البخور .. جالب البركة وطارد الشياطين

تفوح رائحته في المناسبات الخاصة والمحلات والبيوت

TT

ينتشر البخور في المناطق الشعبية وخاصة في منطقة جدة القديمة، حيث يقوم بائعو البخور بإشعال النار في موقد نحاسي وخاصة في فترة الصباح الباكر فالبعض من أصحاب المحلات يتفاءلون برائحته النفاذة المميزة ويعتقدون أن رائحة البخور تبارك المكان حيث تطرد الشياطين والأرواح الشريرة.

ولكن ما هي قصة وتاريخ ذلك البخور؟ يقول الدكتورأحمد الشافعي أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الملك عبد العزيز «إن علاقة الإنسان بالبخور علاقة قديمة ترجع للحضارات القديمة، تحديداً، مع بداية الحضارة الهندية والصينية القديمة، فكان يصنع البخور من مواد عديدة كالعود والزهور المجففة ونبات الصندل الذي يستخدم كعنصر أساسي في صناعة البخور وبعض الخلطات السرية التي كان يتميز بها أهل الدين والمعابد. وكان هناك نوعان من البخور، نوع ذو رائحة نفاذة ونوع ذو رائحة منفرة، وهذا الأخير، كان يمتاز به أهل الهند. وورد في الأساطير القديمة أن الشياطين تكره رائحة البخور وتبتعد عنها. دخل البخور إلى الجزيرة العربية من خلال التجار، وكان أهلها يستخدمون البخور في العديد من المناسبات الاجتماعية، وعرفوا العديد من أنواعه، فمثلاً، كان هناك نوع من البخور يستخدم في تبخير الخيمة ويتميز بأنه أكثر الأنواع تأثيرا فتستمر رائحته لمدة تزيد عن ستة أشهر، ونوع آخر، ويعتبر من أغلى الأنواع حيث كان يوزن بالذهب ويستخدم في المعابد ويقدم للآلهه لجلب الخير، وكان يستخدم أيضاً حول الكعبة وخاصة في فترة الغروب، فالكاهن يحمل على كتفه حقيبة فيها كميات من البخور والفحم ويحمل في يده مبخرة تتصاعد منها الأبخرة ذات الرائحة النفاذة المميزة ويقوم بالطواف حول الكعبة لتبخير الآلهة وطرد الشياطين طوال فترة الليل.

وبعد ذلك اعتاد أناس الجزيرة العربية على استخدام البخور وشرائه من الباعة حتى إنشاء مصانع لصناعة البخور والعود. ويحرص أغلب المعتمرين على شراء البخور وخاصة من المدينة المنورة ومكة المكرمة اعتقاداً أن البركة سوف تحل عليهم باحتراقه، وكما يقوم بعضهم بتبخير أنفسهم تجنبا من الحسد ويقولون إن الشرار المتصاعد من فحم البخور يقع في عين الحاسد فيمنع الحسد ويتبارك الجسد.

أما عن البخور في مدينة جدة، فيقول محسن المسعود، تاجر في أحد المحلات، «نحرص على وضع المبخرة أمام المحل وذلك لإعطاء رائحة مميزة للمحل فعندما يدخل الزائر يبتهج لرائحة المكان».

أما عن علاقة البخور مع يوم الجمعة، فيقول مختار الفلاح (تاجر بخور) «يوم الجمعة هو يوم مبارك عند المسلمين لذلك نفضل إشعال البخور فيه ليزاد المكان بركة، وهو اليوم الذي تقوم فيه الأسرة السعودية باستقبال الزائرين، فنقوم بإشعال البخور لجعل جو المكان جواً منعشاً.

أما عن البخور وعلاقته بالدجل، فيقول الدكتور مجدي عبد الدايم أستاذ الصحة النفسية في مستشفى الصحة النفسية بجدة «البخور من أهم أدوات الدجالين فلا يستطيع أي دجال السيطرة على ضحيته دون استخدام البخور حيث يقوم الدجال بإشعال كمية كبيرة من البخور داخل مكان صغير ومغلق ليحبس الدخان فيه، ويقوم بترديد بعض الكلمات التي تجعل الضحية تتجلى أمامه ويقوم بإقناع ضحيته بأشياء ليس لها وجود، وكل ذلك يحدث بفعل دخان البخور الكثيف الذي يكون في بعض الأحيان بألوان متعددة. فمثلاً، يحاول إقناعه بأن شخصاً سوف يحضر ويفتح الباب ويدخل ويتمشى في الحجرة وهذا الشخص سوف يحرق بالدخان ليتخلصوا من شروره. أما عن مهنة بائع البخور، فهي مهنة يقوم بها صاحبها، حيث يقوم بتصنيع البخور ووضعه في مبخرة ويتجول بها ليقوم بتبخير المحلات والمنازل، وهي مهنة مرهقة وغير مستحبة لأنها كانت تعتبر مهنة التسول. أما في وقتنا هذا فقد أصبح بائع البخور اليومي يجلس داخل محله الأنيق المكيف ليقدم أفخر وأجود أنواع العود الملكية التي تتميز برائحة طيبة نفاذة، وسعرها يتراوح بين 400 و1500 ريال، وتكون نسبة المسك فيها عالية ومركزة وتستخدم في تبخير الشماغ والجلباب، كما أن هناك أنواعا من البخور تستخدم في تبخير السيارة حيث يقوم السائق بوضع الكمية المناسبة داخل المبخرة ويبخر مقاعد السيارة ويغلق جميع النوافذ حتى تبقى رائحة البخور بفرش السيارة لأطول فترة ممكنة ويتراوح سعر الباكيت بين 300 و700 ريال. لم يقتصر استخدامه على هذا فقط بل أصبح يخلط مع بعض أنواع المعسل لإضافة مذاق ورائحة مميزة. والبخور ما هو إلا مادة ذات رائحة طيبة تحرق من أجل إسعاد الآخرين ودخول السرور الى قلوبهم.