الرئيس التنفيذي للميناء: ميناء صحار صناعي بامتياز .. والتركيز على الأسواق الآسيوية

يجري تحضيره للعب دور المحرك لعجلة التنمية الاقتصادية في سلطنة عمان

TT

تشهد مدينة صحار، التي تقع الى الشمال من العاصمة العمانية مسقط، تحولات اقتصادية واستثمارية جذرية، جعلتها محط انظار الكثير من المستثمرين ورجال الاعمال المحليين والدوليين، من خلال جملة من المشاريع الاستثمارية والاقتصادية العملاقة، التي بدأت ترى النور. وقد اولت الحكومة العمانية مدينة صحار اهتماما خاصا، ووضعتها في اولويات اهداف الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني عام 2020 فخصصت الكثير من المبالغ والموازنات المالية لتجعل منها منطقة اقتصادية واستثمارية واعدة تعول عليها لتنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على النفط. ولعل مشروع مصفاة صحار، الذي يعتبر الاول من نوعه في منطقة الشرق الاوسط من حيث مشاريع قطاع النفط والغاز، الذي سينتج حوالي 5.4 ملايين طن من المنتجات النفطية المكررة سنويا هو خير دليل على ذلك، اما تكلفة انشائها فتبلغ نحو 1.2 مليار دولار، بالاضافة الى المشاريع الاخرى، مثل مشروع مصهر الالمنيوم واليوريا والميثانول والبولي بروبلين وغيرها.

وانطلاقا من الاهمية والدور الملقى على عاتق هذه المنطقة، تم تأسيس شركة ميناء صحار الصناعي بمساهمة متساوية بين الحكومة العمانية وادارة ميناء روتردام الهولندي، من خلال اتفاقية امتياز موقعة بين الطرفين تهدف الى تطوير وادارة الميناء.

ويرى المسؤولون العمانيون أن ميناء صحار اثبت أهميته الاستراتيجية منذ الان، من خلال الاستثمارات الأجنبية فيه لشركات صناعية عالمية مثل (ال جى) الكورية، و(الكان) الكندية و(داو) الأميركية، لإقامة صناعات بتروكيماوية ومعدنية تشارك فيها الحكومة العمانية، بالإضافة إلى مشاريع أخرى باستثمار أجنبي كامل. كما يعولون على هذا الميناء لإقامة الصناعات الثقيلة والتكميلية التي تلبى احتياجات الأسواق العالمية، وتحديدا السوق المتنامي للصين وكوريا الجنوبية وكذلك الهند. ويقول جمال عزيز، نائب الرئيس التنفيذي في ميناء صحار، في مقابلة مع «الشرق الاوسط»، ان الميناء خصص للتنمية الصناعية في المقام الاول، وانه تم اعتماد نموذج «المالك للارض والارصفة»، في ادارته بما يعني تأجير الارصفة للشركات العالمية متوقعا اقبالا من الكثير من هذه الشركات مستقبلا. وقال ان احدى ميزات ميناء صحار ارتباطه بالاخص بموانئ دبي وابوظبي بشبكة طرق حديثة، الامر الذي يجعل من التبادل التجاري بين هذه المناطق الاقتصادية النامية، أمراً يعزز من أهمية هذه الموانئ مجتمعة. وبسؤال المسؤول العماني عن توقعاته لحجم الحركة في ميناء صحار فور انتهاء جميع الأعمال الإنشائية فيه؟ قال في العام الماضي رست بميناء صحار 335 سفينة وتمت مناولة حوالي مليون طن من حمولات البضائع العامة، التي أغلبها مواد إنشائية للمشاريع الصناعية الجاري تنفيذها حالياً. ومنذ البدء في تشغيل المصفاة في شهر سبتمبر (ايلول) الماضي، تم تحميل أكثر من 1.5 مليون طن من منتجات المصفاة النفطية وسترتفع هذا العام الى حوالي 5 ملايين طن. كما انه ومنذ شهر سبتمبر الماضي بدأت أيضاً مناولة الحاويات التابعة لمصنع البولي بروبلين، الذي ينتج سنوياً حوالي 314 ألف طن، وهذا يعني أن ميناء صحار بدأ يتعامل مع جميع أنواع البضائع العامة منها والجافة والسائلة والسائبة والحاويات. وفي هذا العام يتوقع وصول حوالي 600 سفينة لترتفع لأكثر من 1000 سفينة في عام 2008. اما على المدى القصير، فإننا نتوقع أن ترتفع الواردات والصادرات بحوالي 4 ملايين طن حين تشغيل مصنع الميثانول ومصنع الأسمدة الكيماوية ومصهر الألمنيوم ومصنع الحديد في العام المقبل.

وعن المنافسة الموجودة في المنطقة، خاصة انه تم توسيع وتحديث العديد من الموانئ، التي باتت لها سمعة معروفة قال: توسيع الموانئ بالمنطقة إنما هو دليل على النمو الاقتصادي والحركة الملاحية المصاحبة التي تشهدها المنطقة، وإننا نرى أن كل ميناء لديه مقوماته ونقاط القوة التي يتمتع بها والتي تجعل من المقارنة أمراً صعباً. فميناء صحار هو ميناء خصص للتنمية الصناعية بالمقام الأول، حيث تم تأسيس مجمعات للصناعات البتروكيماوية والمصافي النفطية وأخرى للصناعات المعدنية كالحديد والألمنيوم، وترتكز هذه المجمعات على مبدأ الانتفاع في خدمات عامة وبنى أساسية مشتركة لتخفيض التكاليف التشغيلية على المستثمرين. ومن خلال البنية الأساسية الحديثة المتوفرة لخدمة هذه الصناعات فإنه يمكن أيضاً تشجيع تجارة النقل البحري بالحاويات وأنشطة الاستيراد والتصدير للسوق المحلي والسوق الإقليمي بشكل عام، شاملا دول الخليج العربية وإيران وباكستان والهند. فيتم حالياً تعميق حوض الميناء من 16 مترا الى 18 مترا، بالإضافة الى إنشاء أرصفة إضافية للحاويات وللسلع الأخرى مثل أرصفة الحديد والألمنيوم. وفي منتصف العام المقبل 2008 سيتضاعف طول أرصفة الميناء من كيلومترين الى 4 كيلومترات بعمق يتراوح ما بين 16 الى 19 مترا، علماً بأن الميناء يشمل أيضاً 6 مراسي لناقلات المواد الكيميائية والنفط ضمن مجمع مناولة وتخزين هذه المواد. كما يتمتع الميناء بخدمات الكهرباء والغاز والمياه بالكميات التي تلبي حاجات المستثمرين.

ومن جانب آخر، فإن ميناء صحار يرتبط بالموانئ المهمة في دول الخليج العربية، وبالأخص موانئ دبي وأبوظبي بشبكة طرق حديثة، الأمر الذي يجعل من التبادل التجاري بين هذه المناطق الاقتصادية النامية أمراً يعزز من أهمية هذه الموانئ مجتمعة ويتيح للسفن والناقلات تخفيض مصروفاتها التشغيلية.

ولعل من المناسب هنا أن نذكر أنه كان هنالك ميناء في صحار في العصر القديم استغل آنذاك كميناء عبور وعرف بتصدير الأخشاب والمعادن وغيرها من السلع بين الشرق الأقصى وبلاد ما بين النهرين، وبالتالي فإن الموقع الإستراتيجي الذي تمتع به الميناء آنذاك ما زال أحد المزايا المهمة للميناء الآن في المنطقة.

ويوضح المسؤول العماني في رده على سؤال «الشرق الاوسط» حول طريقة الادارة في المشروع وما هي الرؤية العمانية في هذا المجال، قائلا: يتم اتباع نموذج «المالك للأرض والأرصفة» في إدارة ميناء صحار.

مبينا ان تأجير الأراضي للمشاريع الاستثمارية التي تتماشى مع السياسات الاستثمارية في المنطقة وتأجير الأرصفة للشركات العالمية المتخصصة اثبت نجاحه، مضيفا ان الترخيص بمزاولة نشاطات مناولة البضائع اصبح مركز جذب وقال لقد نجحنا في اجتذاب أفضل مشغلي المحطات المناولين لجميع أنواع البضائع، بالإضافة إلى الترخيص لشركات عالمية لتقديم خدمات أخرى مشتركة. فعلى سبيل المثال، تم الترخيص لشركة ستينويخ المتخصصة عالمياً في مناولة مختلف البضائع لمناولة البضائع العامة والبضائع السائبة الجافة، كما تم الترخيص لشركتي أويل تانكنج وأودفجل المشهورتين عالمياً بمناولة وشحن الكيماويات والمواد النفطية عبر البحر، للقيام بمناولة البضائع السائلة في ميناء صحار، كما تم التعاقد والترخيص لشركة هتشيسون، وهي أكبر مشغل لمحطات الحاويات في العالم لمناولة الحاويات في الميناء. ومن جانب آخر تم التعاقد مع شركة سفتزر وايزمولر لخدمات قطر وإرشاد وإرساء السفن. وفي هذا المجال، فمن الملاحظ أن هذه الإنجازات تمت من خلال الشراكة بين حكومة السلطنة وميناء روتردام لإدارة الميناء والعمل وفقاً للمقاييس العالمية. فبناء على ذلك ومن خلال استقطاب الشركات العالمية المتخصصة في مجالات خدمات الميناء والخدمات الصناعية، فقد تسلمت شركة ميناء صحار الصناعي في ديسمبر (كانون الاول) الماضي جائزة دبي البحرية الدولية للميناء الأكبر نجاحاً في التطوير في وسط وغرب آسيا.

وعن انعكاس وجود ميناء صحارعلى الواقع الاقتصادي في سلطنة عمان؟ قال لقد تم تأجير أجزاء كبيرة من ميناء صحار الصناعي البالغة مساحة أراضيه الإجمالية الحالية حوالي 2000 هكتار للمشاريع الصناعية الثقيلة في مجال الهيدروكربونات وأخرى في مجال المعادن هذا إلى جانب تأسيس وبدء تشغيل محطات مناولة البضائع بمختلف أشكالها. ويتوقع أن يوظف الميناء حوالي 7000 شخص في وظائف مباشرة وحوالي 28000 شخص في الوظائف غير المباشرة، وبالطبع فان كل ذلك يتطلب توفير برامج التدريب والتأهيل المناسبين ولهذا تم إنشاء كلية للعلوم البحرية وعلوم النقل البحري والصناعة بمشاركة بين حكومة السلطنة ومعهد النقل والملاحة الهولندي إلى جانب معاهد أخرى. ومن جانب آخر، هناك فرص كبيرة لإقامة الصناعات التحويلية من الصناعات الثقيلة الحالية على سبيل المثال: البلاستيك ومنتجات البلاستيك مثل مواد التغليف والأجهزة المنزلية وأواني الطبخ والمنتجات التي تدخل في صناعة المعدات الكهربائية والسيارات والأدوية. فضلا عن ذلك، فإن توفر الأراضي وخدمات الميناء المختلفة سيؤدي إلى إقامة نشاطات التخزين وإعادة التصدير والصناعات الخفيفة التي لا تعتمد على مصادر جديدة للطاقة في منطقة اقتصادية خاصة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الحركة الملاحية إلى الميناء وإقامة الخدمات المرتبطة بالنقل البحري. ويعتبر مجمع الصناعات الغذائية أحد هذه النشاطات التي لها دور مهم في الانسجام مع بعض المهن التقليدية في المنطقة. وبالاضافة الى ذلك فإن التنمية الصناعية للميناء والاستثمارات في خدمات الميناء ستؤدي إلى زيادة الطلب على الاستثمارات في المجالات المساندة، لاسيما في القطاع الصحي والقطاع السياحي والقطاع البنكي، وخدمات تجارية ملاحية متعددة.