«في مصادر التراث الاقتصادي الإسلامي» يقدم دراسة إحصائية جديدة لنصوص التراث

TT

يرى الباحث الاردني ياسر الحوراني ان الجانب الاقتصادي في الحياة البشرية يعكس تأثيرا ملحوظا على منظومة القيم والاوضاع السائدة في المجتمع الانساني. وهذا الجانب الذي له تأثير على اعادة تشكيل وصياغة معالم الحياة المدنية المعاصرة ينطوي على مجموعة كثيرة من التفريعات الاجتماعية والاسس الايديولوجية التي تتمخض في كثير من الاحيان عن احداث كيانات مجتمعة ذات مناهج ونظم ثقافية محددة ومميزة عن غيرها. ويسهم العامل او الجانب الاقتصادي في بلورة التطور التاريخي لنشأة الدولة وتحديد النفوذ السياسي الذي تتمتع به في اطار علاقتها بالدول الاخرى الى جانب كشف فرص التقدم والرخاء اللازمة لاستمرارية الحياة وفق معايير وخيارات انسانية عادلة ومثالية.

وفي ضوء هذا التصور يعتقد الحوراني بضرورة ايلاء الاقتصاد الاسلامي اهمية فائقة وفي الوقت الذي يعتقد البعض ان الاسلام خلا من الرؤية الاقتصادية الفاعلة في المجتمع فان الرد الوحيد بازاء هكذا اوهام هو العودة الى مصادر الاسلام الاقتصادية واحيائها مجددا لانها تمثل قطاعا معرفيا ضخما في تراثنا الاسلامي.

والعودة الى المصادر الاقتصادية الاسلامية هي موضوع كتابه الجديد الصادر عن المعهد العالمي للفكر الاسلامي ـ مكتب عمان بعنوان «في مصادر التراث الاقتصادي الاسلامي».

في توطئته للكتاب اكد المؤلف على ان الحديث عن مصادر التراث وضبطه من مظانه ومراجعه التاريخية يحتاجان الى اجراء فحص يدوي واعادة دراسة موضوعية شاملة للاحاطة بالموضوع محل البحث من جميع جوانبه المختلفة وان الدراسة والبحث في توثيق المصادر الاقتصادية في التراث الاسلامي لم يأخذ القدر نفسه من الاهتمام العلمي الذي حظيت به فروع العلوم الاخرى مما ابقى الدراسة الاقتصادية التاريخية في زوايا مخفية ظلت مطموسة منذ عهد بعيد باستثناء العدد الضئيل من المصنفات المخطوطة التي حظيت باهتمام بعض الباحثين والمحققين، ما زال النصيب الوافر من العدد الكبير مغمورا في نطاق المخطوطات التي تحتاج الى عملية احياء من جديد مواكبة لتطور المجتمع ومعطياته المعاصرة ومحافظة على السياق التاريخي نفسه.

لغرض استقصاء هذه المصادر يعود المؤلف الى امهات المؤلفات التراثية التي ارخت لتأليف العرب والمسلمين مثل: الفهرست لابن النديم وكشف الظنون للحاجي خليفة وايضاح المكنون لاسماعيل البغدادي وهدية العارفين للمؤلف نفسه فضلا مصنفات اخرى في هذا المجال. كذلك يعود الى المسارد والفهارس التي ارخت لعيون تراثنا العربي الاسلامي ويعود من هذه المسارد لنحو خمسة واربعين مرجعا، ومن ثم يمضي الباحث الى تقديم خصائص الفهارس والمصادر الاقتصادية من حيث التوزيع الكمي العام والخاص للدراسات المعاصرة حول الموضوع والتوزيع النوعي لها كذلك تكرارية الدراسات وتقليديتها والجوانب التخصصية فيها ومحتوى الاصالة العلمية والروح الموسوعية ومن كل ذلك توصل الباحث الى وجود اختلالات في اتجاهات واساليب البحث العلمي في هذا المجال واختلالات اخرى تظهر من خلال النزعة الانتقائية والتعميم في الدراسة الاقتصادية لهذه المصادر وطبيعة حقول البحث المطروحة وترك موضوعات ذات اهمية قصوى تزخر بها المصادر التراثية الى جانب اشكالات تتضح من خلال التكرار التقليدي والاضافة التراكمية لدراسات سابقة وعدم طرح موضوعات مستقلة متفردة في المجال الاقتصادي الا بنسبة لا تتجاوز 11% وتنحصر هذه الدراسات المعاصرة في اطر ضيقة جدا لا تتسع للمفاهيم الحديثة القائمة على الاصالة والجدية في طرح الموضوعات.

ان الجهد الاكبر الذي بذله الحوراني انما يكمن في تقديمه سردا تفصيليا للمصادر العربية المتخصصة في التراث الاقتصادي الاسلامي تضمن 298 مصدرا يعود اولها الى القرن الثاني الهجري اي النصوص الاقتصادية التي وضعها ابو حمزة الثمالي الكوفي وهو احد رجال الحديث والتفسير الثقات، توفي نحو عام 150 هجرية اما اخر المصادر فهو كتاب (دليل التجار الى اخلاق الاخيار) لمؤلفه بسام عبد الوهاب الجأبي الذي نشره عام 1987. اما في الفصل الثاني فان المؤلف يقدم سردا لنحو 155 عنوان كتاب مجهول المؤلف ولم يعرف سنة تأليفها تناولت موضوعات اقتصادية في ضوء المرجعية الاسلامية.

ومن كل ذلك يصل الحوراني الى النتائج الآتية:

1 ـ نتيجة للواقع العلمي غير المخطط في دراسة الاقتصاد الاسلامي يتحتم وجود مركز علمي او مؤسسة اسلامية اكاديمية تعنى بالمحافظة على توجيه الدراسة والبحوث في الجانب الاقتصادي وقد تكون هذه المؤسسة جزءا من اهداف مؤسسة تراثية عامة.

2 ـ ضرورة التنسيق بين مراكز البحث على اختلاف انواعها في عملية استكشاف التراث الاقتصادي وتصميم خطط بحثية متكاملة وممنهجة بطرق علمية سليمة لتجاوز كثير من اختلالات العلاقة بالتراث الاقتصادي الاسلامي واعادة مسار الباحثين وتصويبه في اتجاهات صحيحة.

3 ـ ما تزال الحاجة قائمة الى وجود دوريات متخصصة في مجال التراث الاقتصادي واحياء مصادره في الاسلام بحيث تتبنى اليات عمل لتطوير مهمة البحوث في مجال الدراسات التراثية المقارنة ونشر الرسائل المحققة منها والاسهام في وضع مسارد وفهارس تحليلية تخدم اغراض الباحثين في مجال التراث.

4 ـ وقد ظهر من خلال البحث تنوع مصادر التراث الاقتصادي وفي المقابل تركز او انكماش الدراسات المعاصرة في مجالات محددة وبحوث مكررة ومسبوقة بجهد اخرين الى جانب العديد من الاختلالات التي اوضحها التقييم الاحصائي في هذا الكتاب مما يستوجب اعادة النظر والانطلاق برؤية اكثر شمولا عند الشروع بدراسة التراث الاقتصادي بوجه خاص والفكر الاقتصادي الاسلامي بوجه عام.