المسرح السعودي.. بين إشكالية الهوية ونخبوية الفرق الفنية

المسرحيون يطالبون برعاية أسوة بالرعاية التي تتمتع بها الرياضة

TT

بالرغم من أن المسرح العربي تأسس قبل نحو 150 عاماً على يد مارون النقاش (1817 ـ 1855) الذي قدم أول مسرحية عربية عام 1847 في ببروت حملت إسم «البخيل»، فإن هذا الفن احتاج لأكثر من قرن حتى يتبرعم وينمو ببطء في المملكة العربية السعودية.

فقد شهدت الخمسينات أول بوادر التجربة المسرحية السعودية، حين اسس احمد السباعي مسرح قريش في مكة المكرمة، واختار مسرحية «صقر قريش» لتعرض في ليلة الافتتاح، وبالرغم من أن هذه التجربة تعرضت للإجهاض قبل أن ترى النور، فقد كانت أول تباشير التشكيل المسرحي في المملكة، ولعلها كانت قادرة في حال نجاحها على صياغة شكل جاد وحقيقي لصورة المسرح السعودي الذي ظل منذ ذلك الوقت يتشكل بتجارب شخصية أو نخبوية، صاعدة أحياناً ومتعثرة في أكثر الأوقات.

في السياق التاريخي التوثيقي بدأت ما يمكن اليوم تسميتها «مجازاً» الحركة المسرحية السعودية مع تأسيس المملكة، من خلال تقديم مسرحيات تاريخية ودينية، تعتمد في نصوصها على الكتب المدرسية مثل مسرحيات «صلاح الدين» و«عبد الرحمن الداخل»، و«القناعة»، و«عاقبة الطمع»، وهي المرحلة الأولى التي امتدت حتى عام 1373هـ.

ومر المسرح السعودي بمرحلة أخرى منذ عام 1384هـ ـ حتى1391هـ، وهي الفترة التي شهدت مسرحيات للكبار والصغار وكانت تركز على الدروس الاجتماعية ذات التراكيب الدرامية الترويحية مثل مسرحيات «الغواص»، و«لك يوم يا ظالم»، و«حرام حرام»، وكانت تقدم عن طريق المدارس والاندية. وتمتاز هذه الفترة ببروز مسرحيات من تأليف الكتاب السعوديين.

المرحلة الثالثة، وتمتد من عام 1392هـ وحتى اليوم، وقد بدأت باحتفالات الأندية الرياضية والمدارس على مستوى مناطق المملكة واختيار المسرحيات الناجحة ودمج بعضها للدخول في مسابقات الفنون المسرحية، وتميزت بتركيز شديد من الأندية والمدارس على مسرح الطفل والشباب، وقد برز من كتاب تلك الفترة : عبد الله حسن ومحمد الحمد وإبراهيم خميس وعبد الرحمن المريخي ومحمد رجب وناصر المبارك وعلي المصطفى.

وفي هذا السياق ظّلت المدارس والأندية تمثل الانطلاقة الأولى للمسرح، واعتبر التمثيل وبعده الفنون الإبداعية المتعلقة به كالتأليف والإخراج إحدى أدوات الأنشطة الطلابية أو أنشطة الفرق الفنية التابعة للأندية، ولم تكن هذه التجارب واهنة دائماً فقد برزت عدة مسرحيات منها «سبع صنايع والبخت ضايع»، و«البحث عن الكنز» وهما لعبد الله حسن، و«ليلة النافلة»، و«قرية اسمها السلام» لعبد الرحمن المريخي.

وفي عام 1400هـ برزت الجمعية العربية للثقافة والفنون وعرضت مسرحية «بيت من ليف» لناصر المبارك، و«الحل المفقود» لعبد الرحمن المريخي، في المنطقة الشرقية، ومسرحية «كان هنا بيتنا» لمحمد خضر، و«حضارة الإسلام» لمحمد سليمان الشايقي، و«من يكمل الثاني» لمحمد عريف في المنطقة الغربية.

إشكالية ثقافية لعل أهم إشكاليات المسرح السعودي، هي الإشكالية الثقافية، وفي رأي الدكتور معجب الزهراني فإن المسرح السعودي «يعاني من اشكالية التمييز بين ثقافتين: ثقافة الداخل وثقافة الساحل»، معتبراً «ان التنوع الثقافي الذي تحفل به المملكة من حيث اختلاف العادات والتقاليد والاعراف من شأنه ان يثري اي تجربة مسرحية متعددة، لكن هذا الجانب لم يستثمر، لعدم وجود جهاز مسرحي فاعل ومتحرر وقادر على استثمار الموروث الشعبي لتحويله الى فن مسرحي».

وبرأي الزهراني فإن «مسرحنا المحلي او الوطني سيظل يعاني هامشيته وغربته وغيابه ما لم تطرح وتناقش وتحل قضاياه ومشاكله من وجهة نظر الكاتب المسرحي والممثل المسرحي والمخرج المسرحي والتقني المسرحي والمحب للعرض المسرحي من المثقفين والناس العاديين، أما إن غابت عنا هذه الحقيقة البسيطة، او استسلمنا اكثر فأكثر لوجهات نظر من لا يفقه شيئاً في المسرح ومن لا يحبه، او من يعاديه، فالامور ستستمر كما هي عليه الآن، أي ستظل الاشكالية قائمة تعطل كل جهد وتبدد كل طاقة، وتدفع بالكثيرين الى نسيان حكاية المسرح او اللامبالاة تجاهها».

ويتحدث المسرحيون السعوديون عن «غياب» المسرح عن وسائل وأدوات التعبير الفني، ضاربين المثل بالهامشية التي ترزح تحتها الحركة المسرحية بالمقارنة مع الرياضة مثلاً، ويتحدثون عن غياب أبسط مقومات العمل المسرحي كالمسرح ذاته، ووجود هذا الفن كواحد من أشكال التصنيف الفني التي تحظى بالرعاية، بدل أن يبقى الفن المسرحي حكراً على الفرق غير المحترفة، أو ملحقاً بالأنشطة الطلابية، في المدارس والجامعات، بيد أن أهم المعضلات التي يواجهها المسرحيون هي «غربتهم» داخل المحيط الاجتماعي الذي يسعون لإمتاعه بالفن المسرحي.

فما زال المنتظر من المسرح أن يتحول إلى خطاب وعظي يقدم التوجيهات والنصائح والإرشادات، وما زالت التجربة المسرحية تخلو من أي أفق معرفي أو فكري، بل هي في أغلب الأحيان مجموعة من التجارب الكوميدية الهزيلة التي تفتقد للرؤية المسرحية.

لقد انشغل المسرحيون السعوديون طويلاً بالسؤال الصعب وهو مبررات غياب العنصر النسوي عن المشاركة المسرحية، وهو السؤال الذي ينشغل به المسرحيون عن آفاق الشكل التعبيري على خشبة العرض، فما دام المسرح لا يشكل بعداً ثقافياً وما دام منفصلاً عن تطور أو تصوير جوانب التعبير المختلفة لدى الانسان الممثل والمتلقي، فإن غياب المرأة أو حضورها ليس مهماً بذاته، ما دامت المرأة غائبة وغير حاضرة على الصعيد الاجتماعي.

في يوم إحتفال المسرحيين في العالم بيومهم العالمي (الذي مرّ أواخر الشهر الماضي، مارس/ آذار) يقف الممثلون السعوديون مشدوهين أمام تجربتهم التي لم تخلق لهم حتى الآن ما يمكن أن يصطلح عليه بالإرث الفني المسرحي، ولم تراكم تجاربهم المسرحية بحيث يمكن أن تكوّن تجربة ناضجة بالرغم من أن الحركة المسرحية السعودية تنمو وتتصاعد وتتعدد مسرحياتها وفرقها ومشاركاتها الخارجية من دون أن تنمو قاعدتها الجماهيرية، فما زالت نسبة ضئيلة إلى الحد الذي لا يمكن حسابه والاعتماد عليه، تحضر العروض المسرحية في المناسبات. ومن حق المسرحيين السعوديين القول إنهم يجتهدون ويحاولون وينجحون أحياناً في لفت النظر إليهم محلياً وعربياً عبر نجاحات بعض فرقهم الفنية في المشاركات الفنية، لكن ليت هذه الفرق وجمعياتها وجامعاتها تنجح في اجتذاب الجمهور المحلي.