«أيام القبوطي» لسهام بيومي في ندوة بأتيليه القاهرة

TT

وصف الناقد الدكتور محسن خضر رواية الكاتبة المصرية سهام بيومي التي صدرت حديثا عن دار الهلال بعنوان «أيام القبوطي» بأنها تندرج تحت مسمى كتابة القضايا الكبرى وهموم الجماعة الانسانية، وذكر خضر في ندوة اقيمت في اتيليه القاهرة حديثا للاحتفاء بصدور الرواية ان «أيام القبوطي» تثير أكثر من قضية على المستوى الفكري والسياسي والجمالي.

وقال ان الكاتبة تريد أن تقول بعنوان الرواية المراوغ ان أيام القبوطي هي أيامنا نحن، والمكان وهو قرية الفرما الذي تدور فيه أحداث الرواية وهو فضاؤها حيث يشكل هيكل النص الابداعي الأساسي وتريد الكاتبة ان تقول ان الفرما هي مصر.

وأشار خضر الى ان نص الرواية ليس تاريخيا رغم كونه يتكئ على التاريخ، حيث ان الكاتبة ابدعت روايتها وفي وعيها حضور الوطن وقضيته الآن، وهي بذلك تريد أن تعيد الأمل والاعتبار الى قدرات الانسان الخلاقة وقدرته على الصمود والتحدي، والسيد القبوطي في الرواية رمز لقيم المقاومة والبناء والفاعلية، وهذا ما يتضح من اشارة الكاتبة إليه بأنه جاء الى الفرما وجاء معه الخير، وقد جعلته الكاتبة محورا للأحداث حيث تنتظم من حوله وتتنامى شخصيات الرواية.

وتحدث الدكتور محسن خضر عن المرتكزات والعناصر الابداعية التي أقامت الكاتبة سهام بيومي عليها بنيان روايتها، وذكر أن العنصر الأول هو التاريخ وبه حاولت الكاتبة إلقاء الضوء على فترة مجهولة من تاريخ مصر وهي بدايات حفر قناة السويس وعذابات المصريين التي لاقوها وهم يحفرون القناة، كما تصور الكاتبة جانبا من مقاومة المصريين لحفر القناة في حد ذاته والسخرة التي تعرضوا لها في حفرها.

وأشار خضر الى ان سهام بيومي لا تنطلق من الماضي لتصب في الحاضر لكنها تنطلق من اللحظة الحاضرة الى الماضي وتحاول بذلك أن تنفخ في العروق إرادة المقاومة، وهنا يتجلى وعي المثقف المهموم بقضايا الأمة والمتابع لحالة التأزم الاجتماعي والاحتقان السياسي التي تمر بها، ورغم ان الرواية تقع أحداثها في فترة محدودة من تاريخ حفر القناة إلا أنها تمتد الى عدة عقود قبل حفر القناة وبعده، وهذا ما يمكن ملاحظته في الرواية حيث يظهر السيد الفرماوي وينتهي ويظهر السيد القبوطي ويختفي، ويظل البحث عنه مستمرا وحوله تدور الأساطير والحكايات والتي تعتبر المرتكز الثاني الذي اتكأت عليه الكاتبة في ابداع الرواية. وتتواتر الأساطير في الرواية ومع أحداثها، وهنا نلاحظ أن اسطورة غرق مملكة التنيس تحت بحيرة المنزلة تحيل الى حكاية قارون، وتدخل الرواية مضافا إليها العنصر الثالث وهو النبوءة في مناخ من الغرائبية والفجائية وهي ما تفجر طاقات الإبداع عند الروائية صاحبة العمل وقدرتها على بناء الحدث حتى يظل متلقيها منتبها لتفاصيل الأحداث وما تسفر عنه النبوءات حتى نهاية العمل الذي يمكن وصفه بأنه رواية أجيال حيث يمثل السيد الفرماوي الجيل الأول، والسيد القبوطي الجيل الثاني ثم يأتي بعد ذلك الأحفاد جيل زاهية وضاحي والسعيد وادريس وفاطمة، وهم يحركون الأحداث بلا أي نوع من الافتعال حيث يمكننا ملاحظة وجود نسج دقيق للأحداث والوقائع والشخصيات ومكوناتها وسماتها النفسية والجسدية في أيام القبوطي، حسب تحرك الزمن، والكاتبة هنا تترك الفرصة للمقارنة بين الشخصيات وأحداث المفارقة الدلالية بينها في إطار الزمان والمكان.

وقال الدكتور خضر ان رواية أيام القبوطي تكتب تاريخ المهمشين وتدخل في جدل على طريق المسكوت عنه مع حرافيش نجيب محفوظ وتحاول إلقاء الضوء على أحداث ووقائع وناس لا يعرف أحد شيئا عنهم، وهنا يأتي السرد الاسطوري لما يدور امتدادا للسرد الروائي، ويمكن متابعة ذلك من عمل الكاتبة الدائم على تحويل السيد القبوطي من كينونته المادية الى كينونة اسطورية بعد ان حولته الى بطل اسطوري ربطته بفعل المقاومة الذي يقاوم عمليات سلب الأراضي ويتحدى الظلم والاستبداد، وهذا وجه من الوجوه التي يمكن ملاحظتها في الرواية والتي تتسرب فيها وتنساب طاقة انسانية غير محدودة يمكننا أن نلاحظها في شخصية زاهية وعلاقة الحب التي تربطها بزهران، وهما يشكلان معا النواة الصغرى التي تنبني عليها الرواية، أما النواة الكبرى فتتمثل في وجود شركة قناة السويس وانتزاع الأرض وحفر القناة.

وتحدث الكاتب اسامة عرابي حول الرواية، مشيرا الى أنها تتمتع بكثير من الشفافية والصفاء بعيدا عن البلاغة التقليدية والزخارف اللفظية التي يلجأ إليها البعض عند الكتابة، وذكر عرابي ان شخصيتي الفرماوي والقبوطي في الرواية يمكن النظر اليهما عبر أكثر من مستوى دلالي حيث تجلى امام راصد الاحداث في الرواية مستويات رمزية واسطورية وصوفية لكل منهما وقد تجلى ذلك في استخدام الكاتبة تكنيك الهلاوس والذي يعتبر عنصرا مهما من عناصر الكتابة الروائية عند سهام بيومي.

ووصفت الكاتبة سهام سعيد أيام القبوطي بالرواية الدائرية وقالت ان ذلك يتضح من أحداثها حيث تسلم بعضها لبعض لتبدأ من جديد وتتلاقى بعد انتهائها في الفصل الأخير والخاتمة بأحداث الفصل الأول.

وذكرت سعيد ان الكاتبة أسطرت شخصيات الرواية وهو واضح في شخصية القبوطي الاسطورية وشخصية زاهية أيضا التي تعرضت للاغتصاب رغم معرفتها بالتاريخ والتراث وقد عادت في النهاية على يد مجموعة من المصريين وهذا ملمح قد يجعلنا نرى سمات سياسية في «أيام القبوطي».