«سمير» .. مجلة الأطفال العربية ابنة الخمسين عاما

TT

على غلاف العدد الأول الصادر في 15 أبريل (نيسان) 1956 رسم الفنان الفرنسي برني «سمير» وهو يعبر الشارع مبتسما حاملا بالونة في يده، بينما يسير خلفه ابن عمه تهته حاملا أكياس الهدايا وحقائب الطعام والخس، وفي الخلفية يقف عسكري درك، بشاربه الضخم وبجواره بائع عرقسوس بزيه المميز في قصة حملت اسم ««سمير» الحويط وتهته العبيط»، واضعا الملامح الأساسية لشخصية «سمير» التي تعلق بها الأطفال العرب على مدار سنوات طويلة، وربما الكبار خاصة مع الشعار الخاص بها الذي يصنف قراءها على أنهم «من سن 8 إلى 88 سنة».

وجه مبتسم دائما، عيون لامعة، وشعر مجعد، خصلة منه تنزل على الجبهة، وملامح مصرية عربية صميمة، ومغامرات لا تنتهي، هذا هو «سمير» بطل مجلة الأطفال التي تحمل اسمه، والذي يحتفل هذا الأسبوع ببلوغه عامه الخمسين، ليصبح بطل أقدم مجلة أطفال في العالم العربي، والمجلة الوحيدة التي استطاعت الصمود في وجه الإغلاق، مصير الكثير من مجلات الأطفال في العالم العربي، والتي استطاعت أن تقاوم الزمن، وتحفر شخصياتها داخل العديد من الأجيال التي تعلقت بها لسنوات طويلة، ولا تزال تذكرها حتى الآن، وتذكر أبطالها: «سمير» و«سمير»ة وتهته وزيكو وجدو وباسل وفريق الكشافة والصحافي عصام وكراوية وراهاوان وأبو سحلول ودندش، والإنسان الطائر وتنابلة السلطان.

«مجلة «سمير» هي أم مجلات الأطفال العربية» هكذا تقول الدكتورة شهيرة خليل رئيسة تحرير مجلة ««سمير»» لـ«الشرق الأوسط». وتضيف أنه ربما كان أكثر ما يميز مجلة ««سمير»» وساهم في انتشارها عربيا أنها كانت تحمل الهم القومي وتحاول توصيله للأطفال العرب، وقدمت أكثر من عدد خاص للحديث عن هذا.

استمرار ««سمير»» لمدة نصف قرن ليس بالأمر السهل في عالم مجلات الأطفال العربية، وبحسب شهيرة فالأمر يعتمد على أشياء كثيرة، لكن النجاح في الاستمرار بدون توقف رغم المعوقات الكثيرة هو نجاح في حد ذاته، وتقول «نعد لاحتفالية كبيرة، وتقديم توضيب جديد للمجلة ومغامرات وأبطال جديدة وروح جديدة، كما أن الرسامين الذين قامت على أكتافهم «سمير» يعودون إلينا مرة أخرى برسوم جديدة يهدونها إلى «سمير»، كما أننا نستعين بالشباب وبعضهم ما زال طالبا». وتضيف ««سمير» كان مدرسة لتفريخ المواهب في كافة المجالات، كبار الكتاب كتبوا له حتى نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وسيد حجاب ويوسف السباعي وأحمد رجب ويحيى الطاهر عبد الله» بعض مغامرات المجلة تحمل الإسقاط السياسي على الواقع العربي في ذلك الحين مثل مغامرات السلطان بهلول، ومغامرات تنابلة الصبيان، أو تنابلة السلطان والتي كان يرسمها الفنان حجازي، وربما علمت هذه المغامرات الأطفال في ذلك الوقت معنى أن يكون هناك فساد سياسي من السلطة الحاكمة، وأهمية محاربته، ولهذا كنا نرى «سمير» يدخل في مغامرات دائمة يحارب فيها الظلم، في إحداها دخل السجن، كما علمت المجلة في فترة الستينيات والسبعينيات الأطفال والأشبال العرب معنى أن تكون إسرائيل عدوا خاضت الحروب ضد العرب، واحتلت دولا عربيا، وقد لا نكون مغالين إذا قلنا إن «سمير» ساهمت في تشكيل الهم السياسي لدى أجيال متعددة، ورغم اختلف توجهها هذا مؤخرا، إلا أن شهيرة خليل تقول إنها تقدم بعض الموضوعات السياسية الراهنة ففي فترة الانتخابات الرئاسية التي مرت بها مصر مؤخرا قدمت «سمير» عددا خاصا بعنوان «كيف تصبح رئيسا للجمهورية» قدمت فيه «سمير» الذي يريد أن يصبح رئيسا، وماذا يفعل، مؤكدة أن المجلة لم تنحز لأحد لكنها أرادت أن توضح للطفل أن الرئيس شخص عادي مثل أي شخص آخر، وأن بإمكان أي طفل أن يصبح رئيسا للجمهمورية إذا أراد ذلك، وقدمت تحقيقات مصورة مع الأطفال ماذا يفعلون لو كانوا رؤساء للجمهوريات، واختبار بعنوان «هل أنت رئيس متميز». إلا أن «سمير» ومجلات أطفال عربية أخرى، تثير جدلا مستمرا، باعتبار ان هناك من يعتبر أن مجلات الأطفال ليس هدفها تعبئتهم سياسيا.

ولا يحبذ الطاهر شرقاوي المتخصص في مجال الكتابة للأطفال، أن تحتوي القصص المنشورة في مجلات الأطفال على بعد سياسي كبير، لأنها في هذه الحالة سيتم توظيفها لخدمة غرض معين، كما أن هذا سيكون أحد العوامل المنفرة للأطفال من المجلة، وسببا في عدم إقبالهم عليها،، غير أنه يقول أن المجلات عموما في عالمنا العربي تصدر لخدمة غرض معين ولتوصيل رسالة ما، مشيرا الى انه يرى أن كثيرا من مجلات الاطفال الأخرى هي كذلك معظم المجلات العربية هكذا، وكذلك في بعض المجلات الأجنبية كذلك مثل تان تان وسوبرمان، فإنها تقدم الأميركي على أنه منقذ العالم.

فيما ترفض شهيرة فكرة وصف المجلة بعمل غسيل مخ للأطفال، لأنها قدمت قصصا سياسية، وتقول إن مجلة سمير واكب صدورها فترة المد القومي في العالم العربي، ولم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال أن تنفصل عن محيطها، فجميع المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت بما فيها مجلات الأطفال كانت تتبنى هذا الخط، وتتحدث عن العروبة وتنادي بالتحرر، وهو الأمر الذي فعلته جميلة كامل حين كانت رئيسة للتحرير، وكانت القصص التي نشرت في المجلة في الفترة التي تولت رئاستها تتميز بالنزعة القومية وسميت بالوطنيات، مشيرة إلى أنها كانت تحتفل بعيد ميلاد ووفاة عبد الناصر بشكل دائم، حتى في الفترة التي تولى فيها السادات الحكم، معتبرة هذا ليس تسييسا للمجلة بقدر ماهو ارتباط بالواقع، فنحن حين نتكلم عن خالد بن الوليد لا نسيس المجلة، أو نجعلها دينية بقدر ما نقدم نماذج مشرفة للأطفال تصلح كقدوة لهم، كما أن هذه الأشياء مجمع عليها. وعلى الرغم من الأحداث والحروب التي تعيشها المنطقة تقول شهيرة «تراجع هذا الخط قليلا في السنوات الأخيرة، ربما لتراجع الأحداث السياسية التي تجمع العالم العربي»، وتضيف شهيرة: ولأن فكرة الشحذ السياسي تراجعت أيضا، وتضيف: في العام الماضي كانت مصر كلها تتحدث عن الانتخابات الرئاسية، ولم يكن معقولا، ألا تتحدث المجلة عن هذه التجربة، وقد تحدثنا عنها، ليس من باب تحفيز الأطفال على اختيار شخص معين، أو عمل غسيل لمخ الأطفال تجاه فكر محدد، ولكن بينا للأطفال أن رئيس الجمهورية شخص مثل أي شخص آخر، وأن أي طفل يمكنه أن يصبح رئيسا للجمهورية، لو فعل كذا وكذا، وقمنا بهذا من خلال شخصية سمير.

من يزور مجلة «سمير» الآن قد يحزن كثيرا، خاصة مع ضعف الإمكانيات المتاحة لها، فالمجلة التي علمت أجيالا كاملة لا تملك إلا جهاز كومبيوتر واحد يتم عليه إنجاز كل العمل الخاص بها، وتقول شهيرة «مع أن أقل مجلة أطفال يوجد بها عشرة كومبيوترات على الأقل»، وأضافت «لكن وجود هذا الكومبيوتر يعد إنجازا، فقد كافحنا طويلا حتى نحصل عليه»، ما يحزن شهيرة هو عدم الاهتمام العام بمجلات الأطفال، وتقول «لست راضية» ، وتتابع «لكن عندما قررنا الاحتفال بالعيد الخمسين للمجلة وهاتفت كبار الفنانين وجدتهم مستعدين للاحتفال بالمجلة، فالفنان حجازي أرسل لنا الغلاف الخاص بالاحتفالية بعد ثلاثة أيام من محادثتي له». تستعد «سمير» بـ 12 عددا تذكاريا يصدرون تباعا بواقع عدد كل شهر، على حد قول شهيرة وهي تبرر هذا بقولها «أن المجلة تملك كنزا من القصص والحكايات، وتحمل تاريخا كبيرا سنستعرض أهمه في هذه الأعداد».

قد يبدو طريفا أن نقول إن كل من تولى رئاسة تحرير مجلة «سمير» كن سيدات، وأمهات أيضا، مثل نتيلة راشد «ماما لبنى»، وهناك أيضا نادية نشأت «ماما نادية» أول رئيسة تحرير للمجلة، وجميلة كامل «ماما جميلة» لكن أصغر رئيسة تحرير للمجلة، وربما للمجلات المصرية كانت شهيرة خليل، وتبرر ذلك بقولها إنها عملت أثناء مرحلة الجامعة مديرة لتحرير مجلة «ميكي»، نفس الدار التي تصدر مجلة «سمير»، وفي الحجرة المجاورة لها، وربما ساعد حصولها على الدكتوراه في «صحافة الأطفال في مصر منذ 1870 وحتى عام 2000» من جامعة بارنيجتون الأميركية عام 2001 في ترشيحها لرئاسة التحرير عام 2002. التغييرات التي طرأت على «سمير» منذ تولي شهيرة رئاسة التحرير ربما كانت في الشكل والمضمون معا، وتقول «أصبحت المجلة بالألوان، وأصبحنا نعطي هدايا نوعية مع المجلة مثل الأقراص المدمجة، أو أفلام فيديو للأطفال، كما رفعنا المكافآت المادية». وتتابع «قد تكون المنافسة قوية في هذا المجال من بعض المجلات العربية التي تمنح مكافآت كبيرة، واستحدثنا أبوابا جديدة، مثل باب للكومبيوتر وآخر لمتابعة أخبار النجوم الجدد، وهناك بعض الأبواب القديمة التي تميز المجلة مثل «أحباب الله» فهذا طورناه، وهناك أيضا بعض الورش الفنية التي تقيمها المجلة للأطفال الموهوبين، وبعضهم نقوم بعمل بطاقات صحافية لهم، ونذهب للأطفال العاملين والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة». وتضيف «الأسبوع القادم سوف نذهب للأطفال الموقوفين في الأحداث». تطور «سمير» مؤخرا، وفضل أن يواكب العصر، الأطفال تفكيرهم اختلف أيضا على حد تعبير شهيرة، فنجد تهته في العدد الأخير من المجلة يدخل مسابقة ليصبح مطرب فيديو كليب، ونجد «سمير» يخوض مغامرات في الفضاء، يحمل موبايلا، ويرتدي بنطلون جينز، شهيرة تبدو سعيدة ببلوغ «سمير» نصف قرن، لكن من المؤكد أن هناك أجيالا كثيرة أكثر سعادة، لأنها تدين بأفضال كثيرة لمجلة أطفال العرب الشهيرة «سمير».