الحكومة التركية تقرر تعويم الليرة والأزمة المالية تدخل منعطفا خطيرا

البنك الدولي يؤيد قرار التعويم والحكومة تؤكد تصميمها على المضي بالبرنامج الاقتصادي

TT

اقدمت تركيا أمس على خطوة مالية ذات ابعاد غير معروفة على مستقبل الاقتصاد المحلي والاوروبي وربما ستكون لها تأثيرات عالمية اعمق، فقد تخلت تركيا عن نظامها لاسعار الصرف الثابتة التي وضعها منذ نهاية 1999 البنك المركزي في اطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي للتصدي للتضخم المزمن وقررت تعويم عملتها. وجاء في بيان اصدره مكتب رئيس الوزراء وبثته شبكة ان. تي. في التلفزيونية «بسبب التطورات الاخيرة، فان سعرالصرف يمكن ان يتقلب من الان فصاعدا». واضاف البيان الذي صدر في ختام اجتماع طارئ استمر 13 ساعة برئاسة رئيس الوزراء بولنت اجاويد ان «الحكومة مصممة على التقيد الدقيق بالبرنامج الاقتصادي». واضاف البيان ان «الاصلاحات الهيكلية ستستمر كما في السباق وسيتم اتخاذ كافة التدابير اللازمة بسرعة بهدف خصخصة شركتي الخطوط الجوية التركية والاتصالات». وكان صندوق النقد الدولي اعتبر خصخصة الشركتين من اولويات مكافحة التضخم. وكان تثبيت سعر الصرف يشكل عنصرا اساسيا في اتفاق مع صندوق النقد الدولي يتضمن تقديم مساعدة بقيمة 4 مليارات دولار على ثلاث سنوات. وسيؤدي وقف العمل باسعار الصرف الثابتة الى تخفيض سعر صرف الليرة التركية. وحضر الاجتماع الطارئ حاكم المصرف المركزي غازي ارشل ومسؤولون اقتصاديون. ويأتي القرار اثر ازمة نقدية نجمت عن نشوب جدال بين الرئيس احمد سيزر واجاويد المختلفين حول مكافحة الفساد. وادى الخلاف الى فقدان الثقة في الاسواق وتراجع البورصة في وقت خرجت منه تركيا بالكاد من ازمة مالية في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). ولمست الاسواق ازمة سيولة مجددا في حين بلغ سعر الفائدة ليوم واحد أول من أمس 4 في المائة وتراجعت بورصة اسطنبول باكثر من 18في المائة. وضغطت الازمة على نظام اسعار الصرف الثابتة الذي اعتمد في 1999. لكن المؤشر الاكثر وضوحا بدا على الليرة اذ وفور اعلان البيان فقدت الليرة التركية 21.7 في المائة من قيمتها قياسا الى الدولار الاميركي بحيث تم تبادلها بمعدل 880 ألف ليرة تركية للدولار مقابل 689 ألف ليرة الأمس عند افتتاح سوق الصرف. اما بورصة اسطنبول فسجلت ارتفاعا بنسبة 10.6 في المائة لدى اقفال الجلسة الاولى بعد التدهور التاريخي بنسبة 18.1 في المائة أول من امس. واقفلت البورصة في اول جلسة لها مسجلة 7945 نقطة اي بارتفاع 765 نقطة. واعرب صندوق النقد الدولي في الحال عن استحسانه قرار تركيا بالتخلي عن نظام سعر الصرف المتدرج للعملة وتعويم الليرة وذلك في سعيها الي حل احدث أزمة مالية تعصف بالبلاد، حيث قال عضو مجلس الادارة المنتدب لصندوق النقد الدولي هورست كولر في بيان صدر في وقت متأخر يوم الاربعاء «يساند صندوق النقد الدولي قرار السلطات التركية بتعويم الليرة. ونحن نتطلع الى الامام فاننا نرحب باهداف الحكومة التركية لمواصلة خفض التضخم وضمان معدل نمو مستديم». وجاء قرار انقرة بعد اسابيع من مضاعفة صندوق النقد الدولي قروضه الى انقرة الى 11 مليار دولار في اعقاب ازمة مالية جديدة. واعلنت تركيا في الوقت نفسه تمسكها بسياسة التصدي للتضخم. في حين قال البنك المركزي التركي أمس انه سينتهج سياسية نقدية مشددة لمتابعة خطط خفض التضخم التي هددتها الازمة المالية مما دفع البنك الى تعويم العملة التركية. وقال مسؤولون اتراك في وقت سابق من امس انهم سيسمحون بتعويم الليرة بحرية عندما تفتح البنوك ابوابها وذلك عقب الازمة المالية التي عصفت باسواق البلاد بعد خلاف علني بين رئيس الوزراء والرئيس. وقال البنك المركزي في بيان انه سيلعب دورا نشطا لتوفير ظروف ملائمة للاسواق في تركيا حيث وصلت اسعار الفائدة الرئيسية على القروض الى 5000 بالمائة في الايام الاخيرة وسط تهافت على شراء الدولارات. واضاف البنك ان شرائح قروض مشروطة من صندوق النقد الدولي باجمالي11.5 مليار دولار ستواصل التدفق على البلاد كالمعتاد. ومن جهة اخرى يبدو الائتلاف الحكومي الحالي في مهب الريح بانتظار ماستؤول اليه الاوضاع عقب هذه الخطوة فمن جهة الشارع التركي عبر مراسل وكالة «سي.ان.ان» للانباء عن قرار التعويم وانعكاساته في الشارع التركي قائلا «انها بالتأكيد انباء لا تسر رجل الشارع التركي»، فيما عبر ائتلاف من اتحادات العمال ومجموعة ارباب العمل «ان وجود وزراء فاشلين بالاضافة الى بيروقراطية متفاقمة يشكل اهم اسباب تعثر سياسات الحكومة ومن الضروري ازاحتهم واستبدالهم بكفاءات قادرة على التعاطي مع الازمة المالية». وفي الحقيقة فان الحكومة الحالية امام عبء متفاقم جراء تزايد ديونها الخارجية وبالاخص التجارية، وفي حديث لصحيفة الفايناشيال تايمز اللندنية أمس وصف محلل مالي غربي تلك الديون والموقف اجمالا بالقول «اذا استمر الموقف الاقتصادي بالمراوحة على هذا المنوال فلا احد يعلم ماذا سيكون مصير الائتلاف الحاكم» في وقت تبلغ فيه الديون التركية الخارجية حوالي 110 مليارات دولار اميركي 70 في المائة منها تجارية منها 54 مليار دولار قروضا من القطاع الخاص الاوروبي.