلام البقالي الكاتب المغربي الذي يمزج التشويق والفكرة البوليسية مع خياله العلمي، وأشير بالذكر إلى أن هناك محاولات كثيرة نذكر منها الكاتبة الكويتية طيبة إبراهيم والكاتب اللبناني قاسم قاسم والمفكر الراحل محمود عزيز الحبابي. وفي سورية جرت محاولات لكتابة الخيال العلمي لم تستمر، ربما لعدم وجود أرضية علمية ثقافية عند كتابتها.
* هل هناك اتجاهات في كتابات الخيال العلمي؟
ـ إن للخيال العلمي اتجاهين أولهما، جاد: يتعلق بهموم الإنسان ومشاكله وطموحاته، وثانيهما طغت عليه الفنتازيا التي تحكي عن عوالم خرافية تسود فيها الوحوش الآلية، والبشر الخارقون الذين يتصارعون مع سكان الكواكب الأخرى.
* هل تعتقد أن لهذه النوعية من الكتابة أثراً في الثقافة العربية؟
ـ نحن كتاب الخيال العلمي نحاول أن نؤسس لخيال علمي عربي، له علاقة مباشرة بأدب رفيع يهتم بقضايا الإنسان وشجونه لكن وحتى الآن لا نجد نقاداً يهتمون بهذا النوع من الأدب، ونعتقد أن عدم الاهتمام هذا يعود لسبب قصور النقاد أنفسهم الذين لم يستوعبوا تقنيات العصر بعد، ومن بينها التقنيات التي لها علاقة بالخيال العلمي وهو جزء من استراتيجية شاملة يخصص لكتابها على سبيل المثال في أميركا مقعدان بين مقاعد خبراء الاستراتيجية المستقبلية.
إن أدبنا شد اهتمام الناشئة وهذا أمر هام حتى ندخلهم في العصر، وعلومه المعقدة إنه أدب تثقيفي علمي، إنساني النزعة قد يحقق الكثير من الإنجازات في توقعاته المستقبلية.
* وكيف ترى واقع البحث العلمي في الوطن العربي؟
ـ مع الأسف الشديد لم ندخل العصر بعد، نحن نعتمد على استيراد التقنية من دون أن نتمكن من دخول عالم التصنيع رغم أننا نملك العقل والمال ولكن لا نجمع بينهما، البحث في الوطن العربي مهمل مضيّع، والباحثون يهاجرون لأنهم لا يجدون من يقدر وجودهم.
وللعلم فإن الدراسات تشير إلى أن ما يصرف على البحث العلمي في البلدان العربية لا يعادل واحداً بالألف مما تصرفه دولة متطورة على بحوثها.