أكاديمي بريطاني يكشف صورا فضائية تفضح عملية تجفيف الأهوار العراقية

البارونة نيكلسون: صدام حسين يرتكب جريمة ضد الإنسانية

TT

كشفت ايما نيكلسون عضو البرلمان البريطاني والمسؤولة عن الملف العراقي في البرلمان الاوروبي عن المخاطر التي يتعرض لها سكان منطقة المستنقعات (الاهوار) في جنوب العراق والتي تقوم الحكومة العراقية بتجفيفها منذ عام 1994.

وقالت نيكلسون التي تدير «مؤسسة عمار الخيرية» في لندن في حوار مع «الشرق الأوسط» اول من امس انها نبهت منذ وقت مبكر في عام 1994 الى المخاطر الحياتية والبيئية التي تنتج عن عمليات تجفيف الاهوار، مشيرة الى ان «جرائم صدام عديدة ومنها استنزاف عرب جنوب الاهوار».

الى ذلك نبه الدكتور جيمس برازنكتون، الاكاديمي في قسم الجغرافيا بجامعة كامبريدج، الى ان اعمالا هندسية جديدة تجري في مناطق اهوار الحويزة المتاخمة للحدود العراقية ـ الايرانية لتجفيف وسحب المياه المتبقية هناك عن طريق نهر «ام المعارك» الذي شقته السلطات العراقية.

واعتمد الدكتور برازنكتون على صور فضائية التقطتها وكالة الفضاء الاميركية (ناسا)، حيث شرح في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» اول من امس في مقر مؤسسة عمار الخيرية في لندن العمليات التي تجري لتجفيف الاهوار والتي ابتدأت منذ عام 1985 حسب الصور الملتقطة بواسطة الاقمار الصناعية.

وقال ان هذه الصور التي توضح جفاف اكثر من 90 في المائة من حياة الاهوار بديء في التقاطها منذ عام 1977، وهي توضح بدقة متناهية نسب جفاف مياه الاهوار بجنوب العراق.

وحسب الصور الفضائية فان الموجات الشعاعية توضح ما اذا كانت هناك مياه او مناطق عميقة او سطحية او ان المناطق جافة تماما. واشار الدكتور برازنكتون الى ان اللون الداكن يعني وجود مناطق مياه عميقة وعندما تخف الالوان فهذا يعني وجود مياه سطحية، اما اذا كان اللون فاتحا فهذا يعني ان الارض جافة تماما.

وأكد الاكاديمي البريطاني الحاجة الى دراسات ميدانية على الارض توضح نسب هذا الجفاف بدقة اكثر، وقال «نحن بحاجة الى اشخاص على الارض للحصول على معلومات دقيقة نقارنها بالمعلومات التي نحصل عليها عن طريق الاقمار الصناعية».

وكشف الدكتور برازنكتون عن صور لهور الحمار، وهو اكبر اهوار العراق، التقطت عام 1985، حيث بدأت عمليات التجفيف بصورة سرية وقارن بينها وبين صور التقطت عام 2000، حيث توضح الاخيرة جفاف هذا الهور الكبير الى جانب تجفيف قسم من اهوار الحويزة التي تقع بين الاراضي العراقية والايرانية، وقال «في عام 2000 حسب هذه الصور والمعلومات فان كل الاهوار تعرضت الى الجفاف».

وأكد الدكتور برازنكتون ان النهر الثالث (نهر صدام حسين) ونهر (ام المعارك) يسحبان المياه من نهري دجلة والفرات مباشرة، حيث اقيمت السدود الترابية على منافذ تسرب المياه الى الاهوار والتي كانت تتزود من روافد صغيرة من نهري دجلة والفرات الى جانب المياه الزائدة نتيجة الفيضانات.

وقال ان اعمالا هندسية جديدة تم التقاط صور لها توضح قيام السلطات العراقية بشق مجرى جديد لسحب ما تبقى من مياه اهوار الحويزة التي ما تزال تحتفظ ببعض المياه كونها بعيدة وتقع عند الحدود العراقية ـ الايرانية، الا ان الاعمال الهندسية الاخيرة تكشف عن جفاف حتى هور الحويزة حسب الصور الملتقطة عام 2000.

وأكد الدكتور برازنكتون ان النهر الثالث ونهر «ام المعارك» يصبان في الخليج مباشرة عن طريق نهر البصرة، وهذا ما يقلل من نسبة المياه التي يجب ان تصب في شط العرب عند مدينة القرنة موقع التقاء نهري دجلة والفرات، مشيرا الى النتائج البيئية الخطيرة التي تسببها هذه العمليات.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» قالت البارونة ايما نيكلسون انها تعمل منذ عشر سنوات على كشف سياسات الرئيس العراقي صدام حسين في مناطق جنوب العراق، ومنها تهجير اكثر من 95 الفا من سكان الجنوب الى المخيمات الايرانية وتعريض اكثر من مليون شخص من سكان الاهوار لمخاطر المجاعة والمرض والموت.

وقالت ان مؤسسة عمار الخيرية قامت بانشاء المستشفيات والمدارس ومراكز تصفية المياه للاجئين العراقيين في ايران الذين وجدوا انفسهم بلا سكن نتيجة تجفيف اهوار جنوب العراق، اضافة الى ارسال المعونات من اغذية وملابس وخيام اليهم. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقدته مؤسسة عمار امس في مقر الصحافة الاجنبية وسط لندن دعت نيكلسون الى اعادة احياء منطقة الاهوار وترميمها بصورة كاملة، مشددة على حق سكان الاهوار اللاجئين حاليا في ايران في العودة الى مناطقهم.

واكدت مسؤولية منظمة البيئة التابعة للامم المتحدة بالقيام باجراءات جذرية لاعادة ترميم مناطق اهوار جنوب العراق وقالت «هي ليست سوى مسألة وقت حتى يتنحى صدام حسين من الحكم بالقوة او بالاساليب الطبيعية، ولذا يجب علينا الآن ان نوجه اهتمامنا لما سيحدث في الفترة بعد زوال نظامه»، وانه «يجب علينا البدء بالتخطيط لاستعادة دور العراق الطبيعي على الصعيد العالمي واعطاء الحريات والحقوق الاساسية للعراقيين المضطهدين».

واضافت قائلة «نحن في مؤسسة عمار ندعو الى خطة كاملة لانقاذ الشعب العراقي»، مشيرة الى ان «استعادة مناطق الاهوار وسكانها هي من الامور الضرورية والقابلة للتنفيذ، وان الطرق التي ستعتمد عليها موجودة اذا كان هناك ارادة سياسية».

يذكر ان السلطات العراقية بدأت في عام 1985 وبأمر من الرئيس صدام حسين حملة لحصاد وحرق القصب، وهو النبات الرئيسي الذي يقتات عليه الجاموس الذي يعتمد عليه سكان الاهوار في حياتهم الاقتصادية، الى جانب صيد السمك.

وكانت مبررات الحملة هي عدم السماح للقوات الايرانية بالتسلل الى الاراضي العراقية خلال الحرب العراقية ـ الايرانية (1980 ـ 1988) والقاء القبض على العراقيين المعارضين والهاربين من السلطات الحكومية.

وفي عام 1994 نفذت السلطات العراقية مشروع النهر الثالث الذي كان مخططا له منذ العهد الملكي لكي يكون مبزلاً لتخليص الاراضي الزراعية من الملوحة.

ووجد نظام الرئيس صدام حسين فرصة مناسبة بتنفيذ هذا المشروع الذي تولاه صهره السابق حسين كامل عندما كان مسؤولا عن التصنيع العسكري واطلق عليه مشروع «نهر صدام حسين» من اجل منع مياه نهري دجلة والفرات من تغذية اهوار جنوب العراق الى جانب شق انهار من الاهوار الى النهر الثالث لتجفيف الاهوار التي كانت تشكل عائقا امام سيطرة النظام الحاكم في العراق على الفارين من نظامه والمعارضين له والذين كانوا يتخذون من الاهوار ملجأ لهم.