عالم.. بلا نساء

يقتل الصينيون والهنود مليوني جنين أنثى سنويا.. وخلال السنوات الماضية خسر العالم 100 مليون بنت قبل أن تولد أو قتلت بعد الولادة

TT

لآسيا أقل نسبة من النساء في العالم، مقارنة بعدد السكان، حيث «خسرت 100 مليون بنت» لمجتمعات تفضل الذكور على الإناث، ويحدث هذا بطرق كثيرة اكثرها انتشار اجهاض النساء اللواتي يحملن اناث، أو قتل الاناث عند ولادتهن، وهو شيء يحدث في المناطق الريفية النائية في الهند واجزاء من آسيا. وتعتبر الصين أكبر بلد تنتشر فيها ظاهرة «التخلص من الاناث»، حيث «تم التخلص» من 50 مليون انثى بالاجهاض أو القتل، وذلك وفقا لتقارير حول الموضوع. وفي تقرير صدر عن الأمم المتحدة، اتضح أن الصين تحتل قمة القائمة فيما يتعلق بالخلل بين نسبة الذكور إلى الاناث في آسيا، إذ مقابل 128 ذكرا، هناك 100 انثى فقط. كذلك هو الحال مع الهند، حيث انه مقابل 118 ذكرا هناك 100 انثى. أما في تايلاند فالنسبة هي 115 ذكرا إلى 100 انثى، وفي كوريا الجنوبية تتحدد النسبة بـ112 ذكرا إلى 100 انثى. ومن بين البلدان الآسيوية الاخرى التي تزيد فيها اعداد الرجال عن النساء بشكل لافت باكستان وبنغلاديش وفيتنام ونيبال. وبشكل عام فإن بلدان جنوب آسيا وشرقها باستثناء اليابان وكوريا الشمالية وسنغافورة ومنغوليا، تعاني من نقص ملحوظ في عدد الإناث.

وتعد فيتنام من أكثر بلدان العالم في نسبة الاجهاض، إذ ان هناك ما يقرب من 1.4 مليون جنين يتم إجهاضهم كل عام في بلد يبلغ عدد سكانه 80 مليون نسمة فقط، حسبما جاء في تقرير منظمة الصحة الدولية. ومن المفارقات أنه في جنوب آسيا هناك خمس نساء احتللن منصب رئيس وزراء. أما في باكستان فهناك حالات اجهاض سنوية تصل على 690 ألفا، على الرغم من أنه يعتبر غير مشروع إلا في حالات انقاذ النساء من الموت، وذلك حسب دراسة صدرت عن المجلس الدولي السكان.

وقالت «الجانيت» وهي مجلة طبية بريطانية: «إنه في بداية عام 2006 وصلت حالات الإجهاض للأجنة الانثوية ما يقرب من 10 ملايين في الهند، وذلك خلال العشرين سنة الأخيرة». وكان من أوائل من نبهوا إلى هذه الظاهرة الاقتصادي الهندي امارتيا سين، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، وكان ذلك في عام 1990، حيث تحدث عن ظاهرة ضياع «100 مليون انثى» في آسيا يتم قتلهن في الرحم خلال اختبارات فحص هوية الجنين الجنسية. وكان لسياسة الصين «طفل واحد لكل أسرة»، تم فرض هذا القانون في الثمانينات من القرن الماضي، تأثيره على انخفاض اعداد النساء مقارنة بالرجال اليوم في الصين، وذلك الى جانب ظاهرة اخرى وهي زيادة دور الايتام بشكل كبير جدا، وتحتل الإناث نسبة 95% من أطفال هذه الملاجئ، وذلك بعد لفظهن من أسرهن لسبب كونهن إناثا فقط.

وحسب التقاليد الصينية يريد معظم الأسر، أن يكون طفلها الأول ذكرا. وفي تقرير نشرته صحيفة صينية وتسمي «النظرية والوقت»، ذكر أن 25 مليون طفل يولد في الصين كل سنة، وان هناك زيادة في عدد الذكور تصل إلى حوالي 750 الفا. وذكرت الصحيفة حالة لرجل مقيم في شمال شرقي الصين، قام بخنق ابنتيه الصغيرتين على أمل أن يبدأ أسرة من جديد، تبدأ بانجاب طفل ذكر. وحينما سئل عن سبب قيامه بذلك قال: «أنا أنتظر حتى أخرج من السجن لأبدأ من جديد».

ولمواجهة هذا الاختلال بين الجنسين، قررت لجنة تخطيط العائلة والسكان القومية في الصين، أن تسعى لتخفيض عدم التوازن بين الاناث والذكور، لإعادتها إلى حالتها الطبيعية قبل انتهاء عام 2010. وحاليا تقدم الصين حوافز مالية وتعليما مجانيا وسكنا أفضل للعوائل التي لديها بنات، كما خففت بكين من سياستها الهادفة لوجود طفل في الأسرة إذا كان الطفل الأول انثى.

وكان بعض الصحافيين والأكاديميين والمسؤولين الصينيين قد قللوا من شأن النقص الملحوظ في عدد الفتيات عن طريق الادعاء بأن الناس يخفون بناتهم كي لا يسجلن على أمل أن تتمكن من إنجاب ذكر. وقال باحثون إن هذه الحالة وبشكل جزئي ناجمة عن سياسات حكومية اتبعت من أجل تقليص عدد الولادات. ففي أواخر القرن العشرين اتبعت الصين والهند برامج للتحكم في زيادة عدد السكان. وفي الصين تم تقديم سياسة الطفل الوحيد في عام 1979. وفي الهند تم تقنين الاجهاض عام 1970 أيضا تحت شعار «العائلات الصغيرة هي عائلات سعيدة»، أما العائلات نفسها فخططت لقتل الأجنة الانثوية.

من ناحية ثانية، فإن ابتكار التكنولوجيا الجديدة لتشخيص الجنس ما قبل الولادة عبر الموجات فوق الصوتية ساهم ايضا في قتل الجنين الأنثى. وجنت الشركات الطبية المتعددة الجنسيات مليارات الدولارات عبر بيع اجهزة الموجات فوق الصوتية. وتقول أرونا كوهلي اخصائية النساء والتوليد، ان «اجهزة الموجات فوق الصوتية يجري تسويقها مثل الكوكا كولا». وكانت هناك زيادة بـ33% بين اعوام 1988 و2003 في الانتاج السنوي لمعدات الموجات فوق الصوتية في الهند. والنتيجة هي فقدان التوازن الطبيعي بين اعداد الرجال والنساء في غالبية البلدان الآسيوية. وتشير بعض التقديرات الى ان عدد الرجال الزائدين عن عدد النساء في الصين سيبلغ 30 مليون شخص بحلول عام 2020، وفي الهند ستبلغ الزيادة 28 مليونا مما يخلق صعوبة في ايجاد زوجة بالنسبة لذوي الدخل المتدني، وفقا لتقرير هيسكيث من معهد صحة الأطفال في جامعة لندن وزو وي شينغ من جامعة زيجيانغ نورمال في الصين. وبالتالي في نهاية القرن سيكون لدى الصين جيش كبير من العازبين مؤلف من 90 مليون رجل. وقال فاليري هودسون الأستاذ في جامعة بريغام يونغ بأوتا والمؤلف المشارك لكتاب حول الموضوع انه «بدون توازن في معدل الجنس في المجتمع، فإننا نحكم عليه بالكارثة. فالكثير من الأولاد الزائدين سيكونون فقرا، وبدون شركاء في العائلة. وسيحدث انهيار في النظام الاجتماعي بما في ذلك اختطاف وبيع النساء، وزيادة هائلة في الدعارة». وتقول ارقام صينية رسمية انه منذ عام 1990 أنقذت 64 ألف امرأة، بمعدل ثمانية آلاف سنويا، من جانب السلطات من الزواج القسري.

ويعتقد ان الصينيين يقتلون ما يزيد على مليون فتاة سنويا، من أجل الحصول على ولد. كما يعتقد ان الهنود على وشك تجاوز الصينيين خلال سنوات قليلة. كما ان الهند موطن عمليات الاجهاض المرتبطة بنوع الجنس. وتشير دراسة اعتمدت على مسح قومي شمل 1.1 مليون عائلة هندية ونشر في مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية، الى ان ما يقرب من نصف مليون من الأطفال الأناث يقتلن في الهند كل سنة بسبب الاجهاض الانتقائي. وفي فبراير (شباط) 2007 وجدت الشرطة وسط الهند 390 من الأعضاء البشرية، من أجنة أناث ولدن حديثا، مدفونة في الفناء الخلفي لمستشفى بعثة مسيحية. وكانت هناك طفلة في كيس وضعت في صندوق القمامة العمومي لتمزقها الكلاب السائبة. ووجدت أجساد ما يزيد على 100 جنين انثى خارج عيادة اجهاض في مدينة باتران في اقليم البنجاب الهندي في أغسطس (آب) العام الماضي. وفي حالة أخرى رفضت امرأة ولدت بنتا أن تربيها. ومن أجل اسكات الطفلة التي كانت تصرخ عصرت المرأة القروية الفقيرة السائل الحليبي من عشبة الدفلى ومزجته مع زيت الخروع وأدخلت المزيج السام بالاكراه في فم الطفلة الوليدة. أما في المقاطعات المزدهرة مثل البنجاب وهارياناي وغوجارات ومهاراشاترا بالهند، فقد تراجعت أعداد الإناث بصورة كبيرة خلال السنوات السابقة بسبب التقدم في تكنولوجيا الموجات فوق الصوتية التي تظهر منذ الأسابيع الاولى للحمل، ما اذا كان الجنين ذكرا أم انثى. وفي هاريانا تراجع عدد النساء الى 640، مقابل كل 1000 رجل في الكثير من المناطق، وبالتالي في الكثير من القرى لا يجد الشباب نساء للزواج. ثمة اسباب اقتصادية واجتماعية وراء تفضيل الحضارات الشرقية للأبناء على البنات. إذ ان الأسر في غالبية المجتمعات الآسيوية قائمة على النظام الأبوي، حيث لا بد من وجود ابن واحد على الأقل لمواصلة نسب الأسرة، كما ينظر الى الكثير من الأبناء كونهم يضيفون وضعا خاصا للأسر. ويعتبر الأولاد بصورة عامة مصدر إعالة للأبوين عندما تتقدم بهما السن. وثمة عامل ديني ايضا وراء رفض البنات، إذ ان هناك مهام دينية يسمح للأولاد فقط بالقيام بها. ففي الهند والصين وكوريا الجنوبية يقوم ببعض الشعائر الدينية الأبناء والأحفاد الذكور فقط. وينظر الى البنات كونهن مستهلكات ومثيرات للمتاعب، كما ان حماية عذريتها ـ وهي جانب اساسي في شرف الأسرة ـ تضيف ضغوطا إضافية للآباء والأمهات. وتفضيل الأولاد على البنات ظاهرة متجذرة في النظام الأسري الهندي على نحو لا تشعر معه النساء بأنهن أدين مهام الزوجية إلا بعد إنجاب ابن. و«عبء» إضافة امرأة الى الأسرة تسبب في مقتل حوالي 8000 بسبب المهر في الهند، خلال عام 2005، إذ تعرضت هؤلاء الى القتل بواسطة اسرة العريس او اقدمن على الانتحار بعد المعاناة من سوء المعاملة والإهمال، على الرغم من ان هذه الممارسة مخالفة للقانون. وينطبق نفس الأمر على الصين، حيث تغادر البنت اسرتها بمجرد زواجها وتصبح جزءا من اسرة العريس. بعض البنات يحرم من الحق في التعليم، ذلك ان مصروفات التعليم لا تعتبر استثمارا له عائدات كبيرة. وقد أقامت الحكومة الهندية شبكة من الدور اطلق عليها «مشروع المهد» وذلك الحيلولة دون إقدام الأسر الهندية الفقيرة على قتل البنات. ويوفر هذه المشروع تعليما مجانيا للبنات. وكانت حكومات كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية وفيتنام قد حظرت استخدام تكنولوجيا الموجات فوق الصوتية بغرض لتحديد جنس الجنين. إلا انه من الصعب تطبيق القوانين بسبب السرية التي تتعامل بها النساء الحوامل والأطباء الذين يجرون الكشف باستخدام الموجات الصوتية. وهناك مئات العيادات في أزقة وشوارع ضيقة في بعض الأحياء السكنية تجري عمليات تحديد الجنين بصورة مخالفة للقانون، على الرغم من انها تعلق لافتات خارجها كتب عليها «لا تجرى عمليات كشف جنس الجنين هنا». وتكمن المشكلة في ان غالبية العيادات تجري عمليات كشف جنس الجنين سرا. وما لم يتوقف الأطباء عن ممارسة هذه العمليات المخالفة للقانون، لا يتوقع ان يكون هناك تغيير. وتقول سابو جورج، من «مركز دراسات تنمية المرأة» في الهند، ان هذه الأرقام تعكس واقع عدم المساواة وتراجع أعداد النساء، مقارنة بأعداد الرجال، علما بأن اكثر بلدان العالم فقرا، بما في ذلك دول افريقيا جنوب الصحراء، يبلغ معدل النساء فيها 103 مقابل كل 100 رجل. وتقترح سابو مجموعة من الإجراءات، بغرض خفض نسبة قتل البنات. من ضمن هذه الإجراءات التأكيد على أهمية مبدأ المساواة بين الرجال والنساء بصورة واسعة من خلال اجهزة الإعلام وتطبيق اللوائح والقرارات الحكومية الخاصة بحظر استخدام اجهزة تحديد جنس الجنين، إلا في حالة وجود أسباب طبية لذلك، ومعاقبة كل من يخالف هذه اللوائح. ويعتبر اختبار الـ«دي.ان.أي» المنزلي الذي جرى تطويره في بريطانيا الاسبوع الماضي، لمساعدة الآباء والأمهات على تحديد جنس الجنين خلال الاسابيع الستة الاولى من الحمل، خطرا في البلدان التي لا ترغب كثير من الاسر فيها في إنجاب البنات. وهذا الاختبار متوفر للمشترين من «دي ان أي وورلدوايد» على شبكة الانترنت. ويفحص هذا الاختبار وجود كروموزوم للذكور في «دي.ان.اي» الجنين خلال الاسابيع الست الأولى من الحمل. ويجري فحص الدم من خلال شكة صغيرة بإبرة على اصبع في اليد للحصول على عينة من الدم، قبل إرساله الى المعمل للتحليل بواسطة فنيين متخصصين. وتبلغ نسبة دقة هذه الاختبار 98 في المائة. وبالتالي فإن اطلاقه في الاسواق يمكن ان يساعد على اجهاض مزيد من الاناث، ليصبح العالم يوما ما بلا نساء، اذا استمر الحال على ما هو عليه في آسيا.