لا شيء مملا.. في فيتنام

براكريتي غوبتا

TT

بالرغم من أن الأرز هو اساس الطعام الفيتنامي، الا ان الطعام الفيتنامي ليس مملا. فالمطبخ هناك، متأثر بالمطبخ الفرنسي والصيني والتايلاندي، وهو إبداعي ويستفيد استفادة كبيرة من الاعشاب، ومن بينها عشب الليمون والريحان والكزبرة والبقدونس والليمون والفلفل الحار. ويقدم الحساء في كل وجبة تقريبا. ومع ان الطعام ليس مملا بالرغم من اعتماده على الارز، الا ان هذا ليس الخبر، فالخبر هو ان لا شيء ممل في فيتنام. فهذا البلد الذي ما زال العالم يذكره بوصفه البلد الفقير المعدوم الذي اجبر أكبر امبراطورية عسكرية في العالم على الانسحاب العسكري منه في مطلع السبعينات من القرن العشرين، يتطور بسرعة وبشكل مثير، حتى ان المراكز الاقتصادية العالمية، تؤكد ان فيتنام ستكون واحدة من أهم القوى الاقتصادية في العالم خلال سنوات قليلة، وبعضها يسميها «الصين الصغرى»، ففيتنام تشهد واحد من أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وهي تفتح اقتصادها للاستثمارات العالمية حتى ليكاد المرء ينسى انها في الواقع ما زالت تقول انها دولة شيوعية، كما ان طبقتها الوسطى تنمو بسرعة كبيرة، وهي كأية طبقة وسطى في العالم منفتحة على السوق العالمي، وعلى السلع الالكترونية، وعلى الافكار السياسة الليبرالية، لذلك ليس من المثير للعجب ان تشهد فيتنام، كما تشهد الصين صعودا للقوى السياسية الديمقراطية التي تدعو الى الانفتاح والاصلاح السياسي. و«فيتنام الاشتراكية» هي دولة شيوعية رسميا ذات حزب واحد، وبالرغم من انها شيوعية محافظة، الا انها اجرت بعض الاصلاحات في السنوات القليلة الماضية. ويرجع الاستقرار السياسي فيها الى قوة «الحزب الشيوعي لفيتنام» الحاكم. وعلى المستوى القيادي تدار فيتنام من قبل «ترويكا» مكونة من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي.

لكن تاريخيا لم تكن فيتنام دولة قوية، فقد كانت فرنسا تحتلها في الفترات الأكثر من القرن التاسع عشر، الى أن أعلنت فيتنام استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، غير ان فرنسا استمرت فعليا في حكم البلاد حتى هزيمتها في عام 1954 على يد القوات الشيوعية. وقد أدت هزيمة فرنسا في 5 مايو (ايار) 1954 الى تقسيم البلاد، وفقا لمعاهدة جنيف عام 1954 الى الشمال الشيوعي والجنوب الموالي للغرب. وفي الجنوب، قضى النظام على الملكية عام 1955. ولكنه لم يتمكن من القضاء على النظام الشيوعي في الشمال. وتحولت المناوشات بين الشمال والجنوب الى حرب واسعة النطاق مع تزايد التدخل الاميركي. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 1965، وقعت اول مواجهة عسكرية بين القوات الاميركية وفيتنام الشمالية، وبعد ذلك وفي ابريل (نيسان) 1970، غزت قوات فيتنام الجنوبية والقوات الاميركية كمبوديا لضرب قوات فيتنام الشمالية.

غير ان الحرب كانت مكلفة جدا، وشكلت لاميركا محنة لا يمكن الاستمرار فيها. وفي عام 1973 وقعت كل من اميركا وفيتنام الجنوبية والشمالية اتفاقيات باريس للسلام، التي انهت الدور العسكري الاميركي في فيتنام. وفي مارس (اذار) 1973 غادر آخر جندي اميركي فيتنام. واستولت قوات فيتنام الشمالية على «سايغون»، واستسلمت فيتنام الجنوبية للشمال، وانتهت الحرب، وأعيد توحيد البلد تحت السيطرة الشيوعية وتشكلت جمهورية فيتنام الاشتراكية في ابريل 1975. وخلال العشرين عاما الماضية، وبسبب التطوير المتواصل تحت قيادة الحزب الشيوعي، حدثت تغييرات ايجابية، وتحولت فيتنام الى دولة اذات اقتصاد قوي ونمو مستقر.ومنذ عام 1986 تمر فيتنام بمرحلة التحول من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق. وطبقا لهذه الاصلاحات المعروفة بإسم «دوي موي» سمح للقطاع الخاص بالعمل لكن على نطاق محدود. وتطورت القوانين التي تحكم الاقتصاد، والمتعلقة بقبول قوى السوق باعتبارها العامل المتحكم في الاسعار والانتاج، كما تم افتتاح سوق للاوراق المالية عام 2000. ويتراوح معدل النمو الاقتصادي منذ اوائل التسعينات بين 6 و8% سنويا. وفيتنام مثل الصين في نقطة اخرى وهي ان الازدهار الاقتصادي الذي تشهده لا يعتمد علي نجاح صناعة محددة، مثل التكنولوجيا المتقدمة او صناعة النسيج. بل يشمل مزارع البن والانتاج الزراعي، ومزارع الاسماك، والأعمال التجارية الصغيرة، والحرفيين الصغار والسياحة وغيرها من النشاطات التجارية والاستثمارية، التي تزايدت فى فيتنام. وحاليا تعتبر الولايات المتحدة الشريك التجاري الاول لفيتنام. وفي المدن، ينمو السوق الاستهلاكي بطريقة مضطردة، بسبب رغبة الشباب والطبقة المتوسطة في الحصول البضائع الاليكترونية والفاخرة. ومنذ عام 2001، اكدت السلطات الفيتنامية التزامها بالتحرر الاقتصادي والاندماج الدولي. وقد تحركت السلطات لتطبيق الاصلاحات الهيكلية المطلوبة لتحديث الاقتصاد وتأسيس المزيد من الصناعات التصديرية، وجذب رؤوس الاموال الدولية. وأدت عضوية فيتنام في اتحاد دول جنوب شرق اسيا ومنطقة التجارة الحرة وتوصلها الى اتفاقية التجارية الثنائية الاميركية الفيتنامية عام2001 الى المزيد من التغييرات في النظام التجاري الفيتنامي والاقتصادي. فقد تضاعفت صادرت فيتنام للولايات المتحدة بين عامي 2002 و2003. وتأمل فيتنام في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية في العام الحالي. وتقود الحكومة جهودا كبيرة لمواجهة الفساد والجريمة المنظمة. وللدلالة على المزاج المتزايد للتوجه نحو اقتصاد السوق والانفتاح على العالم، فإن رئيس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، الذي كان في زيارة لفيتنام قبل أيام، تصادف وجوده مع الاحتفالات بعيد ميلاد لينين، كما تصادف أيضا مع انعقاد مؤتمر هام للحزب الشيوعي الحاكم، إلا أن رئيس البلاد، ورئيس الوزراء ونائبه استأذنوا مبكرا من حفل عيد ميلاد لينين لملاقاة غيتس الذى يعامل في فيتنام على انه أهم سوبر ستار في العالم، لدرجة أن الآلاف اصطفوا على الطرقات لإلقاء نظرة عليه وتحيته. أما على الصعيد السياسي، فيوجد احساس متزايد بأهمية التحول للديموقراطية على مستوى القاعدة. ومن المتوقع ظهور حركة بطيئة وثابتة نحو نظام اكثر انفتاحا وشفافية، لكن في اطار حكم الحزب الواحد. ولا تعود مطالب الفيتناميين لمزيد من الحريات السياسية فقط الى نمو الطبقة الوسطى في البلاد، بل ايضا الى تعدد الاعراق في البلاد الامر الذي يحتم قوانين تحمي وتحترم حريات وحقوق الاقليات العرقية. وتاريخيا يرجع اصل الفيتناميين الى المغول البدو من الصين، ومجموعات من المهاجرين من اندونيسيا. وطبقا للاساطير، فإن اول حكام فيتنام كان هونغ فونغ، الذي اسس البلاد في عام 2879 قبل الميلاد. وقد حكمت الصين البلاد التي كانت معروفة باسم «نام فيت» كدولة تابعة من 111 قبل الميلاد الى القرن الخامس عشر، وهي الفترة التي شاهدت التوسع الوطني، عندما تم طرد الكمبوديين من المناطق الجنوبية لما يعرف الآن باسم فيتنام. وبعدها بقرن كان البرتغاليون اول دولة اوروبية تدخل المنطقة. واليوم يعيش اكثر من 80 مليون شخص في فيتنام، 80% منهم فيتناميون، اما الباقي فيمثلون 50 مجموعة عرقية. و7 ملايين من تلك الأقليات العرقية ينتمون الى قبائل التلال المعروفة باسم «مونتاجناردز» (التي تعني بالفرنسية شعوب الجبال)، ويعيشون في جبال الشمال والوسط الرائعة. اما اللغات المستخدمة في فيتنام، بالاضافة الى الفيتنامية (لغة مرنة وشاعرية، ويلعب الشعر دورا قويا في كل من الادب والفنون التمثيلية)، فهي الصينية والانجليزية والفرنسية والروسية. ويوجد في فيتنام مجموعة متشابكة من المعتقدات، مزيج من البوذية والكونفوشية والمعتقدات التقليدية المحلية والكاثوليكية. وبالرغم من ان الحكومة الشيوعية لا تشجع ممارسة الشعائر الدينية، فإنها تتسامح مع الجماعات البوذية والكاثوليكية التي تنظمها الحكومة، ومنذ عام 1990 بدأت السلطات في تشجيع العبادات التقليدية. ويصل عدد المسلمين في فيتنام لنحو 50 الف شخص. وأهم الاحتفالات احتفال رأس السنة القمرية المعروف باسم «تيت» الذي يجري عادة في اواخر يناير (كانون الثاني) أو اوائل فبراير (شباط).