من شباك شقة يملكها بحي العرب في لندن، أصبح بإمكان أحد أشقاء بن لادن أن يطل على بيت اشتراه رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، ليقيم فيه إذا ما خسر الانتخابات المقبلة واضطر مع زوجته وأولاده الأربعة إلى مغادرة سكن العائلة الرسمي بالمبنى رقم 11 الملاصق لمكتبه في 10 داوننغ ستريت الشهير.
ويقع بيت بلير، الذي زارته «الشرق الأوسط» يوم أول من أمس من دون أن تدخل إليه، في «كونوت سكوير» الملاصقة كساحة وحيدة في الحي لشارع إدجوارد رود، الموصوف مع تفرعاته المجاورة لحديقة هايد بارك الشهيرة، بأنه «حي العرب» بلا منازع في لندن، ففيه وبجواره يقيم ويعمل أكثر من 25 ألف عربي ومسلم، يتضاعف عددهم أكثر من 3 مرات بمجيء زائرين من دول الخليج بشكل خاص في صيف كل عام.
والساحة، حيث البيت الذي اقترض بلير من البنك ثلثي قيمته البالغة 7 ملايين دولار ليشتريه قبل شهر في «صفقة سرية» انكشفت للعلن الأسبوع الماضي فقط، هي صغيرة وبحجم نصف ملعب كرة قدم تقريبا، وتتوسطها حديقة مستطيلة، تنتشر عند حوافها 16 شجرة ضخمة، يزيد ارتفاع كل منها على ارتفاع أي مبنى هناك. إلا أن الأشجار الكثيفة لا تحجب البيت عن شبابيك الجيران القريبة والبعيدة، ولا عن المشاة أو العابرين بسياراتهم، ومعظمهم عرب يملكون عشرات المحلات التجارية في إدجوارد رود، المكتظ أيضا بأكثر من 50 مطعما ومقهى عربيا تبقى حتى بعد منتصف الليل مفتوحة الأبواب بما تبيعه من مأكولات معظمها لبنانية، مع شيشة يدخنها الرواد على الأرصفة من دون أن يضيع عن أنظارهم أي مار بسيارته في المنطقة.
ويتحدث معظم العرب المقيمين والعاملين في الحي عن حسن بن لادن، البالغ من العمر 50 سنة، أي أصغر من شقيقه أسامة بعام تقريبا، فيؤكدون بأنه يملك شقة في «كونوت سكوير» كان يقيم فيها مع زوجته البريطانية وأولاده «إلا أنه لم يعد يزورها بمفرده أو مع العائلة إلا في الصيف فقط، فمنذ 3 أو 4 سنوات غادر ليقيم نهائيا في السعودية. وأنا لم أره إلا منذ عامين فقط.. أتذكره جيدا، فقد كان دائم الابتسام، ومرحا ومسالما، وأعتقد أن الفرق بينه وبين شقيقه هو كالفرق بين جبل المقطم في مصر وبركان فيزوف بايطاليا»، وفق ما قاله بائع صحف وسكاكر طلب من «الشرق الأوسط» أن لا تذكر اسمه أو جنسيته العربية.
لكن لبنانيا يملك محلا تجاريا في إدجوارد رود، البعيد 40 خطوة تماما عن بيت بلير المكون من 3 صالونات استقبال و5 غرف نوم وحمامين، يروي غير ذلك، فيذكر أن شقة حسن بن لادن «لا تقع في الساحة، بل عند زاويتها في شارع سيمور، المتفرع من إدجوارد رود، لكنها مطلة من شباك فيها على بيت بلير» كما قال.
وذكر اللبناني أنه كان صديقا لحسن بن لادن، فقد كان يخرج معه إلى المطاعم في معظم الأحيان «ورأيي فيه مختلف طبعا عن رأيي بشقيقه أسامة، فحسن يحب العيش ويحب أن يرى سواه يعيش، ولا أذكر أنني رأيته متجهم الوجه على الإطلاق» وفق تعبيره.
لكن بائعا للصحف آخر في الحي أكد أن شقة حسن بن لادن هي في الساحة نفسها «وقد اشتراها منذ أكثر من 10 سنوات عندما تزوج من بريطانية رزق منها بثلاثة أبناء. وقد غادر لندن بالفعل ولم يعد إليها إلا زائرا مع عائلته في الصيف» كما قال.
والمعلومات غير متوافرة تماما عن طبيعة «الصفقة السرية» التي اشترى توني بلير بموجبها البيت، وهو عبارة عن عمارة من 3 طوابق علوية ورابع أرضي وخامس سفلي تحمل الرقم 29 في الساحة الصغيرة. لكنه أحاط عملية الشراء التي تمت عبر شركة شسترفيلد للسمسرة بكتمان شديد، إلى درجة أن زوجته شيري بلير كلفت صديقة أميركية للعائلة فتنكرت بهيئة راغبة في شراء البيت الذي تبلغ مساحته 415 مترا مربعا، ثم دعت بلير لزيارته بالسر ومرة واحدة، وكان ذلك عندما علم أن صاحبه السابق، وهو تاجر التحف والأثريات والنوادر البريطاني، روجر بيفان، موجود في رحلة خارج بريطانيا، فألقى عليه نظرة سريعة واشتراه عبر اتفاق مع البنك يسدد بموجبه ما اقترضه طوال 25 سنة، وبواقع دفعة قيمتها 15 ألف استرليني، أي حوالي 28 ألف دولار في الشهر، أي تقريبا الراتب الذي يتقاضاه بلير منذ فاز في الانتخابات قبل 7 سنوات. إلا أن زوجته تحقق أرباحا سنوية من ملكيتها وعملها في شركة قضائية تزيد على راتبه السنوي بخمسين ألف دولار، وهي قادرة على إكمال الدفع فيما لو خسر بلير منصبه في الانتخابات المقبلة.
وسيجد رئيس الوزراء البريطاني نفسه محاطا بالشيشة والشاورما والمشويات في كل مرة يغادر فيها البيت أو يعود إليه، وسيشعر وكأنه يتجول في أحياء وشوارع مدن العالم العربي، وأهمها بيروت في هذه الحالة، فهو أن رغب بالوصول إلى البيت من ساحة ماربل آرش القريبة ليلتف إلى شارع سيمور، فسيرى نفسه يتنشق رائحة الشاورما والمشويات على الفحم من مطعم لبناني يبقى مشرع الأبواب إلى ما بعد الثانية فجر كل يوم. أما إذا رغب بالوصول إلى البيت من شارع جورج ستريت العابر لزاوية من شارع إدجوارد رود، فسيمر بمحاذاة مطعم «بيروت إكسبرس» ومشاويه، ثم سيجد لوحة كبيرة بالعربية والإنجليزية لمؤسسة مصرفية عربية فتحت أبوابها هناك الشهر الماضي تستقبله بوضوح، وعليها كلمات: البنك الإسلامي البريطاني.
ويمكن لتوني بلير، الذي لو كان مطلعا على الحكم والأمثال العربية الشهيرة، ومنها «الجار قبل الدار» ليعرف من سيكون جيرانه قبل شرائه للبيت، أن يحتاط كما يريد لتجنب روائح المشويات ورؤية المدخنين للشيشة على الأرصفة، بوصوله إلى البيت عبر شارع «أبر بيركلي ستريت» المتفرع من إدجوارد رود إذا أراد، لكنه ما أن يصل إلى زاوية الشارع سيجد نفسه محاطا بسلسة مطاعم مروش التي يملكها اللبناني معروف أبو زكي، وهو صاحب أكبر عدد من المطاعم اللبنانية في أوروبا، وكلها للسندويشات والمشويات والمتبلات، وأحدها لا ينام رواده إلا بعد الثالثة فجرا، حيث تصدح فيه الموسيقى العربية. وباستطاعة توني بلير أن يصل إلى بيته الجديد كل يوم من طريق مختلف تماما، هو عبوره شارع إدجوارد رود عكسيا، فعندها سيجد تجمعات من الأصوليين يوزع أفرادها الكتب والأسطوانات والنشرات الاسلامية الداعية للتغيير على الطريقة الأصولية السريعة، ومعظمهم من حزب التحرير وجماعة «المهاجرون»، التي يتزعمها المثير للجدل عمر بكري، أو الرجل الذي صرخ في مقابلة مع محطة «بي.بي.سي» قبل عامين وقال إن العرب والمسلمين لا يقيمون في بريطانيا كأغراب «بل الأغراب فيها هم البريطانيون أنفسهم، لأنها أرض الإسلام.. وكل الأرض على أي حال هي أرض الإسلام».