سعد الدين العثماني : المعطيات العلمية متحركة وتجب مواكبتها بتطوير الرأي الفقهي

عضو لجنة الأخلاقيات الطبية المغربية: الإسلام أول من وضع أسسا للأخلاقيات الطبية

TT

شارك وفد من العلماء والأطباء المغاربة في المؤتمر العالمي الثامن للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الذي انعقد في القاهرة أخيرا، وناقش وضع مسودة لمشروع إصدار «الدستور الإسلامي للأخلاقيات الطبية».

«الشرق الأوسط» التقت الدكتور سعد الدين العثماني، عضو لجنة الأخلاقيات الطبية بالمغرب، وأحد المشاركين في المؤتمر الذي طالب في هذا الحوار بضرورة دمج مادة الأخلاقيات الطبية في مختلف كليات الطب في العالم الإسلامي.

وعن أهمية هذا الملتقى الإسلامي والنتائج التي توصل إليها، قال العثماني، الذي يتولى أمانة حزب العدالة والتنمية (معارضة): هذا المؤتمر مبادرة مهمة ورائدة، لأنه جمع حوالي مائتي مفكر وعالم وطبيب من جميع أنحاء العالم الإسلامي والغربي. ويتم تنظيمه بالاشتراك بين مؤسسات خمس هي: المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ومنظمة الصحة العالمية، وشبكة جامعة «عجمان» Cioms ، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، والمجلس العالمي للمنظمات الطبية للعلوم والتقنية. اجتمعت كلها لتدارس عطاء الإسلام في مجال الأخلاقيات الطبية. وتم ذلك وفق ثلاثة محاور:الأول: يهتم بصياغة وثيقة إسلامية لأخلاقيات الطب والصحة. والمحور الثاني: يركز على القواعد الإرشادية الأخلاقية العالمية للأبحاث الطبية الحيوية المتعلقة بالجوانب الإنسانية ودراستها في ضوء مبادئ وإحكام الشريعة الإسلامية.

والمحور الثالث يتعلق بأهم الإشكاليات والقضايا الطبية المستحدثة، وموقف الشريعة منها في ضوء آراء واجتهادات العلماء، التي كانت موضوع ندوات ودراسات سابقة من قبل المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.

والمفيد جدا في هذا المؤتمر أن العقل الإسلامي تزود بآخر معطيات العقل البشري لدمج الرؤيتين الشرعية والعلمية الموضوعية في انسجام وتناغم تامين. وهذا ينبني على مسلمة أن هذه القيم قيم مشتركة بين الأديان والحضارات والثقافات. وقد أكد القرآن الكريم أن مصدر الأديان وقيمها واحد، بل أكد أن الدين واحد، وإن اختلفت الشرائع، فقال تعالى: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى»، فالجميع لا يوافقون على الاستغلال والظلم ولا على الغش، ويعلون من شأن النزاهة والصدق وغيرهما. هذا من حيث المبدأ، ويبقى من الضروري الحرص على تطبيقها التطبيق السليم. واليوم عندما نرجع إلى أسس الأخلاقيات الطبية والطبية الحيوية في الوثائق الدولية، فإننا نجد منها الأمانة والجودة والتنظيم والمحاسبة وهي كلها قيم ينادي بها الإسلام. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»؟

ويضيف العثماني: نجد ضمن المبادئ الدولية للأبحاث الطبية الحيوية وصناعة الأدوية وتسويقها، مبادئ مثل احترام كرامة الإنسان واحترام إرادته ورضاه في كل التجارب على جسمه، واحترام التنافسية في التسويق وغيرها مما هو مبادئ مؤكد عليها في الإسلام. أليس الاحتكار الذي شدد الإسلام في تحريمه والمنع منه آفة خطيرة يشكو منها قطاع الأدوية في كثير من دول العالم. ومن بين الأمور التي يتفق الجميع ـ في الشرق والغرب ـ على استنكارها بيع الأعضاء البشرية لزرعها، فهذه متاجرة مرفوضة ستنجم عنها، في حالة التساهل معها، أحداث مفجعة يحاول فيها الأغنياء الاستيلاء على أعضاء الفقراء، الذين أثبتت الدراسات أنهم يزدادون بعدها فقرا. هذه كلها أمثلة لمبادئ يتفق عليها الجميع، لكن يبقى بعد ذلك ابتداع طرق تكييفها مع واقع كل مجتمع وطرق تنزيلها وطرق تنفيذها، وخصوصيات كل دين وثقافة، هذا ما تتداوله المنظمات الدولية في نقاش غني يجب أن يسهم فيه المسلمون بفعالية. وكما أن المسلمين يستفيدون من التطورات العالمية في مجال الأخلاقيات الطبية، فإن لهم ما يغنون به مسيرة البشرية في هذا المجال، سواء على المستوى النظري أو العملي.

* ما هي المواضيع التي كانت مثار اهتمام المشاركين في المؤتمر؟

ـ أهم ما ركز عليه المؤتمر هو موضوع الأخلاقيات الطبية. وهو موضوع يتزايد الاهتمام به في الأوساط العلمية، فالبشرية تشهد تطورات هائلة ومتسارعة في المجال الطبي، وتفتح آفاقا تشكل تحديا متزايدا للإنسان. وقد تزايدت خشية الأوساط العلمية والسياسية من استخدام ذلك للإضرار بالإنسان. والنقاش يحتدم عند كل فتح جديد، مثل ما يتعلق بالهندسة الوراثية والاستنساخ وغيرهما. كما أن السياسات الدوائية على مختلف مستوياتها، تطرح إشكاليات من قبيل استغلال الفقراء والضعفاء في التجارب العلمية وفي تسويق الأدوية. واليوم توجد في كل بلد غربي وفي أغلب الدول الإسلامية لجنة للأخلاقيات الطبية تتابع هذه القضايا بالدراسة وتحديد الرأي الأخلاقي المعتمد. ومن هنا فأهم أمر متجدد هو مواكبة التطور في الدراسات الأخلاقية، والاستفادة منه لتطوير النظر الأخلاقي الطبي إسلاميا أيضا. والهدف الأول هو وضع وثيقة يمكن أن تستخدم بصورة واضحة في البلدان الإسلامية من قبل المؤسسات المعنية، خصوصا لجان الأخلاقيات الطبية.

أما المستجدات الطبية فقد عرض في المحور الثالث المخصص لها حوالي عشرين موضوعا، أهمها: أطفال الأنابيب والبويضات الزائدة والبصمة الجينية واستمرار أجهزة الإنعاش، وما يسمى بموت الرحمة والاستنساخ وبنوك الجلود البشرية والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني وغيرها.

* ألا يثير غياب فتاوى فقهية من مرجع إسلامي موحد في قضايا طبية وعلمية، بلبلة في أوساط المسلمين؟

ـ الفتاوى الفقهية في هذا المجال متوفرة، والمجامع الفقهية التي ناقشت هذه المواضيع كثيرة، أهمها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. لكن المعطيات الواقعية متحركة وفيها الجديد باستمرار، وينبغي مواكبتها بالدراسة وتطوير الرأي الفقهي. والذي ينقص فعلا هو تدريس مادة الأخلاقيات الطبية في مختلف كليات الطب في العالم الإسلامي، فإن كان بعضها قد أقدم على ذلك، فإن كثيرا منها لا يزال محجما، لم يعط البحث الأخلاقي أهميته في تخصص موضوعة جسم الإنسان.

* هل هناك إحجام من علماء المسلمين عن الاجتهاد في قضايا مصيرية تتعلق بالطب وحياة الناس؟

ـ كان عمر بن عبد العزيز رضي الله، يقول: «يحدث للناس أقضية بقدر ما احدثوا من الفجور». وهكذا نقول، تتحدد الآراء في مجال الأخلاقيات بقدر ما وجد الجديد في الممارسة الطبية أو في البحث الطبي الحيوي، فالأخلاقيات الطبية والطبية الحيوية ليست مجرد مبادئ، بل تطبيق تلك المبادئ على قضايا. والقضايا تتجدد باستمرار، فوجب أن تجدد الاجتهادات والقوانين في هذا المجال لتكون قادرة على الإحاطة بمختلف الممارسات الصحية والطبية من دون أن تكون عائقاً للتطور والإبداع.

* هل ترون أن دور المنظمات الإسلامية والمجمعات الفقهية كاف في الوقت الحالي؟

ـ المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومجامع فقهية أخرى، ومعها العديد من الهيئات العلمية والطبية المحترمة، تقوم بجهد مشكور في هذا المجال، لكن توحيد الآراء الفقهية في كل شيء هل هو أمر مرغوب فيه؟ وهل هو ممكن؟ لا أرى ذلك، فالاتفاق في القضايا الكبرى أمر جيد، والسعي إليه عمل محمود، لكن الاختلاف الفقهي في ما عداها غنى وثروة وحرية وحيوية. كما أن الرغبة في توحيد جميع الآراء ليست رغبة واقعية، بل تنافي طبائع البشر.