«شانيلي تي في» الاستثناء الجيد الوحيد في برامج الفكاهة في رمضان

ما زال البحث جاريا عن الكوميديا في المغرب

TT

لعل الفنان الكوميدي المغربي حسن الفد، هو الوحيد الذي أذاق المغاربة طعم الفكاهة هذا العام، والنجاح الذي لقيته سلسلته الكوميدية «شانيلي تي في»، التي تبث على القناة التلفزيونية الأولى خلال شهر رمضان، لم يأت بمحض الصدفة، وليس هذا غريبا على الفد، الذي عود المغاربة على تقديم أعمال في مستوى تطلعاتهم بفضل جديته وعمقه الفني.

ورغم اعتماد الفد على الفكرة نفسها، وهي السخرية من التلفزيون، باعتباره الأقرب إلى هموم الناس، أو على الأقل يفترض فيه ذلك، ومن المواقف التي نعيشها يوميا، فإن العمل التلفزيوني «شانيلي تي في»، استطاع الفد من خلاله أن يثبت جدارته كفنان كوميدي، يستطيع أن يقدم الفكاهة وليس شيئا آخر.

والشيء الآخر ليس سوى ذلك المسخ العجيب، الذي لا طعم له والذي تصر القنوات التلفزيونية المغربية فرضه على المشاهد كل عام، وتسميه اعتباطا مسلسلات كوميدية أو هزلية، بيد أنه لا شيء فيها يعني ذلك، غير تلك الضحكات الاصطناعية المسجلة، التي ترافق العمل في كل حركة وكل سكنة، حتى لو كان المشهد دراميا. العمل التلفزيوني «شانيلي تي في» وبخلاف أغلب الأعمال الكوميدية المقدمة، والتي يسود أجواءها قدر كبير من الابتذال، هو فكاهة ذهنية تعتمد على اللعب بالألفاظ وتكوين التوقعات ثم كسرها بعيدا عن أسلوب التهريج والتحامق، ولعل الحلقات التي عرضت لحد الآن من هذه السلسلة، تؤكد وبحق، وجود عمل كوميدي يتوفر على عمق وفريق عمل نجح في تحويل هذه الكتابة إلى عمل متكامل ومتقن.

اختار الفد كعادته أن يكون بسيطا في تناوله وصادقا وغير متكلف، ولعل هذا الصدق هو الذي كان مفتاح وصوله إلى قلوب الناس. «شانيلي تي في» استطاع أن يجذب المشاهد ويحظى بالمتابعة وبالإعجاب، وهو أمر ليس سهل المنال، لأنه لم يكن وليد آخر لحظة، ولأن مادته الفنية لم تعد كما اتفق، وفي آخر لحظة كما يبدو في باقي الأعمال بل جاء بعد دراسة عميقة للشخصيات وللفكرة والمجهود المبذول في العمل غني عن التوضيح.

ولعل نجاح الفد في انتزاع الضحكة من المغاربة، بعد أن كانوا نسوا طعمها من الإحباط، الذي سببته وتسببه الأعمال المقدمة، التي تذهب معها مبالغ مالية طائلة سدى، يعيد الاعتبار للفن الجيد وللفنان الجاد والشامل، الذي يحترم فنه وجمهوره، ولا يبخل على عمله بالجهد في سبيل إتقان أدق التفاصيل، وهي التفاصيل نفسها التي يهملها الآخرون، مع أنها هي التي تكمل ملامح العمل وتعطيه تلك الحلاوة تماما مثل الملح في الطعام، ولعل الفد أدرك سر الاهتمام بالتفاصيل وحرص عليه.

كما أن الاختيار الموفق للممثلين، الذين رافقوا حسن الفد خلال هذه الرحلة الرمضانية أضفى على العمل مزيدا من التميز.

أما ما عدا «شانيلي تي في»، فيدخل في إطار صناعة تلفزيونية جديدة، جاءت مع فورة هذا الكم الإنتاجي التلفزيوني، الذي ارتفع نسبيا في السنوات الأخيرة والذي استبشر به المغاربة خيرا، لما توقع له من فرز لصناعة تلفزيونية مغربية حقيقية. بيد أن ازدياد الكم الإنتاجي، خصوصا في رمضان أفرز ظواهر سلبية مختلفة، السمة الغالبة فيها الإنتاج السريع المرتجل.

إصرار القنوات التلفزيونية على تبني وتقديم هذا النوع من الأعمال، التي لا هوية ثقافية أو فنية لها، وبالتالي لا تعرف الفئة الموجهة إليها، لأنه ثبت انه حتى الأطفال باتوا ينفرون منها، يعني أحد شيئين إما الرغبة في تعذيب المشاهد المغلوب على أمره، أو شغله بشتم هذه الأعمال، بدل التفكير في شتم أشياء أخرى.

هذه الصناعة الجديدة، التي تواصل قنواتنا التلفزيونية هدر الأموال عليها، رغم ما راكمته من فشل، كي تصبح صناعة يحتاجها المغاربة، ولا يستطيعون الاستغناء عنها، كما يريد هؤلاء إفهام المتلقي المغربي، فعليهم أن يعيدوا النظر في فهمهم لقدرات استيعاب وإدراك ليس فقط المغاربة، بل الكائن البشري عموما.