الإدمان.. صنوف وأنواع

لا يقتصر على المخدرات بل يتجاوزها إلى الطعام والإنترنت وبعضه يمارس من دون قيود

TT

يعتقد البعض أن المدمن هو من يتناول المحظورات من كحوليات أو خمر أو مخدرات، لكن الحقيقة تُبدو خلاف ذلك، فمع دخول الألفية الجديدة أصبحت هناك أنواع أخرى من الإدمان، ظهرت في المجتمعات وانتشرت بين الشباب، وهي تمارس بحرية تامة وتحت أنظار المسؤولين وبرضا أولياء الأمور مثل الإدمان للطعام أو الإنترنت أو العاب الفيديو أو حتى التسوق وليس فقط الإدمان على المخدرات. وهي أنواع جديدة من الإدمان، قد يبدو الحديث عنها للوهلة الأولى غريباً مليئاً بالمغالاة والمبالغة، إلا أن واقع الأمر يشير إلى معاناة أهالي هؤلاء المدمنين المهووسين بواحد من هذه الأنواع من الإدمان.. وصعوبة معالجة إدمانه.

تعريف الإدمان

* وحتى كلمة «إدمان» فقد اختلف على تعريفها العلماء، فالبعض منهم يصر على أن هذه الكلمة تنطبق فقط على المواد التي إذا تناولها الإنسان، فإنه لن يقدر على الاستغناء عنها، وإذا استغنى عنها فإنها تسبب له حدوث أعراض الانسحاب لتلك المادة، إضافة إلى مشاكل بالغة يتعرض لها لاحقاً، وبالتالي لا يستطيع أن يستغني عنها مرة واحدة، بل يحتاج إلى برنامج للإقلاع عن تلك المادة باستخدام مواد بديلة وسحب المادة الأصلية بشكل تدريجي كما هو الحال في أغلب حالات المخدرات. والبعض الآخر من العلماء يعترض على هذا المفهوم الضيق للتعريف حيث يرى أن الإدمان هو عدم قدرة الإنسان على الاستغناء عن شيء ما، وحاجته المستمرة للمزيد منه كي يشبع حاجته منه حتى يؤثر ذلك على حياته الشخصية. وعليه أصبح هناك من يسمون بمدمني الطعام، ومدمني.... الخ. وسر إدمان الطعام مثلاً، يرتبط بمادة «دوبامين Dopamine »، وهي المادة التي أثبت العالم السويدي «أرفيد كارلسون» الحاصل على جائزة نوبل للطب لعام 2000، أنها من الناقلات العصبية neurotransmitters التي تحمل الرسائل الكيميائية بين خلايا المخ التي يزيد عددها عن 100 مليار خلية. وتعتبر مادة دوبامين المحرك الأساسي لحالات السرور الإنساني، فتنقل الشعور بالبهجة والسعادة الناتج لأسباب عديدة، منها تناول وجبة طعام لذيذة مثلاً أو نوع محدد من الطعام.

وعند تناول هذا الشخص لهذه الوجبة اللذيذة أو ذلك النوع المحدد من الطعام يتم إنتاج كميات عالية من مادة دوبامين والتي تقوم بدورها بتنشيط جميع المستقبلات العصبية في الحال. فيشعر هذا الشخص بغبطة شديدة ونشوة غامرة مع الإحساس بالرضا والمتعة. وعندما لا يتناول الشخص تلك الوجبة اللذيذة أو بالتحديد ذلك النوع من الطعام يبدأ الشعور بنوع من تعكير المزاج الذي يتحول إلى إحساس بالبهجة والسعادة بمجرد تناول ذلك النوع من الطعام، وهكذا تبدأ الحلقة السلبية اللانهائية التي تؤدي إلى الإدمان في النهاية. يقول الدكتور محمد عبد الله شاووش: استشاري الطب النفسي ومدير برنامج مستشفى الأمل بجدة، إن الجزء الأمامي (Frontal lobe ) من الدماغ مسؤول أيضاً عن سلوك الإنسان، وتكرار السلوك يعتمد على ما يصحبه من مؤثرات إيجابية أو سلبية وارتباطها بالجانب التدعيمي للمثيرات. فما يحدثه الآيس كريم أو البيرغر من أثر نفسي وما يرتبط به من شعور مريح يؤدي إلى تعزيز الأثر وبالتالي تكرار السلوك.

وعندما يكون لدى الإنسان شعور بالارتياح تجاه شيء، فإن ذلك ينعكس وظيفياً على الجهاز العصبي وتحسين حالة المزاج.

وبعض السكريات والشيكولاتة بالذات تؤدي إلى تحسن في المزاج بشكل مؤقت لوجود مادة التربتوفين (Tryptophan) وهي المصدر لمادة سيروتونين (Serotonin) التي ترتبط بالمزاج، وكون تأثيرها مؤقتا فإن الشخص قد يلجأ إلى تكرار الأكل طلباً لرفع المزاج. وفي كل الأحوال هناك سلوكيات يعملها الإنسان بشكل دائم ترتبط بتغيرات وظيفية في الجهاز العصبي وتتعامل مع مجموعة من النواقل العصبية والتي تحدد سلوك الإنسان بدرجة نسبية. ولذلك فالإدمان ليس بالضرورة أن يكون مخدراً بل هناك إدمان لبعض السلوكيات كالأكل أو إدمان الإنترنت أو إدمان الجنس أو أي سلوك آخر.

العجيب في الأمر أن حالة المخ في تغيير دائم وهناك آلاف النواقل العصبية التي تتأثر بتغير السلوك والحالة المزاجية وهي ما يعرف بلدونة الدماغ (Brain Plasticity) وتتأثر الخلايا بالعوامل المختلفة من حيث استهلاك نسبة السكر والأكسجين وكمية تدفق الدم داخل الخلية بنفس العوامل.

* أهمية التربتوفان Tryptophan

* لفَهْمٍ أفضل لأهميةِ التربتوفان، يَجِبُ أَنْ نفْهمَ بعض الشيء عن كيمياءِ الدماغِ. فالتربتوفان Tryptophan من الحوامض الأمينيةُ التي توجد في الطعام بشكل طبيعي، وتتحول في الدماغِ إلى مركب كيميائي يسمى (إتش تي بي- 5Hydroxy-tryptophan HTP-5 )، الذي يتحول بدوره إلى serotonin، وهو أحد النواقل العصبية neurotransmitter وضروري لتَنظيم الشهيةِ، والنوم، ومستويات الألمَ والمزاجَ.

ويؤثر على مستوياتserotonin بعض الأدوية مثل Prozac، Zoloft , imipramine إضافة إلى أدوية أخرى مضادّة للإكتآب.

وبخلاف عمل التربتوفان tryptophan، الذي يَزِيدُ من إنتاجَ serotonin، فإن هذه الأدوية تمنع دمارَ وتكسير السيروتونين serotonin في الدماغِ بالتَدَخُّل في نظامِ الجسمَ الطبيعيَ التنظيميَ الفسيولوجيَ.

ووفقاً لما نشر في مجلة الطبّ البديل، العدد #25، فإن ملاحق التربتوفان Tryptophan إستعملتْ في السابق كوسيلة فعّالة ورخيصة وأمنة لمُعَالَجَة الكآبةِ، الأرق، زيادة الوزن، مرض الشقيقة والقلق.

لكن في عام 1989 مَنعتْ إدارة الغذاء والدواء الاميركية (إف دي أي) FDA مبيعاتَ هذه المادة بعد اكتشاف دفعةِ واحدة منها ملوثةِ سبّبتْ آلافَ الحالاتِ من ازدياد الخلايا الحمضيةِ ُEosinophilia وحدوث متلازمة ميالجيا (myalgia إي إم إس EMS. وقبل انتهاء تفشّي هذا المرض، حصلت 7500-10000 حالة ميالجيا و39 حالة وفاة.

وبالتالي فإن منع إف دي أي مبيعات tryptophan مثاليُ في جدولِ أعمال الصناعة الدوائيةِ، وهو بسبب أن كانت هناك دفعةٌ واحدة منها ملوثةً.

ولحسن الحظ، فإن tryptophan أصبح متوفرُاً الآن للجمهورِ في شكلِ إتش تي بي ه 5، والدِراسات أظهرت أنه مفيد في مساعدةَ مرضى الأرقِ، وتخفيض القلقِ، والكآبة، وتخفيف الوزن، ومرض الشقيقة.

إن الدِراسات التي تُقارنُ إتش تي بي- 5 بالأدوية الأخرى وجدت بأنّها جميعها أدوية فعّالة وعلى حد سواء، لكن إتش تي بي- 5 ليس له أي آثار جانبية. (وقد اقترح أن لا تَتجاوزَ الجرعة اليومية من إتش تي بي 5 100 ملليغرامَ، لأن الجُرَعِات الأعلى قَدْ تنتجُ آثاراً جانبية معتدلةَ).

وحيث أن فيتامين بي 6ِ ضروريُ لتحويلِ إتش تي بي 5 إلى serotonin، فإن بَعْض أخصائيي التغذية nutritionists يَوصون بأنّ يعطى هذا الفيتامين في نفس اليومِ كإتش تي بي 5 لتَحسين التأثيرِ والأداء.