حينما التقيا لأول مرة طمأن الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش رئيس وزراء إسرائيل السابق آرييل شارون إنه لن يتبع خطوات أبيه.
فبوش الأب كان متشددا مع إسرائيل خصوصا في ما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي ساعد شارون على بنائها. لكن من خلال جلسة شاي في المكتب البيضاوي أثناء أحد أيام مارس (آذار) 2001 ـ قبل ستة أشهر من وقوع هجمات 11 سبتمبر التي عمقت الأواصر بينهما ـ أشار الرئيس بوش الإبن إلى موقف قوي في دعم إسرائيل.
وقال أحد الأشخاص الذين حضروا ذلك اللقاء، وطلب عدم الكشف عن هويته، «إن بوش الإبن قال لشارون في أول لقاء لهما: سأستخدم القوة لحماية إسرائيل، وكان ذلك صدمة للجميع. وكان شعور الحاضرين: غريب، من أين جاء هذا الكلام؟» ويشكل احتضان إسرائيل اختلافا في الأجيال والفلسفة بين بوش الأب وبوش الابن، وهذا ما أدى إلى احتكاك متواصل بين معسكريهما اللذين يضمان مستشارين وموالين حول السياسة الخارجية بشكل عام. ومع استمرار بوش الإبن في الوقوف إلى جنب إسرائيل في حملتها ضد حزب الله ـ حتى بعد هجوم نهاية الأسبوع الذي أدى إلى قتل حوالي 60 من المدنيين اللبنانيين في قانا وأثار حملة إدانة دولية كبيرة ـ بدأ بعض مستشاري بوش الأب بالتعبير عن انزعاجهم الكبير تجاه سياسات بوش الإبن في ما يتعلق إسرائيل.
وضمن هذا السياق، قال ريتشارد هاس الذي عمل مستشارا للرئيس بوش الأب حول الشرق الأوسط ثم عمل مسؤولا رفيعا في وزارة الخارجية خلال فترة حكم بوش الإبن الأولى «المعالجة الحالية للأزمة لا تؤول إلى أي حل للأزمة بل تعمق من الأزمة. هناك أوقات تبرر استخدام سياسة عدم التدخل. لكن بالنسبة إلي الوضع الحالي لا ينطبق هذا الموقف عليه».
وعلى عكس الرئيس بوش الأب الذي كان يرى نفسه حكما محايدا بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط، فإن الرئيس الحالي يرى دوره من خلال منظور محاربة الإرهاب. وبوش الإبن على عكس أبيه لديه جذور عميقة في الأوساط الانجليكانية المسيحية، وهذا مكون أساسي بالنسبة لقاعدته الجماهيرية المحافظة التي تنتمي إلى الحزب الجمهوري.
وكان بوش الأب قد وصل إلى البيت الأبيض مع خبرة دبلوماسية طويلة وأواصر قوية مع الزعماء العرب ويحمل رؤية سياسية واقعية تعتبر أن على الولايات المتحدة أن تلتزم بمصالحها الاستراتيجية لا تلك الأهداف العامة مثل الديمقراطية حتى لو عنى ذلك التفاوض مع أنظمة مثل سورية وإيران.
إلا أن الرئيس بوش الإبن أقصى تماما سورية وإيران جامعا معا محاربته للإرهاب مع هدف تحقيق ما أسمته وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بـ«الشرق الأوسط الجديد». لكن باصطفافه الكامل مع إسرائيل ابتعد بوش الإبن ليس فقط عن أسلوب أبيه بل من كل الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، والذين رأوا أنفسهم قبل كل شيء كوسطاء في المنطقة.
وفي خطاب ألقاه يوم الاثنين الماضي بميامي انتقد الرئيس بوش ضمنيا أسلوب أبيه في معالجة شؤون الشرق الأوسط، إذ قال «الأزمة الحالية هي جزء من صراع أكبر بين قوى الحرية وقوى الإرهاب في الشرق الأوسط. فلعقود سمحت سياسة الأمر الواقع للاستبداد والإرهاب أن يزدهرا. ومثلما رأينا في 11 سبتمبر فقد أدى الأمر الواقع في الشرق الأوسط إلى موت وتدمير داخل الولايات المتحدة».
والآن، ومع تنامي الضغط على بوش الإبن من قبل الزعماء العرب والحلفاء الأوروبيين لإنهاء الموجة الحالية من العنف، دفعت الفجوة القائمة بين تصورات الأب والابن بعض المستشارين إلى توجيه انتقادات. وقال آرون ديفيد ميلر المفاوض العربي ـ الإسرائيلي لإدارتي بوش الأب وبوش الابن والذي يقيم عاليا أداء جيمس بيكر وزير خارجية بوش الأب «هناك خطر حينما لا يكون هناك أي فرق بين حكومتي إسرائيل والولايات المتحدة. لم يكن بوش الأول وجيمس بيكر سيسمحان بوقوع ما يجري حاليا».
كذلك هناك مستشارون آخرون عملوا مع بوش الأب وجهوا انتقادات للإدارة الحالية بسبب وضعها «للعمل الدبلوماسي جانبا اعتقادا منها أن نظاما مختلفا معها سيسقط» وفق كلمات هاس.
وفيما إذا كانت الخلافات ستتسع أم تضيق بين الأب والإبن فإن ذلك غير واضح. إذ ظل الرئيس الحالي بوش منتقدا للسياسات المتعلقة بالشرق الأوسط والتي كان أسلافه الرؤساء من كلا الحزبين قد اتبعوها، لكنه لم ينتقد أبدا أباه بشكل صريح. ومن جانبه ظل الرئيس بوش الأب ملتزما دائما بعدم التعليق على إدارة ابنه. لكن المتحدث باسمه، توم فريشتن قال إنه يدعم بوش الابن «100%».
ولم يجب برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق، الذي ظل ينتقد علنا الرئيس الحالي بشأن العراق، على المكالمات الهاتفية للتعليق على سياسة بوش الإبن في الأزمة الراهنة. وقد كتب سكوكروفت مقال رأي في «واشنطن بوست» يوم الأحد الماضي يدعو فيه الولايات المتحدة إلى «استثمار هذه الفرصة» للتوصل إلى تسوية شاملة لحل النزاع القائم منذ ما يزيد على نصف قرن بين إسرائيل والفلسطينيين. كما أن جيمس بيكر لم يجب هو الآخر على المكالمات.
وتعود الفوارق بين الأب والإبن، في جانب منها، إلى الأسلوب. وقال ويليام كريستول المفكر المحافظ الجديد الذي عمل في إدارة بوش الأول وهو الآن رئيس تحرير «الويكلي ستاندارد» إن «بوش الأب كان من جيل معين من الزعماء السياسيين وأنماط مؤسسات السياسة الخارجية. وكانت لديه سنوات كثيرة من التعامل مع حكومات عربية بارزة، وكان قريبا من العائلة المالكة السعودية. أما الابن فأقل ميلاً من ذلك في هذا المجال، إذ لديه تعاطف أكبر بكثير مع اسرائيل».
ويقول مساعدو بوش إن التعاطف يمكن أن يعود جزئيا إلى زيارته الأولى والوحيدة إلى إسرائيل عام 1998 وكان وقتها حاكما لتكساس يومئذ. فقد صعد يومها إلى طائرة هليكوبتر، وكان دليله في الرحلة شارون الذي كان وزير خارجية يومئذ، وكان بوش ينظر من النافذة، وقد أذهله أن تبدو إسرائيل صغيرة ومعرضة إلى المخاطر.
وقال آري فلايشر، السكرتير الصحافي السابق للبيت الأبيض «انه (بوش) عندما قام بجولته تلك نظر من النافذة وفكر: لدينا في تكساس طرق خاصة أطول من ذلك. وبعد أن هوجمت الولايات المتحدة أدرك ماذا يعني شن هجوم على إسرائيل».
ويقول آخرون إن بوش لا ينظر إلى إسرائيل عبر إيمانه المسيحي. وذكر مارتن انديك، الذي كان سفيرا لدى إسرائيل في عهد بيل كلينتون واحتفظ بذلك المنصب فترة اشهر في عهد الرئيس بوش الإبن، انه «توجد رابطة ذات طابع ديني بإسرائيل يشعر فيها، كرئيس، بمسؤولية تجاه بقاء إسرائيل». كما أشار إلى أن سياسات الجمهوريين تنعكس أيضاً على موقف بوش، قائلا إن بوش الإبن جاء إلى منصبه عازما على بناء قاعدته المسيحية.
إلا أن المتحدث باسم البيت الأبيض، توني سنو، نفى هذه الفكرة وقال للصحافيين الأسبوع الماضي ان بوش لا ينظر إلى النزاع الحالي من «زاوية دينية». لعب بوش الإبن إلى حد ما في البداية دور صانع السلام التقليدي في المنطقة خصوصا فيما يتعلق بالتعامل إزاء العلاقات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إذ نادى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وصياغة «خريطة طريق» لتحقيق سلام دائم وانتقد بعض سياسات شارون. بيد انه وضع فارقا حادا بين نزاعات الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال ما يعتبره منظمات إرهابية. فبعد أن أصبح رئيسا رفض استقبال ياسر عرفات وقطع معه أي صلة منذ مطلع عام 2002 اثر عثور البحرية الإسرائيلية على سفينة كانت تحمل أسلحة إلى «السلطة الفلسطينية»، ويشير ذلك إلى الطريقة التي يتعامل بها مع «حزب الله» حاليا. سياسات بوش الأب كانت أكثر اهتماما بالأهداف التقليدية للسلام، أو الاستقرار على الأقل، في منطقة الشرق الأوسط. فالعلاقات بين بوش الأب ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق شامير وصلت إلى أدنى درجة عندما رفض بوش الأب منح إسرائيل مبلغ 10 مليارات دولارات كضمانات قروض بغرض إعادة توطين اليهود السوفيات. كما أن جيمس بيكر وصل إلى درجة من الإحباط مع مسؤولين إسرائيليين عندما كان وزيرا للخارجية إلى حد انه قال بصوت عال إنهم يعرفون رقم هاتفه وأبلغهم بأن يتصلوا به عندما يصبحون أكثر جدية بشأن السلام في الشرق الأوسط. إلا ان لدى بوش الإبن علاقات أكثر ودا مع الجانب الإسرائيلي، خصوصا عقب هجمات 11 سبتمبر. إذ يقول شاي فيلدمان، وهو أستاذ بجامعة برانديس، إن أحداث 11 سبتمبر دفعت الرئيس بوش إلى ربط نفسه بإسرائيل من منطلق أن الأميركيين باتوا يشعرون لأول مرة ما ظل يشعر به الإسرائيليون باستمرار. ويضيف فيلدمان إن الرئيس بوش يحظى في إسرائيل بتقدير هائل.
* خدمة «نيويورك تايمز»