مصر تحتفل بافتتاح «وكالة بازرعة» أجمل وكالات العصر العثماني وتحولها إلى مركز حرف تقليدية

TT

احتفل المجلس الأعلى للآثار في مصر يوم الأحد الماضي بافتتاح وكالة بازرعة، التي تعد واحدة من أشهر الوكالات الأثرية في مصر. وذلك بعد أعمال ترميم وصيانة استغرقت نحو ثلاث سنوات وتكلفت حوالي 5 ملايين جنيه.

تقع الوكالة بمنطقة الجمالية، في حي الأزهر الشهير. وتقرر تحويلها إلى مركز دولي للحرف التقليدية والفنية، بجانب استضافة مجموعة من الفنانين العالميين المتميزين في هذا المجال لعقد ورش عمل معهم والاستفادة من خبرتهم الفنية، علاوة على منح جوائز مالية للأعمال المتميزة في هذا المجال.

عبد الله العطار، رئيس قطاع الآثار الاسلامية بالمجلس، قال لـ«الشرق الاوسط» ان الترميم تضمن ترميماً معمارياً دقيقاً للجدران والحوائط. وشمل تنظيف جميع الأخشاب «الأرابيسك» من مشربيات ونوافذ وأبواب، ودهنها بمواد تحافظ على طبيعة الخشب ولا تؤثر في طبيعته الأثرية، وتغيير بلاط البانكات التي تآكلت بفعل الزمن، وتزويد الوكالة بنظم انارة على أعلى مستوى.

فندق للتجار الوكالة، أو الفندق، أو الخان، أسماء أطلقت على هذا النوع من المباني التي أنشئت منذ بداية العصر الفاطمي في القرن 4 الهجري، واستمر تشييدها إلى نهاية العصر العثماني في القرن 12 الهجري. فإذ ذاك حيث شهدت كل من مصر وبلاد الشام بناء العديد من الوكالات التي خصصت لأغراض التجارة من بيع السلع وتخزينها وعقد الصفقات التجارية بالإضافة إلى توفير طوابق سكنية معدة لسكنى التجار الأجانب الذين يفدون من الشرق والغرب. وفي كثير من الاحيان كان يملك الوكالة -او الخان- تاجر بارز تعرف الوكالة باسمه.

وشهد العصر المملوكي الجركسي -اي عصر المماليك البرجيون-، بداية من القرن التاسع إلى بداية العاشر الهجري، تطوراً كبيراً في عمارة الوكالات. ومن اشهرها على الاطلاق وكالة الغوري في القاهرة، التي تعد من أشهر وأجمل الوكالات التي بنيت في بداية القرن العاشر الهجري. ازداد ابان العصر العثماني الاهتمام بما يسمى «العمارة التجارية» فبلغ عدد الوكالات التي شيدت في مصر خلال العصر العثماني 10 وكالات.

منها وكالة بازرعة.

هذه الوكالة، التي تعد بحق من أجمل مثيلاتها التي بنيت في مصر في فترة الحكم العثماني، وهي نموذج فريد لعمارة هذا النوع من الابنية، شيدت في القرن 11 الهجري ( 17الميلادي). وهي تقع بشارع التمبكشية في حي الجمالية بالقاهرة التاريخية. وعرفت وكالة بازرعة سابقاً بوكالة الكيخيا، نسبة إلى حسن كتخدا الملقب بـ"الكيخيا"، وكانت معدة لبيع الأخشاب. وظلت معروفة بهذا الاسم حتى أواخر القرن التاسع عشر، حين اشتراها محمد بازرعة وهو تاجر من أصل حضرمي. ثم أطلق عليها اسم "وكالة بازرعة" وخصصها لبيع الصابون النابلسي والبن اليمني.

عمارة الوكالة وضع تخطيط وكالة بازرعة على أساس التخطيط للداخل، بحيث تنتظم عناصر والوكالة ووحداتها حول فناء او صحن مستطيل مكشوف وذلك تبعاً للنمط الذي كان سائداً في العصر المملوكي. وتتكون الوكالة من جزءين: الأول تجاري يضم حواصل تنتظم حول الصحن بالطابقين الأرضي والأول، بالاضافة إلى المحلات التجارية التي تطل على الواجهة الرئيسية للوكالة في شارع التمبكشية بالطابق الأرضي.

أما الجزء الثاني فهو جناح سكني يتكون من طابقين أعلى الحواصل، وتتكون كل وحدة سكنية من طابق أول فيه مدخل ودورة مياه ومطبخ صغير وسلم وقاعة استقبال ومعيشة بارتفاع طابقين.

وللوكالة مدخلان: الأول، رئيسي يؤدي إلى فناء الوكالة، والثاني مدخل خاص يؤدي إلى الوحدات السكنية العلوية ولا يتصل بالصحن. إذ يُصعد من خلاله إلى الأدوار السكنية مباشرة وفي ذلك مراعاة للخصوصية وفصل حركة التجارة عن حركة النزلاء. هذا ويقع المدخلان على واجهة الوكالة الشمالية، أما بقية واجهات الوكالة فملاصقة لمبانٍ مجاورة. اما أهم ما يميز الواجهة الرئيسية للوكالة فكتلة المدخل، التي يبلغ اتساعها حوالي 5.40م ويتوجها عقد موتور «نصف دائري» مكون من صنجات حجرية. ويتصدر كتلة المدخل فتحة تضم الباب الرئيسي المكون من ضلفتين (درفتين) خشبيتين خاليتين من الزخارف. ويحيط بكتلة المدخل والباب الرئيسي «جفت لاعب»، وهو نوع من الزخرفة انتشر في العصر المملوكي والعثماني باستخدام حرف «الميم» بطريقة هندسية، وهنا نجدها وقد شكلت ميمات سداسية.

ويبلغ طول صحن الوكالة 27.65م وعرضه 10.75م، اما جدرانه الأربعة فعبارة عن بائكات، كل بائكة مكونة من صفين من العقود يعلو كل منهما الآخر، وتحمل هذه البوائك دعامات حجرية مربعة تمثل واجهة الممر الذي يتقدم الحواصل الموجودة بالصحن بالطابق الأرضي والأول. ويوجد فوق حواصل الدور الأول رفرف خشبي مزخرف في واجهته بزخارف نباتيه. وهذا الزخرف محمول على كوابيل خشبية.

أما الاجزاء السكنية وملحقاتها فتطل على الصحن عن طريق فتحات نوافذ يغلق على كل فتحة، إما شباك حجاب من الخشب الخرط أو مشربية خشبية من الخشب الخرط ويحمل كل مشربية مجموعة من الكوابيل الخشبية. وقد استخدمت الأحجار القوية في بناء الدور الأرضي والأولى للوكالة كحوائط حاملة، أما باقي الوكالة فبني من الآجر الأحمر (الطوب او القرميد الاحمر) وغطي بطبقة من الجير (الكلس). كما استعمل في واجهة الوكالة وواجهة الطابق الأرضي والأول من الداخل التشكيل اللوني «المشهر» وهو استخدام اللونين الأصفر والأسود في طلاء الحجر وهو نوع من الزخرفة استخدم منذ بداية العصر المملوكي.

=