في كل سنة يتجدد موعد الجمهور اللبناني مع المسرح التونسي. وقد شهد الأسبوع الماضي عرضين مسرحيين للمخرج المعروف توفيق الجبالي، الأول قدم على «مسرح مونو» بعنوان «هنا تونس»، والثاني بعنوان «كلام الليل يسطو عليه لصوص بغداد» على مسرح «دوار الشمس» حيث يعيد العمل على مسرحيته الشهيرة «كلام الليل» التي سبق له أن قدمها بنسخ مختلفة، والعرض الذي قدم في بيروت هو النسخة الحادية عشرة لهذا العمل.
للمسرح التونسي سمعة عطرة في لبنان، والمسرحيون التوانسة يأتون إلى بيروت، وهم يعرفون مسبقاً أن هناك جمهوراً بانتظارهم. وهو جمهور يضم شرائح مختلفة ومن بينهم ، بالطبع، ممثلون ومخرجون ونقاد. ويبدي النقد، ومعه الصحافة والتلفزة عموماً ، حفاوة بالغة بكل ما قدمه ويقدمه المسرحيون التوانسة في بيروت.
لقد حدث ذلك منذ أن جاء رائد حداثة المسرح التونسي المخرج علي بن عياد وقدم مسرحية «يرما» في «مهرجانات بعلبك الدولية» نهاية الستينات، وانتهاء بعملي الجبالي الأخيرين، وبينهما جاء محمد ادريس والمنصف السويسي وفاضل الجعايبي وجليلة بكار وسواهم.
ولكن ما سر تعلق الجمهور اللبناني وإعجابه بالمسرح التونسي؟
الأرجح أن الأمر ليس سراً بل هو اختبار لحالة مسرحية متنوعة الأساليب والتجارب، تتطور باستمرار. ومن الطبيعي أن يجد ممثلوها ومخرجوها تقديراً واستحساناً وإعجاباً، ليس فقط في بيروت بل في أي مكان يؤمن فرجة حقيقية وتفاعلاً حيوياً بين عرض تونسي وجمهوره، وهو ما يحدث في دمشق والقاهرة وعواصم عربية وأوروبية أخرى، ولكن بيروت تشكل حالة شديدة الخصوصية .
عن الحفاوة التي يستقبل بها المشاهد اللبناني العروض التونسية. يقول الناقد نزيه خاطر: أن هناك نوعاً من التبادل الخفي القائم على التشابه بين المسرحين اللبناني والتونسي، وأن هناك صدفة تاريخية جعلت حداثة المسرح التونسي تنطلق بالتزامن مع حداثة المسرح اللبناني تقريباً. ويضيف: انه مع دخول مسرح الستينات اللبناني في أزمة طويلة برز المسرح التونسي إلى الواجهة حاملاً المفاتيح النهضوية نفسها تقريباً التي حملها المسرح اللبناني، وكأن هناك مسرحاً يكمل مسرحاً آخر. ويرى خاطر أن هذا التماهي بين العناصر الفاعلة والمخصّبة تنبّه له مسرحيو البلدين مما أسس نوعاً من التواطؤ بين العاملين في المسرحين والجمهورين أيضاً. ولهذا، يضيف خاطر، من الطبيعي أن يجد الجمهور اللبناني الذاهب إلى مهرجانات قرطاج اهتماماً تونسياً لافتاً، يقابل ذلك دعوات متواصلة لكبار المسرحيين التوانسة لعرض أعمالهم في بيروت. وهكذا من الطبيعي أن يأتي توفيق الجبالي اليوم، وأن يستقبل «مهرجان قرطاج» الأخير عملين لبنانيين لعصام بو خالد وعايدة صبرا.
وبدوره يؤكد الناقد بيار أبي صعب هذا الرأي، ويقول ان تونس الثمانينات ورثت الكثير من بيروت السبعينات على صعيد المسرح. في تونس قدمت أعمال واقتراحات مسرحية كان يمكن أن يقدمها في لبنان ريمون جبارة أو انطون ملتقى أو شكيب خوري. ويضيف أبي صعب ان تونس، ولأسباب عديدة، احتفظت بالمختبر المسرحي على علاّته، فما زلنا نجد فيه بذور التجريب والمسرح الطليعي والأفكار المتجددة على صعيد النصوص والأداء والاخراج وأولوية البناء المشهدي وعدم إثقال النص بالايدولوجيا. وهي عناصر يبحث عنها المشاهد اللبناني ويكنّ لها تقديراً خاصاً، وتوفيق الجبالي هو أكثر من يمثل هذه الأفكار، ويمكن الحديث عن قرابة فنية بينه وبين تجربة المخرج اللبناني ريمون جبارة.
أما الممثلة عايدة صبرا العائدة لتوها من تونس حيث عرضت مسرحيتها الأخيرة «خدلك كدشة» فتقول: إنها بسبب متابعتها لعدد من العروض التونسية في بيروت، وفي عدد من المهرجانات المسرحية عرفت كيف تقدّر الجهد الذي يبذله المسرحيون التوانسة في التمارين والبحث عن مقترحات جديدة، وترى المسرح التونسي يعدنا دوماً بما هو متطور وجريء حتى على صعيد أعمال المخرج الواحد، كما في أعمال محمد ادريس والجعايبي والجبالي... هناك جرأة في الطرح وابتكارات ينتظرها المشاهد بلهفة. المسرح التونسي، تضيف صبرا، «يشكل حافزاً لنا. هم أيضاً يتابعون أعمالنا ويقدرونها، لا أعرف تماماً وجهات نظرهم ولكننا نلمس رغبة واضحة لمشاهدة أعمال لبنانية في تونس».