انتهت حالة الترقب التي شدت وسائل الإعلام والطبقة السياسية في الجزائر، بخصوص اختفاء الرجل القوي في النظام الجنرال محمد العماري، من الساحة، بإعلان رئاسة الجمهورية استقالته وتعويضه بقائد القوات البرية اللواء أحمد فايد صالح. وذكر بيان لرئاسة الجمهورية، بثته وكالة الأنباء الجزائرية، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع استقبل الفريق محمد العماري قائد أركان الجيش الذي قدم له استقالته لأسباب صحية». وأوضح البيان بأن «الرئيس قبل الاستقالة وعين اللواء أحمد فايد صالح، قائد القوات البرية، قائدا لأركان الجيش». ولم يكن خبر الاستقالة، في الحقيقة، مفاجئا للمتتبعين بعد ما «سربت» مصادر من الجيش للصحافة قبل أسابيع، القرار الذي اتخذه العماري بالتخلي عن وظيفته التي كان يمارسها منذ سنة 1993، على خلفية النتائج التي أفرزتها انتخابات الرئاسة التي جرت في 8 ابريل (نيسان) الماضي. فقد كان الجنرال العماري، من بين كبار الضباط الذين لم يخفوا معارضتهم فوز بوتفليقة بولاية رئاسية ثانية، وأبدوا دعمهم للمرشح علي بن فليس، خصم بوتفليقة اللدود.
ويعتقد متتبعون لعلاقة الرئيس بالمؤسسة العسكرية، أن الجنرال فضل الاستقالة «من باب اللياقة السياسية لكونه لا يريد العمل مع رئيس لا يشاطره الرأي والموقف حيال العديد من الملفات الحساسة». وفي سياق، ما أشيع عن خلافات بين الرئيس وجنرالات المؤسسة العسكرية، نقلت مصادر أن العماري كان من أشد المعارضين لمشروع «الوئام المدني» الذي عرضه بوتفليقة على أفراد الجماعات المسلحة، ويقضي بإصدار تدابير تتيح لهم فرصة العودة إلى أحضان المجتمع، مقابل التخلي عن السلاح. وعرف عن العماري، تشدده في التعامل مع الجماعات المسلحة، وتفضيله لأسلوب القبضة الحديدية معها بدل الحوار والمصالحة، كما يريد بوتفليقة.
ولفت «اختفاء» العماري عن واجهة الأحداث، أنظار وسائل الإعلام في المدة الأخيرة، وأثار غيابه خلال زيارة وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال أليو ماري للجزائر، في يوليو (تموز) الماضي، التعاليق التي رد عليها وزير الداخلية يزيد زرهوني قائلا إن الجنرال «في عطلة»، ثم قالت مصادر من الجيش أنه سافر إلى اسبانيا ليخضع لعملية جراحية، بينما ذكرت مصادر أخرى أنه يستعد لتسلم وظيفته الجديدة كمندوب للجزائر في حلف «الناتو». وقد ولد العماري في يونيو (حزيران) 1939 بالعاصمة، ويتحدر من عائلة نشأت في منطقة بسكرة بالجنوب الشرقي، وانخرط في صفوف الجيش الفرنسي في فترة احتلال فرنسا للجزائر (1830 ـ 1962)، وتلقى تكوينه الأولي كضابط في سلاح الفرسان في المدرسة الحربية بـ«سومور» بفرنسا. والتحق العماري بصفوف جيش التحرير الجزائري في سنة 1961، واستفاد بعدها من تكوين في سلاح المدفعية بالأكاديمية العسكرية بـ«فرونز» بالاتحاد السوفياتي سابقا، ودرس أيضا في المدرسة الحربية بباريس.
وتتدرج العماري في وظائف سامية في الجيش، من بينها قائد ناحية عسكرية وقائد الوحدات القتالية واشتهر بكونه أحد أبرز الضباط السامين الذين أجبروا الرئيس السابق الشاذلي بن جديد على الاستقالة في 11 يناير (كانون الثاني) 1992، بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأول انتخابات برلمانية تعددية. وتعرض العماري للتهميش بعد حضور الرئيس محمد بوضياف إلى الحكم، ثم عاد بقوة في عهد وزير الدفاع الجنرال اليمين زروال، حيث عينه في 1993 قائدا لأركان الجيش. أما عن خليفته الجنرال فايد صالح، فهو من جيل الثورة ونال هو أيضا وظائف بارزة في الجيش، لكنها أقل أهمية من تلك التي حصل عليها العماري، ويحظى صالح باحترام كبير وسط الضباط الشباب الذين ينادونه «العم» صالح.