ترتيب بيت الحكم.. أسئلة معلقة

منذ أكثر من 200 عام لم تستن الأسرة الحاكمة في الكويت «قواعد» لانتقال الحكم.. إذ كان ينقل بالتراضي

TT

هناك كلام كثير حول ترتيبات بيت الحكم في الكويت. وهو كلام لم يعد مقصورا على المنتديات الخاصة بل أصبح حديث الصحافة والبرلمان والمنتديات. بل وشارك فيه كل أقطاب الأسرة الحاكمة بلا استثناء. جوهر المشكلة هو أنه ليس هناك تقليد مكتوب أو شفهي لانتقال السلطة. فهناك دول وراثية تأخذ بوراثة الابن للأب، وهناك أنظمة تأخذ بنظام التسلسل في السن، وغيرها من وسائل الانتقال. لكن المشكلة في الكويت أنه ليست هناك طريقة متفق عليها لانتقال السلطة، ولم يحدث أن تمت ممارسة في تاريخ الأسرة الحاكمة منذ أكثر من مائتي سنة وتحولت إلى تقليد أو عرف، اذ كانت السلطة تنتقل بالتراضي، ولم يحدث أن احتكم أفراد الأسرة للسلاح، أو الانقلاب باستثناء استيلاء الشيخ مبارك الصباح عام 1896 على السلطة بانقلاب دموي على أخويه محمد وجراح واستفراده بالحكم المطلق.

وقد ظل النقاش حول ترتيبات بيت الحكم يدور في الغرف المغلقة حتى تنادى نفر من البيوت التجارية التقليدية والشخصيات العامة في 1921 حين أحسوا بإمكانية حدوث مكروه في ظل غياب نظام واضح لانتقال الحكم ووقعوا على عريضة تقول «نحن الواضعين أسماءنا بهذه الورقة قد اتفقنا واتحدنا على عهد الله وميثاقه على إصلاح بيت الصباح حتى لا يجري بينهم خلاف في تعيين الحاكم». وكانت ردة فعل حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر هو قبول هذه الوثيقة وهي التي كانت بداية قيام أول مجلس منتخب بتاريخ الكويت .

وظلت الأمور تسير بشكل طبيعي حتى تحرير الكويت من الغزو العراقي 1991 حيث عاد النقاش في مسألة بيت الحكم وبحدة، ولكن هذه المرة ليس من خلال وجهة نظر شعبية بل من خلال أفراد متنفذين في الأسرة الحاكمة. ففي صيف 1993 فوجئ الكويتيون بوثيقة تم توزيعها في الدواوين وعلى نطاق واسع تنتقد ترتيبات بيت الحكم في الكويت وتدعو إلى فلسفة واضحة للحكم وسياسات جديدة وألا يكون الحكم ساندا لأخطاء الحكومة، وترفض الوثيقة ما أسمته «التفرد بالسلطة» وأبعاد الحكم عن النزاعات السياسية والانتخابية وبناء دولة المؤسسات.

وكان يمكن أن تمر هذه الوثيقة مرور الكرام لو أنها صدرت عن شخصيات سياسية، أو ناشطين في الشأن العام في بلد ليست فيه خطوط حمراء في نقاش أي موضوع مهما كانت حساسيته. لكن المفاجأة أن هذه الوثيقة وقعتها شخصيات نافذة في الأسرة الحاكمة على رأسهم الشيخ مبارك جابر الأحمد، الابن الأكبر لأمير الكويت، والشيخ جابر مبارك الصباح وزير الدفاع الحالي، والشيخ ناصر صباح الأحمد، الابن الأكبر لرئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد، والشيخ أحمد الفهد وزير النفط الحالي.

الوثيقة كانت مفاجأة كبيرة في مجتمع لم يتعود مناقشة مشكلات الأسرة الحاكمة بهذا الشكل الواضح والصريح ومن أفراد متنفذين في السلطة، كانت هذه الوثيقة بداية لانتقال النقاش حول بيت الحكم الكويتي من الغرف المغلقة إلى الصحافة والبرلمان والدواوين، بل أن أقطاب الأسرة الحاكمة بدأوا بالحديث من دون حرج عن ترتيبات الأسرة الحاكمة وإعلان خلافاتهم بشكل سافر.

وكان لهذه النقاشات تأثير كبير على الحياة السياسية، فعندما طرح عدد من أبناء الأسرة مسألة فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء كان هذا الموضوع أقرب إلى المحرّمات منه إلى النقاش السياسي وكانت قضية مرفوضة، وكان الشيخ صباح الأحمد أكثر من يرفضها. ففي لقائه مع الصحافة أكد الشيخ صباح مايو (ايار) 1999 «إن الكلام عن فصل رئاسة الوزراء عن ولاية العهد لا يجوز وهو الموضوع الذي يثيره البعض هذه الأيام خاصة إخواننا في مجلة الطليعة، وولدي ناصر. وناصر أصبح جدا وأنا اختلف معه ومعهم. أنتم تعبرون عن آرائكم لكن هذا الموضوع يجب ألا يطرح في الصحافة على هذا النحو».

ولكن، وكما يقول المثل الكويتي «كثر الدق يفك اللحام»، فإن ضغوطات أبناء الأسرة الحاكمة ومعهم العديد من الفعاليات السياسية والبرلمانية أدت إلى أن يصبح الشيخ صباح نفسه رئيسا للوزراء في ظل وجود ولي العهد .

وتقف الأسرة الحاكمة في الكويت أمام مشكلة حقيقية وهي الحالة المرضية لولي العهد، وهذه المشكلة تمثل تداخل السياسة والاجتماع، فالشيخ سعد العبد الله ولي العهد يحظى بشعبية كبيرة وينظر له باعتباره الرجل القوي الذي أدار كل الملفات أثناء الغزو، وأية خطوة يمكن أن يفهم منها تقليلا من دوره ستكون قضية حساسة، بالمقابل هناك مشكلة قانونية وهي المادة الثامنة من قانون توارث الإمارة والتي تنص على أنه «إذا فقد ولي العهد احد الشروط الواجب توافرها فيه، أو فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، أحال الأمير الأمر إلى مجلس الوزراء وعلى المجلس في حالة التثبت من ذلك عرض الأمر على مجلس الأمة فورا لنظره في جلسة سرية خاصة. فإذا ثبت لمجلس الأمة بصورة قاطعة فقدان الشرط أو القدرة المنوه عنهما، قرر بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم انتقال ممارسة صلاحيات ولي العهد بصفة مؤقتة أو انتقال ولاية العهد بصفة نهائية الى غيره».

وأمام هذا الوضع المعقد ظهر اصطلاح التفويض حيث تم تفويض الشيخ صباح الأحمد رئيس الوزراء بإدارة كل أمور الدولة وذلك لحل المعادلة الصعبة بين السياسة والاجتماع. بين المحافظة على «مكانة الشيخ سعد واحترامه»، وبين احترام القانون الصريح لتوارث الإمارة في مادته الثامنة. وكان يعتقد أن الأمور ستستمر بشكل هادئ وطبيعي حتى جاءت التصريحات المتتالية للشيخ سالم العلي «عميد» الأسر الحاكمة والتي انتقد فيها وبشدة ما اعتبره الانفراد بالقرار وطالب بحسم المسائل المعلقة وشن هجوما كان التلميح فيه أقوى من التصريح، بل واقترح إليه بتشكيل لجنة ثلاثية يكون هو احد أعضائها تكون بمثابة مجلس حكم ينظر بالقرارات الكبرى.

كان رمضان الماضي وبعد هذه التصريحات شهرا قلقا للكويتيين وهم يرون الامور تتصاعد بهذا الشكل الواضح بين اقطاب النظام وأركانه، ودار نقاش واسع في البرلمان لأول مرة حول ترتيبات بيت الحكم، ولم يعد أحد يمارس الصمت حتى من أولئك الذين كانوا يقولون إن قضية بيت الحكم قضية خاصة بالأسرة ولا يجوز مناقشتها في المنتديات العامة.

في 10 اكتوبر (تشرين الاول) 2005 حدث تطور حاسم حين استدعى أمير الكويت كلا من رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد والشيخ سالم العلي الصباح ورئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي، وطلب الأمير من رئيس مجلس الأمة إبلاغ البرلمان «ثقته برئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد» وأنه سيقوم شخصيا بحسم الأمور. كانت هذه التصريحات نهاية فصل طويل من نقاشات محتقنة بين أطراف نافذة في الأسرة الحاكمة وساهمت هذه التصريحات في تهدئة اللعب في جبهة محتدمة.

هناك أسئلة كثيرة في أذهان الكويتيين حول المستقبل. الشيء المؤكد أن الأمور ستحسم بشكل ودي وبالتفاهم لكن أسئلة مثل متى؟ وكيف؟ ومن سيتقدم ومن سيتأخر في ترتيبات الأسرة الحاكمة ؟ ستظل تشغل أذهان الناس في بلد يتمسك بالحكم الوراثي ويعتبره ضمانة للاستقرار.

* قانون انتقال السلطة في الكويت

* عام 1962 أعلن الدستور الكويتي المؤقت، الذي يجعل من الأمير عبد الله سالم الصباح رئيساً للدولة والحكومة، وينص الدستور على أن الكويت إمارة وراثية محصورة في الذكور من خط مبارك من عائلة الصباح وذلك عن طريق ولاية العهد، ويعين ولي العهد بتزكية من أحد أعضاء الأسرة، ثم تعرض التزكية على مجلس الأمة في جلسة خاصة، وتتم مبايعة ولي العهد بموافقة أغلبية الأعضاء، ثم يصدر مرسوم أميري بهذا التعيين، وتتم الإجراءات خلال سنة من توليته.

> ووفقا للبند الرابع (المادة الأولى) من دستور الكويت: الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح. ويعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من الذرية المذكورة فيبايع المجلس أحدهم وليا للعهد. ويشترط في ولي العهد أن يكون رشيدا عاقلا وابنا شرعيا لأبوين مسلمين. وينظم سائرَ الأحكام الخاصة بتوارث الإمارة قانونٌ خاص (صدر في خلال سنة من تاريخ العمل بالدستور) وتكون له صفة دستورية، فلا يجوز تعديله إلا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور.

> قانون توارث الأمارة ـ الأمير ـ المادة 2 الامير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس، ولقبه ـ حضرة صاحب السمو امير الكويت ـ .

 ـ المادة 3 يشترط لممارسة الامير صلاحياته الدستورية الا يفقد شرطا من الشروط الواجب توافرها في ولي العهد . فان فقد احد هذه الشروط او فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، فعلى مجلس الوزراء ـ بعد التثبت من ذلك ـ عرض الامر على مجلس الامة في الحال لنظره في جلسة سرية خاصة. فاذا ثبت للمجلس بصورة قاطعة فقدان الشرط او القدرة المنوه عنهما، قرر باغلبية ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم، انتقال ممارسة صلاحيات الامير الى ولي العهد بصفة مؤقتة او انتقال رئاسة الدولة اليه نهائيا.

ـ المادة 4 اذا خلا منصب الامير نودي بولي العهد اميرا، فاذا خلا منصب الامير قبل تعيين ولي العهد، مارس مجلس الوزراء جميع اختصاصات رئيس الدولة لحين اختيار الامير بذات الاجراءات التي يبايع بها ولي العهد في مجلس الامة وفقا للمادة الرابعة من الدستور. ويجب ان يتم الاختيار في هذه الحالة خلال ثمانية ايام من خلو منصب الامير.  ـ المادة 5 لا تجوز مخاصمة الامير باسمه امام الحاكم. ويعين للأمير بأمر أميري وكيل او اكثر يتولون في الحدود التي يبينها الامر الصادر بتعيينهم اجراءات التقاضي، وتوجه اليهم الاوراق القضائية في الشؤون الخاصة بالامير.

  ـ ولي العهد ـ المادة 6 يعين ولي العهد بالطريقة المنصوص عليها في المادة الرابعة من الدستور ولقبه ـ سمو ولي العهد ـ ، ويشترط في ولي العهد ان يكون رشيدا عاقلا مسلما وابنا شرعيا لابوين مسلمين، وان لا تقل سنه يوم مبايعته عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة.  ـ المادة 7 ينوب ولي العهد عن الامير في ممارسة صلاحياته الدستورية في حالة تغيبه خارج الدولة وفقا للشروط والأوضاع المبينة في المواد 61 و 62 و 63 و 64 من الدستور. وللامير ان يستعين بولي العهد في اي امر من الامور الداخلية في صلاحيات رئيس الدولة الدستورية.

  ـ المادة 8 اذا فقد ولي العهد احد الشروط الواجب توافرها فيه او فقد القدرة الصحية على ممارسة صلاحياته، احال الامير الامر الى مجلس الوزراء وعلى المجالس في حالة التثبيت من ذلك عرض الامر على مجلس الامة فورا لنظره في جلسة سرية خاصة. فاذا ثبت لمجلس الامة بصورة قاطعة فقدان الشرط او القدرة المنوه عنهما، قرر باغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم انتقال ممارسة صلاحيات ولي العهد بصفة مؤقتة او انتقال ولاية العهد بصفة نهائية الى غيره، وكل ذلك وفقا للشروط والاوضاع المقررة في المادة الرابعة من الدستور.  ـ المادة 9 تكون لهذا القانون صفة دستورية، فلا يجوز تعديله الا بالطريقة المقررة لتعديل الدستور.