تصاعد ردود الفعل الغاضبة على تصريحات البابا في العالم الإسلامي

علماء مسلمون ينتقدون.. والنائب البطريركي يقول إن التصريحات انتزعت من سياقها

TT

تصاعدت ردود الفعل الغاضبة على تصريحات البابا بنديكت السادس حول الاسلام، امس، في العالم الاسلامي، حيث رأى فيه عدد من رجال الدين «إساءة» للاسلام. وكان البابا قد انتقد ضمنا في محاضرة ألقاها الثلاثاء الماضي خلال زيارته ألمانيا علاقة الاسلام بالعنف و«الجهاد» خصوصا.

ولم يخفف البيان الذي صدر مساء الخميس في قاعة الصحافة في الفاتيكان بعد ساعات من عودة البابا من زيارته الى بافاريا، من تصاعد ردود الفعل التي تنم عن الاستياء من جانب رجال الدين المسلمين من الهند الى باكستان ومن المغرب الى قطر.

وفي الرياض، أعربت الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن أسفها الشديد لما ورد على لسان بابا الفاتيكان، وتجاهله بشكل متعمد مبادئ الإسلام السمحة وتعاليمه الإنسانية التي تحث على المحبة والسلام لا العنف والبغضاء.

وأضافت الأمانة العامة لمجلس التعاون، في بيان صدر عنها أمس، إن خطورة مثل هذه الأقاويل أنها تأتي من شخص في مكانة بابا الفاتيكان، وفي وقت كثرت فيه الحملات التي تمس مشاعر المسلمين، والتي لا تثير إلا نعرات التطرف الديني والعداء والتنافر بين الأديان، وذلك في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الحوار والتعايش والسلام. وفي القاهرة، أعرب الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الازهر عن بالغ استيائه لما نسب لبابا الفاتيكان. وقال طنطاوي في بيان أصدره أمس إن الازهر يؤكد أن هذه التصريحات تنم عن جهل واضح بالاسلام وتنسب إليه ما ليس فيه ولا تسهم على نحو بناء في تعزيز الحوار بين أديان العالم وحضاراته وثقافاته. وطلبت مصر من سفيرها في الفاتيكان استيضاح تصريحات البابا.

وطلبت المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الايسيسكو» من البابا تقديم اعتذاره على «ما جاء على لسانه من اقوال تسيء الى رسول الله محمد».

كما انتقد علماء أزهريون وأساقفة مصريون حديث البابا. وقال علماء الأزهر إن حديث بابا الفاتيكان صدم المسلمين.. ودعوه إلى التخلي عن التعصب الديني والإساءة إلى الإسلام والتحلي بروح التسامح، فيما أكد الأساقفة أن العقيدة المسيحية لا تسمح بالهجوم علي العقائد الأخرى أو الإساءة لأحد في عقيدته، وقالوا «من ينتقد ويهاجم الديانات الأخرى يصبح خارجا عن التعليم المسيحي»، بينما قال الأنبا يوحنا قلته النائب البطريركي للطائفة الكاثوليكية بمصر، إن حديث بابا الفاتيكان انتزع من سياقه، وأنه استعان في محاضرته بحوار دار بين الإمبراطور عمانوئيل الثاني البيزنطي وبين أحد حكماء الفرس المسلمين عام 1391 عن مفهوم الله في الإسلام، وأضاف: لقد نقل البابا بنديكت الحوار بنصه، وكانت الحوارات الشديدة اللهجة التي تعتمد على التجريح والنقد اللاذع هي السائدة في تلك الفترة، وقد اعتمد عليها البابا ليقول إن الجماعات الإسلامية يمثلون أيديولوجية ولا يمثلون ديانة.

ووصف الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر (هيئة كبار العلماء)، حديث بابا الفاتيكان «بأنه حديث متعصب قد يخلف آثارا سلبية على نتائج الحوار بين الإسلام والفاتيكان»، وقال إن مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ربما يعقد جلسة طارئة للرد على هذا الحديث.

وأعرب وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عن خشيته من أن تؤدي تصريحات بابا الفاتيكان أخيرا حول الإسلام إذا ما ثبتت صحتها، إلى تأجيج دعاوى الصدام بين الحضارات وزعزعة الجهود التي تبذل للتقريب بين الغرب والشرق. فيما أعلن 115 نائبا بالبرلمان المصري رفضهم لتصريحات البابا.

وفي بيروت، رد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني على كلام البابا. ورأى ان «ادعاء نشر الدين بالسيف يصدر عن جهل، او يقصد تشويه حقيقة الدين الاسلامي»، مشيراً الى «الفارق بين اتساع رقعة الدولة الاسلامية بالحرب وبين انتشار عقيدة الاسلام», في حين استدعى رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان واستوضحه أبعاد كلام البابا.

كما أصدر المفتي قباني أمس بياناً قال فيه: «إن ما صدر عن البابا بنديكت السادس عشر في محاضرته اخيراً ان تعاليم الإسلام لا تخضع لإعمال العقل، وان الفكر الإسلامي يرفض العمل بما ينسجم مع العقل، كما أن قوله ان الإسلام قد انتشر بحد السيف، كله غير صحيح بنصوص القرآن والسنةَ».واعتبر الشيخ محمد حسين فضل الله في المرجع الشيعي اللبناني خطبة الجمعة في ضاحية بيروت الجنوبية أن «الكلام المنسوب الى البابا يدل على انه لا يملك ثقافة علمية موضوعية عن الاسلام»، وطلب منه ان «يقدم الاعتذار شخصيا للمسلمين على هذه القراءة الخاطئة التي لا نريد لموقعه الديني ان يقدمها للعالم».

وفي غزة قال رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية للصحافيين «باسم الشعب الفلسطيني أعبر عن تنديدنا واستنكارنا للتصريحات التي صدرت عن سيادة البابا حول الاسلام كعقيدة وشريعة»، معتبرا ان تصريحات بابا الفاتيكان «جافت الحقيقة ومست جوهر العقيدة وأساءت الى التاريخ الاسلامي»، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وفي طهران انتقد رجل الدين الايراني المحافظ احمد خاتمي تصريحات البابا، وحذر من ان المسلمين سيردون. وفي العراق استنكر أئمة مساجد سنية خلال خطب الجمعة «تطاول» البابا بنديكت السادس عشر على الاسلام والنبي محمد. وطالب الشيخ محمود العيساوي امام الحضرة القادرية في بغداد الدول الاسلامية «بطرد سفراء الفاتيكان وعدم التهاون مع أمر كهذا».

من جهته، قال الشيخ طه العبيدي إمام مسجد منذر الشاوي «قبل أشهر أساءت الصحافة للرسول وكنا نلتمس الاعذار لها كونهم لا يمثلون الديانة النصرانية، لكننا فوجئنا البارحة أن الرجل الاول في النصرانية والقائد الديني والروحي الأول يقول كلمة يهتز لها عرش الرحمن».

وفي عمان اعتبر وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية في الاردن عبد الفتاح صلاح، تصريحات البابا بنديكت السادس عشر «مسيئة للغاية ومرفوضة»، مطالبا الفاتيكان «بتحديد موقفه من هذه التصريحات وبشكل فوري». وأضاف «نستغرب كل الاستغراب أنها تأتي بعد مرحلة تم فيها الكثير من الانجاز في مجال تعزيز حوار الاديان ابان حياة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، والذي يؤمن مثلنا بضرورة التعايش السلمي بين الديانات والحوار فيما بيننا».

وطالبت منظمة المؤتمر الاسلامي الخميس، البابا بتوضيح موقفه، فيما اعتبر العديد من الشخصيات المسلمة كلامه مسيئا للاسلام، وطالبته بالاعتذار عنها.

وردا على موجة الاستياء التي أثارها كلام البابا، اكد الناطق باسم الفاتيكان ان بنديكت السادس عشر، يحترم الاسلام، لكنه «حريص على رفض استخدام الدافع الديني مبررا للعنف».

وفي دمشق بعث مفتي سورية احمد بدر الدين حسون برسالة الى البابا يطلب فيها «استيضاح» ما نسب اليه من «كلام يثير اشكالات فكرية وثقافية ودينية بين أتباع الديانات السماوية». وقال المفتي حسون في رسالته التي سلمت لسفارة الفاتيكان في دمشق «نتوقع ان يكون ما نسب لقداستكم غير صحيح، ونأمل في ان نكون جميعا متعاونين على نشر قيم السماء التي تدعو الى التآلف والتعاون، وان يكون الفاتيكان مصدرا للسلام العالمي كما الاسلام مصدر للسلام والمحبة والخير».

وفي باكستان تبنى البرلمان الباكستاني قرارا يطلب من البابا «سحب تصريحاته» التي تربط الاسلام بالعنف، في حين نددت وزارة الخارجية بما سمته «جهل» بابا الفاتيكان في ما يتعلق بالديانة الاسلامية.

وفي الهند رأت اللجنة الوطنية للأقليات أن تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول الاسلام تشبه الدعوة التي اطلقت لـ«الحملات الصليبية في القرون الوسطى».