وفاة الشاعر محمد الحلوي آخر قمم الكلاسيكية الشعرية في المغرب

TT

فقد المغرب آخر قممه الشعرية الكلاسيكية، في شخص محمد الحلوي، الذي غيبته المنية في مدينة تطوان (شمال المغرب) يوم أمس عن عمر ناهز 82 عاما، إذ ولد الراحل في مدينة فاس عام 1922، التي درس بجامعتها «القرويين» حيث نال منها شهادة العالمية عام 1947 التي أهلته ليمارس التدريس في المعاهد الثانوية الى جانب نشاطه الأدبي والسياسي ضد المستعمر الفرنسي مما عرضه للاعتقال بفاس عام 1944، وهي ذات السنة التي تقدم فيها الوطنيون المغاربة بعريضة الاستقلال في 11 يناير (كانون الثاني) والتي تضمنت المطالبة بجملة اصلاحات سياسية في مقدمتها استقلال البلاد عن الحماية الفرنسية.

وانتقل الحلوي في أواخر الستينات الى مدينة تطوان، ليمارس نفس المهمة التربوية، وآثر البقاء بها بعد تقاعده عن العمل.

وظل اسم محمد الحلوي، صوتا مألوفا على الأذن المغربية طوال العقود التي شهدت نضجه الأدبي واكتمال الأدوات الشعرية عنده. ويجمع كل الدارسين الذين واكبوا تطور القصيدة المغربية، على اعتباره أحد قمم الكلاسيكية الشعرية العربية.

وعلى الرغم من إخلاصه لروح القصيدة التقليدية معنى ومبنى، فان الشاعر الحلوي مارس تجديده الخاص به في إطارها، من خلال اهتمامه بالصياغة اللغوية لقصائده، وتخير البحور المناسبة للأغراض التي طرقها، ويمكن اعتباره في هذا المجال، امتدادا لمدرسة البعث والإحياء التي ظهرت في المشرق العربي على أيدي روادها الكبار مثل محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، وهو الاتجاه الشعري الذي لامس الاتجاه الرومانسي الوافد من الغرب مع اطلالة القرن الماضي، لكنه ظل متحصنا في قلاعه الكلاسيكية بالمفهوم الخاص لهذا الاتجاه الأدبي في الشعرية العربية.

والمستحضر، لمجمل إنتاج الشاعر في مختلف مراحله، تطالعه الحقيقة الأدبية المتمثلة في تجاور الشكلين الرومانسي والكلاسيكي في القصيدة الحلوية. وبهذا المعنى، يمكن اعتباره شاعرا «مخضرما» بين فترتين شعريتين تعايشتا في وجدانه وذهنه.

ظل الشاعر، الى آخر أيامه، مواظبا على موافاة صحيفة «العلم» المغربية، بالقصائد التي ينظمها في مختلف المناسبات الوطنية والدينية، كما لم يبخل عليها بين الفينة والأخرى بنماذج في مواضيع أخرى كالأخوانيات والذاتيات. وفي كل النصوص، يحضر حرص الحلوي الشاعر، على انتقاء العبارة المموسقة المنسابة، والأخيلة المتجددة، ساعده على ذلك اطلاعه الواسع على علوم اللغة العربية التي دافع عن فصيحها، متصديا ومترصدا الأخطاء التي شابت اللسان العربي في المغرب، ومعتبرا العامية المغربية انحرافا عن الفصحى التي هي أصل الأصل.

لم ينشر الشاعر كل تراثه الشعري، وخاصة ذلك الذي لم تعد الذائقة الحديثة تستسيغه (المدائح والوطنيات) وأشهر ما صدر له ديوان «أنغام وأصداء» عام 1965 و«شموع». كما أن للشاعر الراحل محاولات في المسرح الشعري، سار فيها على نهج من سبقوه في هذا الميدان أمثال المصريين عزيز أباظة ومحمود حسن إسماعيل.