جلسة «مفاجئة وسريعة» لمجلس الوزراء اللبناني تطلق آلية تعديل الدستور للتمديد للحود

TT

توالت المفاجآت السياسية في لبنان، منذ ما قبل منتصف ليل امس وحتى الصباح، مع انعقاد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لم تتجاوز نصف ساعة اقتصر جدول اعمالها على بند واحد هو اقرار مشروع قانون بتعديل المادة التاسعة والاربعين من الدستور اللبناني، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وتحديد مدة ولايته، ينص على تمديد ولاية الرئيس اميل لحود ثلاث سنوات «لمرة واحدة وبصورة استثنائية» تنتهي في 23/11/2007 . وقد احيل المشروع الى مجلس النواب بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء وبعد موافقة الوزراء لدرسه واقراره في جلسة عامة يدعو اليها رئيس البرلمان نبيه بري، وذلك بعدما بادرت الحكومة الى فتح دورة استثنائية للمجلس تبدأ الاثنين في 30/8/2004 وتنتهي عند بداية الدورة العادية في اكتوبر (تشرين الاول) المقبل.

الحكومة عللت قرارها في فقرة «الاسباب الموجبة» التي ارفقتها بمشروع تعديل الدستور المرسل الى مجلس النواب والتي حملت عنوان الوضعين الخارجي والداخلي وظروف ومقتضيات المصلحة الوطنية العليا التي تقضي باستمرارية الحكم وعلى رأسه رئيس الجمهورية الحالي.

وقد اثارت هذه الخطوات المتسارعة، التي ادت الى حسم موضوع التمديد للرئيس لحود، الكثير من التساؤلات في صفوف الوزراء انفسهم بصورة خاصة، وأيضاً في الوسطين السياسي والشعبي بصورة عامة، لا سيما ان عدداً كبيراً من الوزراء لم يكن يتوقع حصول اي تطور في موضوع الاستحقاق الرئاسي قبل يوم غد الاثنين بانتظار الموقف الذي سيتخذه الرئيس الحريري من الموضوع. وكان الاخير قد لمس من الرئيس السوري لدى اجتماعه معه يوم الخميس الماضي رغبة سورية في استمرار لحود في الحكم «لاعتبارات اقليمية وقومية ووطنية»، كما تمنى عليه الأسد التفكير ملياً قبل اتخاذ قراره بهذا الشأن، لمعرفته بمعارضته الشديدة لتعديل الدستور والتمديد او التجديد للحود.

* قرار الحريري

* ويبدو ان «قرار» الحريري لم يتأخر في الظهور، بعدما سبقته اخبار عن تفكيره بالاستقالة احتجاجاً على التمديد للحود سرعان ما كذبتها المصادر القريبة منه. وذكرت المعلومات ان اجتماعاً ليلياً مطولاً عقد اول من امس بينه وبين رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات العربية السورية العميد الركن رستم غزالي في دارة الاخير في شتورا (البقاع) انتهى الى تبلغ الاخير موافقة رئيس الحكومة اللبنانية على السير بتعديل الدستور والتمديد للحود، مشدداً على الوقوف دائماً الى جانب سورية ودعمها خصوصاً في هذه الظروف التي تشهد فيها المنطقة احداثاً متسارعة وملتهبة.

هذا وخلافاً لما اوردته بعض وسائل الاعلام عن ان اللقاء بين رئيس الحكومة اللبنانية والمسؤول السوري كان عاصفاً، فقد اكد مصدر مطلع على اجواء اللقاء لـ«الشرق الأوسط» بأنه كان «بناء وودياً وأخوياً». كما تردد ان دمشق، التي آثرت تحاشي الاستعجال في بت موضوع الاستحقاق وأمهلت الحريري متسعاً من الوقت قبل اعلان موقفه، سارعت الى التمني على المسؤولين اللبنانيين بأن يحزموا امرهم في مسألة الاستحقاق الرئاسي، بعدما توالت الضغوط والمواقف الدولية عليها وعلى لبنان من اجل الاطاحة بلحود «لما يمثله الاخير من تمسك بالثوابت الاستراتيجية والتضامن مع سورية واحتضان المقاومة ومواجهة المخططات المشبوهة ومن بينها التوطين»، كما تؤكد على ذلك القيادة السورية.

ويلفت مصدر وزاري لبناني هنا الى سيل المواقف، التي صدرت في وقت واحد اول من امس عن كل من واشنطن ولندن وباريس، والتي انضم اليها وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر خلال زيارته بيروت اول من امس، ومطالبتها بعدم تعديل الدستور واجراء انتخابات، وبالتالي استبعاد لحود. ويتساءل المصدر عما اذا كانت الدول الكبرى قد تخلت عن اهتمامها بفلسطين والعراق لتنشغل بلبنان وانتخابات الرئاسة فيه. وقد توقف نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني عصام فارس عند هذه الحملة الاوروبية الاميركية معلقاً: «هذا هو بعينه التدخل الخارجي في الشؤون اللبنانية».

هذا، وفور خروج «الدخان الابيض» من اجتماع شتورا سارع سهيل بوجي، امين عام مجلس الوزراء، في ساعة متأخرة من ليل اول من امس الى الاتصال بالوزراء كي يبلغهم بموعد الجلسة الاستثنائية للحكومة الخاصة بتعديل الدستور. وعلمت «الشرق الأوسط» ان عدداً من الوزراء ممن ينامون باكراً لم يعلموا بموعد الجلسة الا عند استيقاظهم صباح امس.

* جلسة سريعة

* جلسة اقرار مشروع التعديل كانت «سريعة»، اذ استمرت خمس عشرة دقيقة بالتمام والكمال وغاب عنها الوزراء فارس بويز وجان عبيد (الموجودان في لبنان) وكرم كرم وبهيج طبارة (بداعي السفر). وترأس الجلسة في البداية الرئيس لحود فتناول الوضع الاقليمي الاستثنائي والوضع في فلسطين والعراق والوضع الداخلي، شاكراً مجلس الوزراء على الثقة الكبيرة لاستمراره في تحمل المسؤوليات وتعديل الدستور لما فيه المصلحة العليا للبلاد. ثم غادر الجلسة تاركاً للرئيس رفيق الحريري ترؤسها. وقد بادر الاخير الوزراء بالقول: «الكل يعرف لماذا تعقد هذه الجلسة، ويعرف الظروف والاوضاع الاقليمية الضاغطة المحيطة بنا. ولدينا مشروع لتعديل الدستور بما يتيح التمديد لرئيس الجمهورية لثلاث سنوات». وسأل عمن لديه من اعتراض او ملاحظات حول هذا الموضوع.

وقد طلب الوزير مروان حمادة الكلام باسم «اللقاء الديمقراطي» البرلماني الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط فأشاد بمواقف ومزايا الرئيس لحود وأكد على وحدة الموقف مع سورية والتضامن معها، الا انه قال: «ان دقة المرحلة قد تطلبت تعديل الدستور من اجل التمديد. وباسم اللقاء الديمقراطي اعلن عدم الموافقة على التعديل». ثم طلب الوزير غازي العريضي (ممثل الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه جنبلاط في الحكومة) الكلام، فقال: «انا اتحدث بإسم النائب وليد جنبلاط وباسمي. واعلن باسم النائب وليد جنبلاط وباسمي الاعتراض على التعديل». بعدها طلب الوزير عبد الله فرحات (العضو أيضاً في كتلة «اللقاء الديمقراطي») الكلام مسجلاً بدوره اعتراضه على التعديل.

وبعد تسجيل وزراء «اللقاء الديمقراطي» الثلاثة اعتراضهم، طرح النص المقترح للتعديل على مجلس الوزراء، فوافق المجلس على النص الذي يقول «تمدد ولاية فخامة رئيس الجمهورية ثلاث سنوات تنتهي في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007».

وفي ختام الجلسة اذاع وزير الاعلام ميشال سماحة المعلومات الرسمية وجاء فيها «ان رئيس الجمهورية تحدث في مستهل الجلسة قائلاً ان الوضع الاقليمي الاستثنائي والحرج في المنطقة العربية، لا سيما في فلسطين وفي العراق معروف من قبلنا جميعاً، خاصة في ظل التهديدات الاسرائيلية المتواصلة للبنان التي ترمي الى اهداف خطيرة جداً منها محاولة توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد العربية التي تستضيفهم ومنها لبنان». واضاف: «ان تعاوننا مع بعضنا في مجلس الوزراء كانت ثماره استقراراً عاماً في البلاد جعله مقصداً آمناً للرعايا العرب والاجانب. وان هذا التعاون اثمر ايضاً جهوداً مكثفة على جميع الصعد التي تهم المواطنين وتخفف عن كاهلهم». وقال لحود: «ازاء هذين الوضعين الداخلي والخارجي اشكركم مسبقاً على ثقتكم الكبيرة لاستمراري في تحمل المسؤوليات وتعديل الدستور لما فيه المصلحة العليا للبلاد. واني اترك لدولة رئيس الحكومة ترؤس جلسة مجلس الوزراء نظراً لارتباطات مسبقة لي».

وتابع سماحة قائلاً: «وعلى الاثر ترأس دولة رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري الجلسة مؤكداً على ما اعلنه فخامة رئيس الجمهورية، مشيراً الى ان الوضع الاقليمي يتطلب اتخاذ اجراءات خاصة، ولا سيما اعداد مشروع قانون بتعديل دستوري للمادة 49 ينص على تمديد ولاية فخامة رئيس الجمهورية ثلاث سنوات تنتهي في 23/11/2007».

واعلن وزير الاعلام ان مجلس الوزراء وافق على مشروع القانون واعترض الوزراء السادة: مروان حمادة وغازي العريضي وعبد الله فرحات، وعلى الاثر رفعت الجلسة.

وفي حوار مع الصحافيين، سئل سماحة عن توقعاته بالنسبة للمرحلة المقبلة، وهل سيكون هناك تعاون بين الرئيسين لحود والحريري، فأجاب: «اتصور ان يكون هناك تعاون، وانا اتكلم باسم رئيس مجلس الوزراء عن ما دار في الجلسة ورجاء ان يقتصر الموضوع ضمن هذا الاطار».

وعن الاسباب التي حدت الى التعجيل في عقد الجلسة الاستثنائية، وما اذا كان اللقاء الذي جمع الرئيس الحريري والعميد رستم غزالي اول من امس في مقدمة هذه الاسباب، اوضح سماحة: «ان دولة رئيس مجلس الوزراء ارتأى ان الظرف مؤاتٍ وضروري لعقد جلسة استثنائية. واتصور انه تشاور مع فخامة الرئيس كما ينص الدستور وتمت دعوة الوزراء الى ذلك».

ثم سئل عن موقف مجلس الوزراء من الحملة الاميركية والاوروبية على تعديل الدستور، فردّ قائلاً بأن هذا الموضوع لم يطرح في الجلسة.

وكان لافتاً جواب الحريري على سؤال صحافي طرح عليه لدى مغادرته الجلسة يتعلق بامكانية التعاون بينه وبين رئيس الجمهورية في المرحلة المقبلة حيث اكتفى بالقول «منشوف» ـ اي سنرى ـ الامر الذي فسرته اوساط سياسية على ان احتمال التعاون بينه وبين رئيس الجمهورية ما زال وارداً، وذلك خلافاً لما سبق ان اعلنه الحريري عن عزمه الابتعاد عن الحكم في المرحلة المقبلة. هذا وفور انتهاء الجلسة غادر الحريري الى جزيرة سردينيا الايطالية في اجازة.

من جهته قال وزير الصحة العامة سليمان فرنجية للصحافيين بعد الجلسة «كنا دائماً متعاونين مع الرئيس لحود ولا مشكلة. ونحن كنا دائماً ايجابيين».

وحول اسباب غياب كل من وزير الخارجية جان عبيد ووزير البيئة فارس بويز، أوردت «وكالة الانباء المركزية» اللبنانية غير الرسمية ان عبيد امتنع عن الادلاء بأي تصريح عن اسباب تغيبه عن جلسة امس، في حين نفت اوساطه ما تردد ظهر امس عن تقديم استقالته من الحكومة، مشيرة الى ان تغيبه عن الجلسة مرده الى اعتبارات خاصة وانه مضى شهران لم يشارك في خلالهما في جلسات مجلس الوزراء.

اما بويز فقال لـ «المركزية»: «موقفي واضح وأنا ضد تعديل الدستور والتمديد والتجديد ولذلك لم احضر الجلسة التي كانت مخصصة لهذا الامر».