عبد الغني الدلي: ديمقراطية العهد الملكي كانت تسمح بفوز السنة في مدن شيعية والعرب في مدن كردية

برلماني ووزير عراقي سابق يحث على المشاركة في الانتخابات على أسس وطنية

TT

بذاكرة حية تحفظ كل شيء تحدث عبد الغني الدلي وزير الزراعة الأسبق وعضو مجلس النواب (البرلمان) العراقي للأعوام 1950 و1952 و1954، عن أسس الترشيح للانتخابات والوصول إلى البرلمان.

وقال الدلي لـ«الشرق الأوسط» إن النواب لم يترشحوا على أسس طائفية أو قومية بل على أساس معرفتهم من قبل الناخبين. وعلى هذا الأساس كان هناك مرشحون سنة يفوزون في مدن شيعية ومرشحون عرب يفوزون في مدن كردية.

وأشار إلى أن آخر رئيس حكومة في العهد الملكي كان كرديا ورئيس البرلمان شيعيا ورئيس مجلس الأعيان سنيا وكان هناك 5 نواب ممثلين ليهود العراق.

* ما هي آخر انتخابات نيابية شاركت بها في العهد الملكي؟

ـ آخر انتخابات نيابية في العراق كانت 1954، وكانت على أساس المناطق حيث كان العراقي مقسما انتخابيا إلى عدة دوائر، ولكل 30 ألف نسمة ينتخب نائب.

* كيف كانت تجري عملية الترشيح؟

ـ كان المرشح يسجل اسمه لدى وزارة الداخلية أو المتصرف (المحافظ).

* هل كانت تجري الانتخابات في جولة واحدة؟

ـ سابقا كانت الانتخابات تجري على درجتين حيث يتم انتخاب ممثلين وهؤلاء ينتخبون النواب، وألغي هذا القرار عام 1952 وصارت الانتخابات مباشرة، أي أن يتم الاقتراع على النواب مباشرة، وكل شخص يرشح نفسه يجب أن يحصل على 30 ألف صوت، ومن كل محافظة يترشح عدد من النواب حسب نسبة سكان اللواء (المحافظة) فبعضها يفوز عنها خمسة نواب أو أكثر أو أقل.

* ما هي مميزات تلك الانتخابات؟

ـ أهم مميزاتها هي أن الناخبين يعرفون النائب الذي ينتخبونه كونه من منطقتهم، وهو نائب واحد يكون قريبا منهم وبإمكانهم التحدث معه وتقديم شكاواهم اليه.

* وكيف تقارن ذلك النظام الانتخابي بالنظام الانتخابي الموجود حاليا في العراق؟

ـ النظام الحالي لا يقيم صلة بين الناخب والمنتخب كونه ينتخب قائمة وليس أشخاصا. وقد يكون الشخص الذي يريد انتخابه ضمن القائمة لكنه لا يضمن وصوله الى البرلمان وربما يصل آخرون في القائمة، فالتصويت للقائمة وليس للمرشح.

* كم كان عدد النواب؟

ـ أعتقد 141 عضوا.

* وكم انتخابات خضتها أنت؟

ـ أنا رشحت وفزت في ثلاثة انتخابات، خلال الأعوام 1950، و1952 و1954 .

* هل كانت كل عامين؟

ـ لا كانت كل 4 سنوات، ولكن صادف أن حل المجلس عام 1952 واجريت انتخابات جديدة.

* ما هي الطريقة التي كان يحل بها المجلس؟

ـ إذا طلب رئيس الوزراء حل المجلس وحصل على موافقة الملك، فيمكن حل المجلس قبل نهاية مدته، وهناك بعض المجالس لم تكمل الأربع سنوات.

* هل كانت لرئيس الوزراء سلطة مطلقة في حل المجلس؟

ـ إذا شعر رئيس الوزراء بأن المجلس غير متعاون معه، فإما ان يستقيل أو يطالب بحل المجلس، ففي بعض الحالات يستقيل، بينما في حالات أخرى يلجأ إلى الملك لطلب موافقته بحل المجلس باعتبار انه يصعب إدارة الأمور في ظل خلافات بين رئيس الحكومة والمجلس المنتخب. لهذا يدرس الملك الطلب جيدا وعادة ما يقترح الصلح بين الطرفين، ويوافق إذا اقتنع بأسباب حل المجلس، لكنه غالبا ما يسعى إلى عدم الحل، ويجب أن تتوفر ظروف قاهرة وعديدة تدفع باتجاه الموافقة حتى لا تكون هناك انتخابات أخرى، فهذا يكلف الدولة اموالا وجهدا اضافيا.

* كم يوما كانت تستغرق الانتخابات؟

ـ أعتقد التحضيرات كانت تمتد لشهر حيث تعلن أسماء المرشحين وتسجل أسماء الناخبين، وتجرى خلال يوم واحد بعد 30 يوما من حل المجلس السابق.

* ما هو هامش الديمقراطية في تلك الانتخابات؟

ـ هذا يعتمد على المناطق، ففي بغداد كان هامش الديمقراطية كبيرا، كونها العاصمة والناس مطلعون على الأمور وهناك صحافة ومثقفون، وهناك نشاط سياسي، ولم تكن الحكومة قادرة على التأثير على التصويت. أما خارج بغداد فتتحكم العلاقات العشائرية ومصالح العشائر مع الحكومة، لهذا يمكن التأثير على سير الانتخابات هناك، وهو تأثير غير مباشر، يعني لم يكن أحد يأتي ليقول للناخب انتخب فلانا، ولكن رؤساء العشائر وبسبب ارتباط مصالحهم بالدولة، يسألون المتصرف (المحافظ) عن توجهات الدولة ومن هم مرشحوها.

* ما هي نسبة التزوير في تلك الانتخابات؟

ـ مسألة التزوير كان من الصعب إثباتها ومع ذلك كانت هناك اتهامات بالتزوير، فبعد كل انتخابات كانت تشكل لجنة «مضابط المنتخبين» وهي موجودة في كل محافظة، حيث تصادق على نتائج الانتخابات وترفع تقاريرها إلى المركز. واذا كان هناك اعتراض أو شكوى بالتزوير يتم تقديمه الى هذه اللجنة التي تحقق في الموضوع لتتأكد من الحقيقة. وأنا شخصيا كنت عضوا في بعض لجان هذه المضابط، وجاء من يشتكي من وجود تزوير في بعض المناطق وحققنا لكننا لم نكتشف أي شيء، لكن الكلام كان كثيرا من قبل الأشخاص الذين لم يفوزوا بالانتخابات مثل «الحكومة ساعدت فلانا» و«فلان زيف الانتخابات» وهكذا، لكن لم يثبت أي شيء ولم تتوفر أية أدلة قطعية تبرهن هذا الكلام.

* ماذا كانت مهماتك في البرلمان؟

ـ كان المعروف عني انني أتصدى وأدافع عن حقوق سكان الأرياف والمناطق التي خارج بغداد، والدعوة إلى شق الطرق وتعبيدها وبناء المدارس والمراكز الصحية. مثلا أنا سعيت إلى تعبيد الطريق الذي يربط بين سوق الشيوخ ومركز محافظة الناصرية (25 كيلومترا) حيث كانت السيارات تغوص في الطين وقت الأمطار. كما سعيت لإنجاز مشاريع ري تفيد المزارعين، وقد أنشأت إدارة ري في اللواء (المحافظة). وكنت أحصل على تقدير سكان هذه المناطق وزملائي النواب الذين كان ينشغل غالبيتهم بمشاكل خارجية وبمشاكل الوزراء.

* هل كان هناك نسب للشيعة والأكراد والسنة في مجلس النواب؟

ـ كلا، على الإطلاق، كانت هذه المسائل محلولة عن طريق الانتخابات، فمن كل محافظة يترشح عدد من النواب وحسب عدد سكان المحافظة، وقد يترشح من المحافظات الشيعية نائب سني، مثلما حصل مع منافسي في سوق الشيوخ الذي خسر ليس بسبب انه كان سنيا بل لأنه لم يكن معروفا، وقد يترشح مع نواب المحافظات الكردية عربي، فهذه الترشيحات كانت تسير على أساس جغرافي بحت وليس على أسس طائفية أو قومية، فعن محافظة الناصرية المعروفة بأنها شيعية كان دائما يفوز مع نوابها شخص سني من عشائر السعدون المعروفة هناك وكانت لهم مكانة، لكن لا أحد ينظر اليه بهذه النظرة كونه وصل الى البرلمان عن طريق صناديق الاقتراع.

* ألم تكن أنت مرشحا على أساس كونك شيعيا؟

ـ لا، على أساس أن الناس يعرفونني.

* هل كان ليهود العراق ممثلون في مجلس النواب؟

ـ الدستور العراقي لسنة 1925 أعطى حصصا للأقليات في مجلس النواب، وكان للأقلية المسيحية 4 نواب، وللأقلية اليهودية 5 نواب.

* هل كانت هناك تكتلات على أسس طائفية أو قومية داخل مجلس النواب؟

ـ لا، أبدا. كان النواب يقفون مع القرارات الصائبة وضد القرارات التي يعتقدون انها ضد الشعب. وأضرب لك مثلا في وزارة الجمالي، وهو شيعي، وكانت الأكثرية في المجلس شيعية، وهذه الأغلبية كانت تقف مع نوري سعيد باشا وهو سني ضد وزارة الجمالي، بينما يفترض أن تناصره كونه شيعيا، لكن مثل هذه الاعتبارات لم تكن سائدة وقتذاك.

* وماذا عن رؤساء مجلس النواب هل كانوا من السنة ام من الشيعة؟

ـ كان هناك اتفاق غير مبرم لكنه معمول به، على الأكثر، إذا صار رئيس مجلس النواب شيعيا فرئيس مجلس الأعيان يكون سنيا والعكس صحيح، ونائب رئيس البرلمان كردي وسني أو شيعي حسب الرئيس.

* هل كان مجلس النواب يثير المشاكل مع الملك؟

ـ لا، لم تكن هناك مشاكل، ولكن أيام الملك فيصل الأول حدثت مشكلة بينه وبين المجلس التأسيسي عندما طلب باقر الشبيبي، عضو المجلس، تخفيض راتب الملك.

* كم كان راتب الملك؟

- 20 ألف دينار سنويا.

* وأنت كوزير، كم كان راتبك؟

ـ 150 دينارا شهريا.

* وأنت تتابع أخبار الانتخابات العراقية التي ستجري نهاية الشهر الحالي، ما هو شعورك؟

ـ أدعو جميع العراقيين للمشاركة في هذه الانتخابات التي أرجو أن تجرى في موعدها، وأن تتفق الأطراف كافة على حل المشاكل. كل ما أرجوه هو أن تتفق الأطراف الحكومية والأهلية على المشاركة في الانتخابات وفق أسس وطنية وليست طائفية أو عرقية.