الرجال يفضلوهن شقراوات.. والفنون أيضاً

أميركا تراجع تاريخها معهن

TT

نعم الرجال يفضلونهن شقراوات، ولكن لماذا؟ ثمة دراسات تؤكد أن الأطفال الذكور ينجذبون للبياض أكثر من الإناث، وينبهرون بالضوء والألوان البراقة أكثر منهن. لكن هذا ليس كل شيء، فالعناية الفنية والإبداعية بالشقراوات لم تزدهن إلا جاذبية في عيون الرجال. فقد ساهمت السينما ومعها التلفزيون وقبلهما معاً، القصص الخيالية منذ القرن السابع عشر في تمييز الشقراوات ووضعن في مقام لم يبلغه غيرهن. ولم تبق الموسيقى بدورها حيادية حيال الشقر، ولا النظريات الفلسفية، ولكن، وهذا هو الأهم أي عنصرية لتمييز البيض عن السمر اختبأت وراء كل هذا السيل من التبجيل للشعر الأشقر؟

الشهر الماضي، وجدت المغنية الشقراء نيكول آن سميث ميتة في ظروف غامضة، في غرفتها في فندق «هارد روك» في هوليوود (في ولاية فلوريدا). واعاد غموض موتها الى الاذهان غموض موت شقراء اخرى، قبل اربعين سنة، هي الممثلة مارلين مونرو، التي قضت في غرفتها بأحد فنادق هوليوود، عاصمة السينما. والاثنتان ارتبطتا بعلاقات غرامية مع رجال مشهورين: ارتبطت مارلين مونرو بالسناتور الراحل روبرت كينيدي، وارتبطت نيكول سميث بالملياردير هوارد مارشال، الذي تزوجها، وتوفي تاركاً لها ثروة كبيرة. اعاد اهتمام الاعلام الاميركي بالمغنية الشقراء نقاشا قديما عن الشقراوات، وعن مكانتهن الخاصة في الثقافة الاميركية، التي انعكست في الافلام والمسلسلات التلفزيونية والتمثيليات والروايات.

وهناك المغنية الشقراء برتني سبيرز، التي هزت اميركا يوم حلقت شعرها الذهبي الطويل، في الشهر الماضي، ودخلت مستشفى للعلاج النفسي، بعد طلاقها من زوجها. وثمة شقراوات اخريات مشهورات، مثل: المغنية مادونا، والممثلات جين مانسفيلد، وغريس كيلي، وديبي رينولدز. وهناك السناتورة هيلاري كلينتون التي اذا فازت برئاسة الجمهورية، ستصبح اول امرأة (وشقراء أيضاً) تفوز بالمنصب. ولا بأس، لأن غلوريا ستاينم، قائدة حركة تحرير المرأة قبل اربعين سنة، كانت شقراء رائعة. وفي الشهر الماضي بدأت قنوات تلفزيونية عربية عرض الفيلم الاميركي: «شقراء قانونيا»، عن شقراء دخلت جامعة هارفارد لتدرس، او ربما لا لتدرس.

 

* الشمس وزرقة العينين

 

منذ متى تثير الشقراوات انتباه الرجال؟ منذ أن ظهرت أول شقراء، في العصر الجليدي (الذي غطى اوروبا لآلاف السنين، وانتهى قبل عشرة آلاف سنة تقريبا).

قبل العصر الجليدي كان الاوروبي ابيض، ولكن ليس اشقر (كان مثل الايطاليين والفرنسيين)، بعد ان تطور خلال ثلاثين الف سنة، هي فترة خروج الانسان من افريقيا، وانتقاله الى الشرق الاوسط، ثم الى اوروبا. 

في السنة الماضية، كتب عن هذا الموضوع د. بير فروست، استاذ التطور السايكولوجي في جامعة سنت اندروز في بريطانيا. وقال ان غياب اشعة الشمس عن شمال اوروبا لآلاف السنين خلال العصر الجليدي، قلل صبغة «ايوميلانين» وسط سكان شمال اوروبا (خاصة دول اسكندنافيا). وجعل البشرة اكثر بياضا، والشعر اشقر، والعيون زرقاء. 

وقال ان هذه  صبغة تخلقها الطبيعة على بشرة الانسان لوقايتها من اشعة الشمس: كلما زادت الاشعة، زادت الصبغة (مثل سواد الافارقة)، وكلما قلت، قلت الصبغة (مثل بيض الاروبيين). ويظهر ذلك في لون المولود الذي يكون، عادة، اكثر بياضا عند ولادته، ثم يقل البياض تدريجيا كلما تعرض لاشعة الشمس.

وقبل عشر سنوات، اصدر مجموعة من الاساتذة في جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي)، كتاب «تاريخ وجغرافيا الجينات البشرية»، وضعوا فيه اساس النظرية السابقة، وقالوا ان اللون الاشقر صار، بسبب العصر الجليدي، لون اغلبية سكان شمال اوروبا. وان مركزه كان في دولة لتوانيا الحالية (على بحر البطليق).

لكن، توجد «خلايا شقراء» في غير دول شمال اوروبا، لا يسهل تفسيرها، مثل: نسبة ضئيلة من «الابورجنالز» (سكان استراليا الاصليين)، ونسبة ضئيلة من سكان جزر كنارى بالقرب من اسبانيا، وبعض قبائل باكستان، وقبيلة نورستان في افغانستان (بعض نسائهن عيونهن زرقاء). الكلمة «بلوند» (شقراء) اصلها فرنسي، ومعناها لون اصفر، او خليط من اصفر وابيض، او خليط من ذهبي وابيض.

 الرجال يفضلون الشقراوات

 

سنة 1953، ظهر فيلم «يفضل الرجال الشقراوات» (كان مسرحية بنفس الاسم عرضت على مسرح في برودواي في نيويورك، قبل ذلك بأربع سنوات). مثلت في الفيلم الشقراء مارلين مونرو، والسمراء جين رسل، وتسابقتا في جذب انتباه الرجال. اغرت الشقراء اول رجل، لكنه اساء معاملتها، ووصفها وصفا صار مثلا في ما بعد، وهو: «الشقراء  الغبية»، ثم اغرت رجلا ثانيا، وقع في غرامها، واهداها عقدا من الماس. لكنها عرفت انه متزوج، وانه سرق عقد الماس من زوجته، ثم اغرت رجلا ثالثا، وكان افضل من الاول والثاني، وتحابا وتزوجا. وبرهنت على ان الشقراء، رغم كل شيء، تبحث عن رجل يحترم نفسه ويحترمها، وانها ليست غبية.

وخلال نصف قرن، اثار الفيلم نقاشا لا يزال مستمرا حتى الوقت الحاضر، وكتبت عنه عشرات الكتب، وفسر تفسيرات ثقافية وجنسية ودينية وعرقية. وكتب عنه كتاب «المرأة: عقل او وجه؟»، ملاحظات منها الآتي:

اولا، كان الفيلم، رغم اسمه المثير، اول افلام «الفيمينزم» (الحركة النسائية التي تدعو للمساواة بين الرجال والنساء)، لأنه اوضح ان المرأة ليست مجرد جسد.

ثانيا، «قدم ما هو اهم من العلاقات بين الرجال والنساء، وهي العلاقة القوية بين المرأتين، التي لم تتغير منذ اول دقيقة في الفيلم، وحتى آخر دقيقة. ولا يوجد فيلم دامت فيه علاقة ودية بين رجل ورجل حتى النهاية».

 

الماس أفضل الأصدقاء

 

قبل صدور الفيلم بعشرين سنة، كتبت القصة انيتا لوس، وكانت قصة حياتها، وصارت فيلما، اول مرة، عندما كانت الافلام صامتة، وغير ملونة وبيضاء. وكتبت بعد ذلك قصة «لكن، يتزوج الرجال السمراوات». ورغم ان القصة صارت فيلما في ما بعد، اشتهر فيلم الشقراوات اكثر من فيلم السمراوات.

وغنت مارلين مونرو في الفيلم اغنية «الماس أفضل صديق للبنت»، وهي في باريس مع صديق فرنسي. ومطلع الاغنية يقول: «يقتل الفرنسي الفرنسي ليفوز بالفتاة، لكنى افضل الفرنسي الذي يعطيني عقد ماس، ويبقى حيا. يفضل الفرنسي قبلة على يد الفتاة، لكني افضل الفرنسي الذي يعطيني عقد ماس. يكبر الرجل ويصير باردا، وتكبر المرأة وتصير عجوزا. لكن، تبقى الماسة، ولا تفقد شكلها ولمعانها. ماس تيفاني، وماس كارتير، وماس بلاك ستار، وماس غورهام».

خلال خمسين سنة، صارت هذه اغنية الشقراوات المفضلة. قبل عشرين سنة، غنتها الشقراء مادونا. وقبل سنتين، غنتها الشقراء آن سميث (قيل ان ميكرفون غرفتها كان يغني الاغنية عندما دخلت خادمتها ووجدتها ميتة في غرفة الفندق، الشهر الماضي).  

  

جنيات وحوريات بلون الثلج

 

ساهمت القصص الخيالية الاوروبية القديمة في ترسيخ صورة الشقراوات في الادب الغربي. قصص الحوريات الشقراوات، والجنيات الشقراوات، وخطف البنات الشقراوات حديثات الولادة، ووضع بنات قبيحات مكانهن بينما انشغلت الامهات بحصاد العنب. واشتهرت في ذلك الوقت (وحتى الوقت الحاضر، خاصة بسبب افلام (ديزني الكارتونية) ثلاث قصص:

الاولى، قصة «بيوتي غولدن هير» (الحسناء ذات الشعر الذهبي) الفرنسية الاصل (صدرت سنة 1690). بدايتها: «كانت هناك أميرة جميلة شعرها يسيل على كتفيها. رآها ملك المدينة المجاورة، وطلب يدها، لكنها قالت له انها لن تتزوجه لأنه ليس اشقر مثلها».

الثانية، قصة «سنو وايت» (بيضاء الجليد) الالمانية الاصل (صدرت سنة 1864). مطلعها، «قالت ملكة: اتمنى ان ارزق ببنت بشرتها بيضاء مثل الجليد، وشفتاها حمراوتان مثل الدم، وشعرها اسود مثل الابنوس. وبعد تسعة أشهر ولدت لها بنت بشرتها بيضاء مثل الجليد، وشفتاها حمراوتاون مثل الدم، وشعرها اسود مثل الابنوس».

الثالثة: قصة «سليبنغ بيوتي» (الجمال النائم) الفرنسية الاصل (صدرت سنة 1697)، مطلعها يقول: «كانت الأميرة النائمة جميلة جدا، مثل ملائكة جاءت من السماء. خداها بلون الورد، وشفتاها بلون الشفق. وتحيط بها ثلاث عشرة حورية وجنية تطير شعورهن الشقراء في الهواء، وهن يحلقن فوقها، ويجلسن حولها».

 

البشرة البيضاء لها علاقة بالعرق والدين أيضاً

 

كتبت الناقدة الأدبية الأميركية تيري وندلنغ، في دورية «حقائق القصص الخيالية»: ان قصة «بيضاء الثلج» فيها خليط من الدين والعرق. يربط شيء ما الفتاة بمريم العذراء، ويربطها شيء ما بخاصية الجنس الابيض. صحيح ان شعرها اسود مثل الابنوس، لكن بياض وجهها يكاد يغطي على سواد شعرها».

واخرج والت ديزني فيلم «بيضاء الثلج» سنة 1933 (كان صامتا، وغير ملون، وبعد عشرين سنة، اخرج فيلما ملونا)، لم يخف الجانب الديني والعرقي فيه، وقال ديزني: «اريد ان اربط بين بيضاء الثلج ومريم المجدلية».

كان شعر «بيضاء الثلج» اسود، لكن كان شعر «الجمال النائم» اشقر مثل وجهها. وخلال القرن التاسع عشر، ركزت اكثر من اوبرا اوروبية بنفس الاسم على اللون، ثمة واحدة للروسي تشايكوفسكي، وأخرى للالماني ريتشارد واغنر، الذي اعجب به ادولف هتلر، ليس فقط بسبب موسيقاه، ولكن، ايضا، بسبب ايمانه بنقاء وتعالي الجنس الابيض.

وعندما اصدر ديزني فيلم «الجمال النائم» سنة 1959، اعتمد على مناظر واغان من اوبرا تشايكوفسكي، ولم ينس ان يستثني «ماليفينست»، الجنية الشريرة، من بقية الجنيات الشقراوات، وجعلها سوداء.

  

الجنس السامي ظلم نفسه بسبب الشقر

 

لم تبجّل اوبرا تشايكوفسكي وواغنر الشقراوات بدون سبب، وذلك لأن نهاية القرن التاسع عشر شهد ظاهرة جديدة في الثقافة الاوروبية، وهي اعتبار الشقراوات اصل الجنس الآري، واعتبار الجنس الآري احسن الاجناس (اساس النظرية النازية). وظهرت مدرستان:

اولا، مدرسة ماديسون غرانت، محام اميركي (توفي سنة 1937)، ومن الكتب التي كتبها: «العرقية العلمية» و«اعظم عرق: الأسس العرقية للتاريخ الاوروبي» و«توسع العرق الابيض في اميركا» و«الهجرة والاجانب والتجنس». واضح من اسماء هذه الكتب ان غرانت كان يرى الجنس الابيض احسن الاجناس. وعارض هجرات شعوب العالم الثالث الى اميركا، كما عارض زواج البيض والسود. وكتب في أحد مؤلفاته: «ارقى انواع الجنس الابيض هم الاسكندنافيون، ذوو الشعر الاشقر، والعيون الزرقاء، والبشرة البيضاء ناصعة البياض، والانوف المستقيمة».

المدرسة الثانية: مدرسة هيلينا بلافاتسكي (يهودية روسية هاجرت الى اميركا، وتوفيت سنة 1891) التي قالت ان الشقراوات اقلية وسط الجنس الاري. ولهذا، فان الجنس الآري هو القاسم المشترك الذي يشمل كل الاوروبيين. وقد قللت من اهمية الشقراوات، ووضعت اليهود في قائمة الجنس الابيض (رغم انهم ساميون. لكنها لم تضع العرب في القائمة).  

على اي حال، استفاد النازيون من تركيزها على الجنس الآري، واستعمل هتلر نظريتها، وقضى على اليهود، وقال إنهم ساميون وليسوا آريين.

 خلال القرن العشرين، صارت كل من مارلين مونرو وجين هارلو اشهر شقراوات العالم. كتبت عنهما مارينا وورنر، استاذة في جامعة اسكس البريطانية، ومؤلفة كتاب «الوحش والشقراء»، واشارت الى بعض الاختلاف بينهما:

اولا، كانت الاولى اكثر بياضا (يصفها محبو الشقراوات بأنها «شقراء مثل اللبن»، ويصفها الذين لا يتحمسون لهن بانها «شقراء باهتة»).

ثانيا، كانت الثانية، حقيقة، غير شقراء. كانت سمراء، لكنها صبغت شعرها بلون اشقر. وتربط الثقافة الاميركية (وبعض الغربيين) المرأة السمراء، التي تصبغ شعرها لتكون شقراء، بالعاهرة، لأن كثيرا من العاهرات الاوروبيات يفعلن ذلك لجذب الرجال اكثر.

وقبل خمس سنوات، انتشرت اشاعة (بدأتها جريدة «صنداي تايمز» اللندنية، واذاعة بي بي سي البريطانية) ان جينات الشقراوات امتزجت، خلال المائة سنة الماضية، بجينات سمراء وسوداء، لدرجة انها ستختفي بعد مائتي سنة.  نسبت الاشاعة الى تقرير اصدرته هيئة الصحة العالمية (دبليو اتش او).  لكن، اضطرت الهيئة الى اصدار بيان قالت فيه: «لم نقم بأي بحث، ولم نصدر اي رأي، ولا نعرف لماذا نسب هذا الموضوع لنا. نحن لا نهتم بهذا الموضوع، وليس لنا موقف محدد عما اذا كانت الشقراوات سيختفين، او لن يختفين».

اعترافات من شقراوات ومستشقرات

 

بالاضافة الى الاقبال الكبير في اميركا على فيلم «شقراء قانونيا»، صدرت، خلال السنوات القليلة الماضية، كتب كثيرة عن الشقراوات. ربما سيتحول بعضها الى افلام، مثل قصة جويس اوتز «الشقراء»، وقصة كانديس بوشنيل «اربع شقراوات»، وقصة دارسي شتايكي «شقراء انتحارية».

وكتبت ناتالي فلين، شقراء واستاذة في جامعة ييل، كتاب شقراء مثلي: جذور خرافة الشقراوات في الثقافة الاميركية. وملخصه الآتي: اولا، لا تعرف الا الشقراوات انهن ينقسمن الى انواع: بلاتينية، وذهبية، وفضية، وكاليفورنية، وكولورادية، وقمرية، وشمسية، وكريزية، وفراولية، ومشمشية، وحديدية. ولكل قسم فلسفة وثقافة ومحاسن ومساوئ خاصة به.

ثانيا، يحسد كثير من البيضاوات الشقراوات لاعتقادهن بأنهن يجذبن الرجال اكثر منهن. ومنذ الامبراطورية الرومانية، كانت نساء روما يشترين باروكات الشعر الاشقر من نساء اسكندنافيا. ثالثا، اثبتت ابحاث علمية ان الطفل، منذ ميلاده، وبالمقارنة مع الطفلة، ينجذب نحو اللون الابيض اكثر من اللون الاسود. وان الاضواء والالوان البراقة تسترعي اهتمام الرجل اكثر من المرأة. وان اقوى حواس الرجل هي العين، بينما اقوى حواس المرأة هي الاذن. (ربما يفسر هذا حب النساء للحديث والكلام، بينما يحب الرجال البحلقة).

واخيرا، قبل اربع سنوات، صبغت الصحافية البريطانية جوان بتمان، شعرها الاسود، وحولته الى اشقر. وكتبت انطباعاتها قبل التحول وبعده. وتأكد لها، نعم، «الرجال يفضلون الشقراوات».