عادل الجبير.. مهندس العلاقات السعودية ـ الأميركية الجديد

اشتهر في واشنطن بتصريحاته ولباقته.. والأناقة والفصاحة

TT

وصفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، عادل الجبير، السفير السعودي الجديد في واشنطن بأنه «واحد من أكثر المقربين في مجال السياسة الخارجية» للملك عبد الله بن عبد العزيز، «وظل لفترة طويلة الوجه الرئيسي للسعودية في الغرب»، وانه «شخصية معروفة جدا في واشنطن».

واشارت الصحيفة إلى ان الجبير اشتهر في الولايات المتحدة، وخاصة في المقابلات التلفزيونية، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، للرد على اتهامات اميركية للسعودية، وذلك بسبب اشتراك عدد كبير من السعوديين في الهجوم. وقالت ان الجبير «دافع عن السعودية ضد نقد اميركي عنيف طالها». واشتهر الجبير، بالاضافة إلى تصريحاته، بلباقته واناقته وفصاحته الانجليزية، وليس أدلَّ من ذلك إلا عندما سأله، السنة الماضية، وولف بلتزر، مقدم برنامج «ليت اديشن» في تلفزيون «سي.ان.ان»، عن صحة اخبار بزيادة شعبية اسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة»، في السعودية. فاجاب: «لو كان اسامة بن لادن شعبيا في السعودية، لزاد عدد المنضمين له، لا نقصت، ولزادت مقدرتهم على إحداث أضرار، لا قلت». واضاف: «نحن ننتصر في الحرب ضد الارهاب. لكن، سيستغرق ذلك بعض الوقت».

وفي مقابلة اخرى مع تلفزيون «سي.ان.ان» ايضا، ربط الجبير بين بن لادن وإسرائيل عندما سئل عن حملة نقد اسرائيلية ضد السعودية، فقال: «يريد بن لادن تدمير الحكومة السعودية، لذا فان الذين ينتقدون السعودية كثيرا في الولايات المتحدة واسرائيل، يشتركون في الهدف مع بن لادن، ومع بقية الارهابيين».

ونشر موقع السفارة السعودية في واشنطن قائمة فيها اكثر من مائتي مقابلة وتصريح للجبير في الاعلام الأميركي خلال الاربع سنوات الماضية. وقبل اربع سنوات، اعلنت مجلة «تايم» الجبير «رجل الاسبوع»، وذلك عندما اشارت إلى جهوده في الدفاع عن السعودية في الاعلام الأميركي، إذ قالت إنه قال في هدوء لمؤتمر صحافي «مزدحم» في واشنطن: «نحن نؤمن بأن وطننا تعرض للأذى بصورة غير عادلة. نحن نؤمن بأننا انتقِدْنَا نقدا لا نستحقه».

وقالت المجلة: «بسبب الدور الذي لعبه كمتحدث باسم الحكومة السعودية في وقت تواجه فيه معركة علاقات عامة لإقناع اميركا بأنها حليف معادٍ للارهاب، رغم سيل جارف من الشكوك، اخترنا الجبير رجل الأسبوع».

وقالت ان «المشكلة ليست على مستوى الحكومات بقدر ما هي عن الرأي العام الأميركي». واضافت المجلة: «تعهد الجبير في واشنطن بأن السعودية ستكون يقظة ومصممة، وبدون رحمة على مواجهة الارهابيين، والذين ينشرون الارهاب».

ورغم ان معظم تعليقات الاعلام الأميركي لا تتفق مع آراء الجبير، فقد أشاد الاعلام الأميركي، بمختلف اتجاهاته، بمقدرته، إذ قال بلتزر، مذيع اخبار في قناة «سي.ان.ان» الليبرالية، انه «ذكي وحصيف»، وقال اورايلي، مقدم برنامج في قناة «فوكس» اليمينية، انه «يعرف كيف يشرح وجهة نظره». ووجد الجبير نصيبه من الاوصاف اللاذعة مثل انه «يبيع دهن الثعبان في واشنطن» (اشارة إلى مهارته)، ومثل «كلماته ناعمة الملمس من الخارج وخاوية من الداخل». ومثلما نقل الاعلام الأميركي كلمات الجبير الناعمة، نقل الخشنة الغاضبة، مثل «هذا يدعو للغضب وغير لائق ومقسم ومؤذٍ»، ردا على هجوم الجنرال وليام بويكن، قبل سنتين، على الاسلام والمسلمين. واضاف الجبير ان كلمات الجنرال، «اذا عكس المعنى الديني، تصير مثل كلمات اسامة بن لادن». ووصفت دورية «اميركان بوليتيكال جورنال» مقدرة الجبير على «الظهور بملابس غربية، او بملابس سعودية في التلفزيون بدون تردد او تعقيد». وقالت مجلة «كويل»، التي تصدرها الجمعية الصحافية الأميركية، انه «ماهر»، ليس فقط في تصريحاته الصحافية، ولكن ايضا في ترتيب الاتصالات بين كبار المسؤولين السعوديين والأميركيين. وحكى الجبير لإذاعة «بي بي سي» البريطانية كيف سمع خبر هجمات 11 سبتمبر، حيث قال انه كان في جدة، وعاد إلى منزله من العمل، وبدأ يسبح في المسبح. وعندما قيل له ان طائرة ضربت برج مركز التجارة العالمي في نيويورك، ظن ذلك حادثا، حتى شاهد في قناة «سي.ان.ان» طائرة ثانية تضرب البرج الثاني. وفكر في ثلاثة احتمالات؛ الأول: حدوث خلل في جهاز ارشاد الطائرات في المنطقة، ثم الثاني: تعمد شخص في مكتب ارشاد الطائرات ذلك، ثم الثالث: قيام ارهابيين بالهجوم. وقال ان اول ارهابي خطَرَ بباله كان اسامة بن لادن لأنه «الشخص الوحيد الذي يرغب في ذلك، وفعل مثل ذلك في الماضي، وعنده منظمة تقدر على تنظيم ذلك». وقال الجبير انه، عندما اعلنت تفاصيل الهجوم خلال الايام التالية، اصيب بثلاث صدمات؛ الاولى، كان الهجوم ـ حقيقة ـ فظيعاً. الثانية، اشترك في الهجوم، الذي قام به تسعة عشر ارهابيا، خمسة عشر سعودياً. الثالث، هبَّ الأميركيون ضد السعودية، وقالوا ان مدارسها تخرج ارهابيين، ورجال الدين فيها يدعون للارهاب، وحكومتها تدعم الارهاب. واثرت انطباعات الايام الاولى عن هجمات 11 سبتمبر هذه على تفكير الجبير، وساعدته في مهمته بان ينقل للشعب الأميركي وجهة النظر السعودية. ووصفت مجلة «دبلومات» (الدبلوماسي)، التي تصدر في واشنطن وتغطي نشاطات السفارات الاجنبية فيها، الجبير بأنه «رغم انه يعيش في الجانب الآخر من الكرة الارضية، فهو يقضي جزءاً كبيراً من وقته في واشنطن، وعلى شاشات التلفزيون الأميركي».

ووصفته بأنه دبلوماسي «لطيف وراقٍ، ويعمل وقتا اضافيا ليوضح شعبه للاميركيين، ويحاول ان يقلل قلقهم منهم». ويفعل ذلك في «هدوء ودقة وتركيز على الهدف»، وانه «مؤهل تأهيلا ممتازا ليشرح الرأي السعودي للاميركيين». ولد الجبير في قرية حرمه بإقليم سدير (المنطقة الوسطى من السعودية) عام 1962. ونشأ في بيت تأثر فيه بالوالد العصامي الطموح الذي عمل في شبابه بشركة النفط العربية الأميركية (ارامكو) لفترة قصيرة. وتابع تعليمه إلى أن اصبح ملحقاُ ثقافياً للسعودية في ألمانيا. وفي الخارج، وبخاصة في ألمانيا، تلقى عادل وإخوته الخمسة تعليمهم ما قبل الجامعي، ونجحوا في تحصيلهم العلمي بفضل جهد الأب واهتمامه.

وفي ما بعد، سافر الجبير إلى الولايات المتحدة، حيث قيِّض له أن يمضي 20 عاما من عمره، لمتابعة دراسته العليا. وكانت البداية في جامعة نورث تكساس بالولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب باختصاص العلوم السياسية، وفيها تعرف إلى ديك آرمي، استاذ مادة الاقتصاد، الذي صار بين عامي 1995 و2003 زعيماً للاغلبية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي. وكانت جامعة نورث تكساس قد منحت الجبير، الذي تخرج فيها عام 1982، وساماً مع اخرين تخرجوا فيها لانهم «حققوا انجازات مميزة في مجال تخصصهم، وساهموا مساهمات كبيرة لمجتمعاتهم، وبالتالي زادوا أسهم الجامعة»، بالاضافة إلى ذلك، منحته الجامعة دكتوراه فخرية.

ومن ثم انتقل الجبير إلى العاصمة واشنطن، حيث حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة جورجتاون. وفي واشنطن، تعرف إلى الامير بندر بن سلطان، السفير السعودي في تلك الفترة، الذي طلب منه عام 1986 العمل مساعداً له لشؤون الكونغرس وفي الدائرة الاعلامية التابعة للسفارة.

وفي عام 1991، إبان حرب تحرير الكويت، ظهر الجبير لأول مرة أمام الإعلام العالمي معبراً عن مواقف المملكة العربية السعودية. ولاحقاً عمل عضواً في البعثة السعودية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان بين عامي 1994 و1995 زميلاً دبلوماسياً زائراً في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، ثم عيّن عام 1999 مديراً للمكتب الإعلامي السعودي في الولايات المتحدة. وفي العام التالي 2000، استدعي إلى الرياض ليتولى منصب مستشار خادم الحرمين الشريفين للشؤون الخارجية. ومنذ ذلك الحين، صار بحكم ضرورات منصبه، يتنقل بانتظام بين الرياض وواشنطن.