يعتبر وزير الاستثمار المصري محمود محي الدين من الكوادر الشابة في الحكومة المصرية والتي يعوّل عليها بضخ دماء جديدة في ادارة الدولة وبالأخص في الجانب الاقتصادي.
ولمناسبة مشاركته في أحد المؤتمرات الاقتصادية التي استضافتها بيروت اخيراً، تحدث محي الدين لـ «الشرق الأوسط» على الاستثمار في مصر وتطلعاته لتنميته، وجاء في وقائع الحديث. «ان ابرز التعديلات التي قمنا بها ما يتعلق بالجمارك والضرائب وبالاخص في ما يتعلق بالتعرفة او الادارة الجمركية حيث خفضنا التعرفة الى نصف ما كانت عليه». واشار الى اقتراح الحكومة المصرية «لمشروع قانون سنقدمه لمجلسي الشعب والشورى يتعلق بالضرائب المرتفعة».
وشدد الوزيرعلى ان النظام الجديد يسير الامور بسرعة، فضلاً عن ذلك فالاستثمار ليس فقط سرعة في التأسيس انما ايضاً الاستمرار، اذ من الممكن ان تعترضنا مشاكل كثيرة سواء في ما يتعلق بسوق العمل او اسواق الائتمان وحماية الاسواق والملكية الفكرية. كما ان الدخول والخروج من الاستثمار يجب ان يكون سهلاً.. لا استطيع ان اقول انه خلال الثلاثة شهور الماضية قمنا بنقلة جبارة لكن على الاقل اعطينا الاشارات المناسبة بأن هناك تحررا من القيود وان هناك كفاءة في الاسواق نسعى الى تكوينها وهذه الكفاءة لن تتحقق الا بفاعلية الرقابة عليها.
وأكد وزير الاستثمار المصري محمود محي الدين ان القناة التي يمر عبرها المستثمر اصبحت أقصر وأقل تعقيداً، موضحا انه من اجل تحقيق هذه الغاية، هناك مفهومان جديدان في «هيئة تشجيع الاستثمار» اولها مفهوم «النافذة الواحدة» وثانياً تخصيص «مدير محاسبة» لكل مستثمر كبير. وهذه فكرة ابتدعها رئيس الوزراء احمد نظيف ومدير المحاسبة سيتابع كل مستثمر كبير ولن يكون فقط مسؤولاً عن تأسيس المشروع انما عن متابعته بعد تنفيذه ايضاً. وقد بدأنا بتنفيذ هذا المفهوم مع ثلاث حالات كبيرة: حالتان من الخليج وحالة من المملكة المتحدة.
* يشكو المستثمرون من بطء وبيروقراطية الإجراءات التي تتحكم بالنشاطات الاستثمارية في مصر، فهل تأتي مشاركتكم بالحكومة ضمن توجه عام لمعالجة هذا الوضع؟ ـ لقد وضعت اصبعك على أهم عقبة في سبيل تحرير حركة الاستثمار وتحسين هذا المناخ. لا سيما في ما يرتبط بالقواعد البيروقراطية الجامدة والعقول المتحجرة في بعض القطاعات والتي تحتاج الى تعامل خاص معها. الحكومة الجديدة لم تبدأ من فراغ، فقد بدأنا بحصر المشاكل التي تعترض المستثمرين سواء الاجانب او المحليين. ومن ابرز التعديلات التي قمنا بها ما يتعلق بالجمارك والضرائب وبالاخص في ما يتعلق بالتعرفة او الادارة الجمركية حيث خفضنا التعرفة الى نصف ما كانت عليه. واعددنا اقتراحا لمشروع قانون سوف نقدمه لمجلسي الشعب والشورى يتعلق بالضرائب المرتفعة. ومن عوائق البيروقراطية الاخرى، كنا نواجه مشاكل في التعامل مع هيئة الاستثمار في ما يتعلق بإجراءات التأسيس. ومع تعيين زياد بهاء الدين رئيساً لهيئة تشجيع الاستثمار وتشكيل فريق العاملين من خلفية القطاع الخاص تحررنا من الكثير من القيود لأنهم يتمتعون بفكر متحرر. فمجلس الادارة كان يضم 4 اعضاء من الخبراء المستقلين و4 من الحكوميين، اما الآن فهو مؤلف من 13 عضواً جميعهم من القطاع الخاص. وهذا يعتبر بمثابة استثناء وبداية لتحقيق اصلاحات في هيكلية الهيئة بأكملها. المشكلة مع الطاقم السابق كانت انهم لا يقدرون اهمية عامل الوقت، والاستثمار هو عراك مستمر مع الوقت. النظام الجديد يسير الامور بسرعة، فضلاً عن ذلك فالاستثمار ليس فقط سرعة في التأسيس انما ايضاً الاستمرار، اذ من الممكن ان تعترضنا مشاكل كثيرة سواء في ما يتعلق بسوق العمل او اسواق الائتمان وحماية الاسواق والملكية الفكرية. كما ان الدخول والخروج من الاستثمار يجب ان يكون سهلاً.. لا استطيع ان اقول انه خلال الثلاثة شهور الماضية قمنا بنقلة جبارة لكن على الاقل اعطينا الاشارات المناسبة بأن هناك تحررا من القيود وان هناك كفاءة في الاسواق نسعى الى تكوينها وهذه الكفاءة لن تتحقق الا بفاعلية الرقابة عليها.
* هل القناة التي يمر عبرها المستثمر اصبحت أقصر وأقل تعقيداً؟ ـ من اجل تحقيق هذه الغاية، هناك مفهومان جديدان في «هيئة تشجيع الاستثمار» اولها مفهوم «النافذة الواحدة» وثانياً تخصيص «مدير محاسبة» لكل مستثمر كبير. وهذه فكرة ابتدعها رئيس الوزراء احمد نظيف ومدير المحاسبة سيتابع كل مستثمر كبير ولن يكون فقط مسؤولاً عن تأسيس المشروع انما عن متابعته بعد تنفيذه ايضاً. وقد بدأنا بتنفيذ هذا المفهوم مع ثلاث حالات كبيرة: حالتان من الخليج وحالة من المملكة المتحدة. واعتقد انه من خلال هذه الخطوات نرسل اشارات واضحة حول توجه الحكومة. وانها لا تدافع فقط عن الاستثمار تقديراً لأهمية زيادة حجمه انما لأن وراء كل دولار او جنيه يستثمر، فرصة عمل. نظراً لكون البطالة مشكلة كبرى. اردنا اولاً ان نوصل رسالة مفادها ان هذه الحكومة تسعى الى حماية الاستثمارات في البلاد وتشجيعها. ولم يكن غريباً ان يقول رئيس الوزراء ان من يعرقل ويعوق الاستثمار يعتبر خائناً للبلاد. لأن تعطيل حياة البشر نوع من انواع الخيانة. ثم ان وزارة الاستثمار ليست فقط ، هي المسؤولة الوحيدة انما هناك مجموعة من الوزارات مسؤولة ايضاً ومن ضمنها لجنة وزارية للاستثمار والتشغيل، اضافة الى ان هيئة الاستثمار متفرغة بالكامل ولديها الآن المفهومان الجديدان اللذان ذكرتهما. بالطبع لن نستطيع ان نوفر «مدير محاسبة» مسؤولاً عن ملفات كل المستثمرين لكن هناك حالات خاصة تتطلب ذلك وليس من الضروري ان تكون كبيرة. كحالة المستثمر الانكليزي الآتي بحوالي 40 مليون دولار ولكنه ينوي التوسع. الاصلاحات ليست مرتبطة بالقوانين والسياسات وعندما حدثت الاصلاحات الجمركية وعرض قانون الضرائب الجديد كان هذا بمثابة تشجيع للاستثمار. واليوم عقدنا اتفاقية «كويز» وتخص المناطق الصناعية المؤهلة. والاتفاقية عقدت ما بين الولايات المتحدة ومصر واسرائيل. ويفترض ان ننجز اتفاقا ينص على ان تستفيد بعض المناطق من التبادل التجاري بين هذه البلاد الثلاثة. وسنستفيد من هذه الاتفاقية ـ بالدرجة الاولى ـ في صناعة الغزل والنسيج. وهذه الاتفاقية في ظاهرها تجارية ولكن في جوهرها تخص الاستثمار لأننا قد نحتاج الى توسيع المناطق الصناعية ما قد يأتي الى البلاد بأسماء جديدة.
* هل تلمسون اليوم قناعة لدى كافة الوزارات والمرافق الحكومية بالعمل كفريق واحد؟ ـ على المستوى الوزاري ومستوى الوزراء ورؤساء الهيئات، نعم هذه القناعة موجودة. ورئيس الوزراء يقوم بدور المنسق والمايسترو. رئيس الوزراء والوزراء المعنيون يجتهدون. لكن ما زالت «الجهات المحلية» اي الجهات المسؤولة عن التراخيص والمتابعة، تعرقل الامور بعض الشيء، والسبب ان الموظف مقيّد ببعض التفسيرات حول القوانين ويتجه ذهنياً نحو التفسير الاضيق، لكن لن نترك الأمر في ايديهم.
* هل تفكرون بإطلاق برامج توعية؟ ـ نعم، وإضافة الى ذلك نحاول ان نقلل الى ابعد مدى من المسائل النظرية كي لا ندع فرصة للموظف ليجتهد. ونعمل لإتاحة الفرصة للمستثمر للقاء اي مسؤول في البلاد بدءاً من رئيس الوزراء. وبذلك لم يعد الموظف عقبة بين المستثمر والمسؤول، لأنه لو تباطأ الموظف بإنجاز معاملة ما فالمستثمر سيشتكي مباشرة للمسؤول. كما ويقوم اليوم عدد من المسؤولين بزيارات ميدانية.
*يحكى اليوم ان أبرز حل لمشكلة البطالة يتمثل بإنشاء المؤسسات المتوسطة وصغيرة الحجم ، ما هي الاجراءات التي تتخذونها لمكافحة البطالة؟
ـ لدي قناعة تتجسد بأنه عندما يفتح مناخ الاستثمار يفتح للجميع، سواء الكبير ام الصغير. مسألة التركيز على «نوع» واحد يتغنى بها البعض، لكنني ارى اننا لن نتمكن من اقامة تنمية مستدامة من خلال المشاريع الصغيرة الحرفية. صحيح هي مطلوبة و«تشغل الناس» لكنني ضد اقتصار جهود الدولة على تنمية قروض بـ 50 و60 دولار. خلال «منتدى المستقبل» الذي جرى اخيراً في الرباط ، ساندت مصر مبادرة «مؤسسة التمويل الدولية» المتعلقة بالمشاريع المتوسطة والصغيرة وتبنتها من منطلق ان لهذه المؤسسة مكانتها وتجربتنا معها كانت ناجحة.
* برأيك، ألا يعيق ارتفاع عدد السكان في مصر هكذا مشاريع؟ ـ ميزة مصر انها تتحمل التنوع في المشاريع، لدينا ما يزيد عن 80 بالمائة من المشاريع التي تندرج في خانة المشاريع الصغيرة. كما ولدينا مشاريع ضخمة في البتروكيماويات. وتضخ رساميل تتراوح ما بين 300 و700 مليون دولار في مشاريع الاسمدة. هناك مشاريع غزل ونسيج بعشرات ملايين الدولارات وتشغّل آلاف الايدي العاملة. وبذلك نرى انه لا نستطيع ان نتغاضى عن «الكبير» ونتمسك بـ «الصغير». باختصار لا توجد لدينا رفاهية الاختيار بين انواع المشاريع لأن السوق بحاجة لكل شيء ويتوجب علي كوزير استثمار اتاحة كل الفرص امام الناس وهي التي تختار.
* تشهد السوق العقارية في مختلف البلاد العربية فورة بفضل فائض السيولة، كيف تصف وضعها في مصر؟ ـ بعد تحليل هيكلية الاقتصاد المصري نجد ان الخدمات على مختلف انواعها، من السياحة والنقل بما في ذلك قناة السويس الى الخدمات المالية ، تساهم بنسبة 55% من نمو الاقتصاد. وقد شهدت السوق العقارية، خلال هذا العام، طفرة قوية، والسبب الاهم فائض السيولة. والاستثمارات التي تصب في هذا القطاع تأتي من الخليجيين والمصريين في الداخل والخارج. كما انها تشمل مختلف المدن المصرية. وهذا ما دفعنا الى تعديل بعض قوانين التملك. بالأمس كان يحق للعربي شراء عقارين أما اليوم فما من عدد محدد. كما كان يشترط عليه ان يحتفظ بالعقار خمس سنوات ثم يحق له التصرف به. اليوم له حرية التصرف منذ شرائه للعقار.
*تعتبر ان الاقتصاد المصري قائم على الخدمات؟ ـ تشكل الخدمات مدخولاً للناتج المحلي يفوق 55 بالمائة. ويشكل قطاع الصناعات التمويلية والنفط حوالي 26% من مدخول الناتج المحلي. ويحتل قطاع الزراعة نسبة 24%، ويجب التركيز على المجالات التي لنا فيها قدرة على المنافسة.
* تعتبر السياحة بمثابة العمود الفقري لمصر، لكن النجاح في هذا المجال يتطلب تنسيقاً ما بين وزارة النقل ووزارة الداخلية والخطوط الجوية، الى اي مدى زاد التنسيق لانماء السياحة؟
ـ اؤكد على ضرورة التنسيق في السياحة وهناك بعض الخطوات الايجابية في التنسيق ما بين وزارة السياحة ووزارة الطيران المدني. وأحب ان اشير الى ميزة التنوع السياحي في مصر. إذ ان متوسط الايام التي يقضيها السائح في مصر تفوق الايام التي يقضيها في دول المنطقة. اذ يتراوح متوسط الإقامة ـ خلال السنتين الاخيرتين ـ ما بين 11 و13 ليلة.
*ما هو نمو معدل الاستثمار خلال السنتين الماضيتين؟ ـ سجلت السنة الماضية، النسبة الأكثر انخفاضاً في معدلات الاستثمار سواء المحلية او الاجنبية والسبب ملقى على عاتق الحكومة. لكن في الآونة الاخيرة لو وظّفت 100 جنيه في البورصة المصرية ستحصل بمقابلها على 126 جنيه. خلال الخمسة شهور الماضية سجلت البورصة نمواً بنسبة 56 بالمائة. وقد ذكرت مجلة «ايكونومست» انه منذ يناير (كانون الثاني) وحتى اليوم سجلت البورصة نمواً بنسبة 96 بالمائة في ما يتعلق بالجنيه و93 بالمائة في ما يتعلق بالدولار. وهذه مؤشرات ايجابية ناتجة عن التغييرات الحاصلة.