«حياتك تبدأ بعد الأربعين»، عبارة يكثر تداولها من باب المجاملة ويأتي وقعها في معظم الأحيان سلبياً، وإن كان الهدف منها إيجابيا بحتا. فهذه المواساة المستهلكة موجعة في إيحائها وإن كانت غنية في مضمونها. وقد لا تزعج هذه العبارة إذا جاءت من صديق على بطاقة عيد ميلاد، لكن الحال مختلفة إذا وردت على لسان الزوجة الغالية. فأي رجل سيعتبر كلامها لعباً على الوتر الحساس ويساوره هاجس الضعف الجنسي ويمتلكَه شعور جامح بحاجة إلى إثبات رجوليته أكثر من أي وقت مضى.
قد يكون ذلك ما تغمز إليه شريكة العمر، وقد لا يكون، لكنه رجل شرقي والاعتقاد السائد في مجتمعاتنا بأن انخفاض القدرة الجنسية عند الرجل مرتبط بانحصار مرحلة الشباب والاندفاع، هو إلى حد ما، صحيح.
أبحاث وتقديرات < تشير الأبحاث إلى أن الضعف الجنسي يحدث لدى أكثر من نصف الرجال فوق سن الأربعين. كما تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 152 مليون رجل في العالم يعانون من قصور في عملية الانتصاب، وأنه من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد إلى أكثر من 322 مليون رجل بحلول عام 2025. وبالرغم من تفشي العجز الجنسي إلا أن تقدير الخبراء للرجال الخاضعين حاليا للعلاج لا يتعدى 15 ـ 20%.
ويبقى السؤال الأهم، هل يمكن أن تستمر علاقة زوجية ناجحة بدون جنس؟ أو هل من المعقول أن تنتهي علاقة زوجية ناجحة إلى الطلاق بسبب إصابة الزوج بالعجز الجنسي؟ في كلتا الحالتين يبدو الأمر محسوماً فالتفاهم والتوازن هما أساس الزواج الناجح والعلاقة الجنسية تجمع أو تفرق الزوجين، والتجاهل والتكتم لا يؤديان إلا إلى طريق مظلم كما أن التضحية والمكابرة تزيدان الأمر سوءا.
والآن وقد فرض تسويق عقاقير الضعف الجنسي في أسواقنا العربية حالة من الوعي الخجول حول هذا الموضوع الحساس والشائك، أصبح من الصعب معه التغاضي عن المشكلة وتجاهلها، فالرجل لن يرفض العلاج إذا ساندته الزوجة وعرفت كيف تناقشه بالأمر، والمرأة لن تصمت طويلاً وهي تعلم تماماً بأن المشكلة ليست مستعصية والحل بسيط، فيكفي زيارة لاستشارة طبيب عن الحل الأمثل والدواء المناسب. علاقة سليمة < ويأتي معززاً لكل هذا ما جاء في الندوة التي عقدتها شركة باير للعناية بالصحة قبل بضعة أيام بمدينة جدة بعنوان «العلاقة الزوجية السليمة في الإسلام» وقد تحدثت فيها الدكتورة هبة جمال قطب: دكتوراه في الطب الجنسي من جامعة مايمونيدس بولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية، وحاصلة على جائزة أحسن بحث على مستوى الأكاديمية الأميركية للطب الجنسي لسنة 2004، وتعتبر أول طبيبة مصرية وعربية متخصصة في الطب الجنسي والعلاقات الزوجية. وقد أشارت إلى أن الضعف الجنسي هو من المواضيع الحساسة والمعقدة والمدمرة أحياناً خصوصاً في مجتمعنا الشرقي المحافظ حيث يفرض الأمر الواقع نفسه ويستسلم الزوجان وتبدأ المعاناة في صمت ويتفاقم تأثيرها على العائلة يوماً بعد يوم لتنتهي في معظم الأحيان بالتفكك الأسري والطلاق. وأمام مكابرة الرجل وصمته تبرز أهمية الثقافة الجنسية ووعي الرجال والنساء على السواء لكسر حاجز الخوف والتعامل مع حالتهم بكل شجاعة وعقلانية وصراحة.
أسباب العجز الجنسي تؤكد الأبحاث أن 58% من حالات الضعف الجنسي تعود لأسباب عضوية في حين يعود 42% لأسباب نفسية، ومن أهم تلك الأسباب النفسية الإرهاق والقلق والاضطراب وكثرة الخلافات الزوجية. وتساهم هذه الأسباب في خلق حالة من الشك والخوف عند الرجل فيعتقد بأنه ضعيف وأنه سيفشل في علاقته الحميمية وهذا الاعتقاد يلعب دوراً سلبياً يؤدي إلى ضعف الأداء الجنسي فتنعدم الثقة بالنفس وتزيد خيبة الأمل. وكل هذه الأمور تشكل حلقات في سلسلة واحدة لا يمكن انتزاع حلقة واحدة منها إلا بقطعها.
وتوضح الدكتورة هبة قطب أن الأسباب العضوية للضعف الجنسي ترتبط إلى حد بعيد بالتقدم في السن، فبعد الأربعين تكثر المشاكل الصحية كارتفاع ضغط الدم والسمنة والسكري وزيادة معدل الكوليسترول في الدم وتصلب الشرايين الذكرية أو شريان الحوض وغيرها.
فإذا كان، على سبيل المثال، ضغط الدم مرتفعاً ونسبة السكر في الدم غير معتدلة قد يصاب الرجل بالضعف الجنسي. ومن الضروري في هذه الحالة السيطرة على هذه المشاكل الصحية بحسب ارشادات الطبيب لمنع حدوث ذلك. وفي بعض الأحيان يظهر فحص دم بسيط عدم توازن نسبة الهرمونات في جسمه ويكون ذلك سبباً للضعف الجنسي الذي يعاني منه.
ويتجاهل البعض الأسباب النفسية للعجز الجنسي، ويرى علماء النفس بأنها لا ترتبط بالتقدم بالسن، عند الرجال بشكل أساسي، إلا أنها الأكثر تأثيرا، خصوصاً في حال انعدام الثقافة الجنسية وعدم الدراية بالوظيفة الجنسية، فضلاً عن الإحباط والإكتئاب والقلق وعدم الثقة بالنفس والخوف من الفشل وغيرها.
وتعتبر هذه الأسباب الأكثر شيوعاً ويبرز من خلالها أهمية دور الزوجة في مساعدة شريكها، فتعاوُنُها عامل أساسي في شفائه، خاصةً إذا كان السبب نفسياً.
العقار المناسب < يفيد الأطباء المتمرسون في علاج الضعف الجنسي أن الاستجابة السريعة والفعالة للعلاج هي إحدى أهم المتطلبات التي يبحث عنها الرجال الذين يصابون بهذه الحالات، فاختيار العقار المناسب للمريض المناسب هو نقطة انطلاق أي علاج فعال بالنسبة للمريض والطبيب على حدّ سواء. والأطباء عادة يولون مرضاهم كل العناية ويوفرون لهم حرية اختيار العقار الذي يتناسب مع متطلباتهم الشخصية. ولكن هنالك مسلمات يجب أن نقر بها إذا ما تحدثنا عن الضعف الجنسي وهي أن يكون الدواء أمنا من جهة الأعراض الجانبية المنخفضة وأن يعمل بشكل سريع ويعطي المريض النتائج المرغوبة على المدى الطويل. ومن هنا تأتي إلزامية الدواء السريع والمضمون الذي يثبت من خلال الأبحاث أنه يعمل على شريحة كبيرة من الرجال ويؤمن لهم النتائج المطلوبة.
الجدير بالذكر، أنه مع التقدم في السن تزيد حاجة الرجل إلى المداعبات العاطفية، وامتناع الزوجة عن مبادلته الحب والمشاعر يؤثر سلباً على نجاح العلاقة الحميمية بينهما ويساهم في تفاقم حالة الضعف الجنسي لديه. وهذا ما حدا ببعض الشركات المنتجة لأدوية الضعف الجنسي أن تهتم بهذا العامل وتجعل دواءها يعتمد على تعاون المرأة الإيجابي في إثارة عواطف الرجل ومشاعره بدلاً من مواجهته بقلة رغبتها وفتورها ولا مبالاتها. وفي كل الأحوال تبقى الثقافة الجنسية المحور الأهم لنجاح هذه المعادلة، ففي غياب الوعي الجنسي تكبر الهوة بين الزوجين فيحاصرهما الصمت ويسكنهما اليأس.