حركة حماس.. نشأتها وعلاقتها بالإخوان المسلمين

كتاب مصري يتناول جذور الحركة الإسلامية في فلسطين وتطور أساليب عملها

TT

في كتابه «حماس.. حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين» الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة يتناول د. خالد أبو العمرين الظاهرة الاسلامية وأسبابها وتعريفها من وجهة نظر باحثين غربيين وعرب «اسلاميين وعلمانيين»، ثم يتبع جذور الاخوان المسلمين في الأرض المحتلة منذ الثلاثينات وحتى حرب يونيو (حزيران) 1967، وتجربة الاخوان الفلسطينيين داخلها وخارجها في العشرين سنة التي اعقبتها. كما تناول مرحلة الانتفاضة وانطلاقة حماس التي تأسست في ديسمبر (كانون الثاني) 1987 كامتداد حقيقي وطبيعي لجماعة الاخوان المسلمين في فلسطين.

يتكون الكتاب من تمهيد جاء في صورة مراجعة نقدية لأدب الصحوة الاسلامية، «الذي ظهر في معظمه انشائياً سواء كتبه اسلاميون أو علمانيون»، كما يقول. وأشار الكاتب الى ان معظم الكتابات لم تتعامل مع الظاهرة الاسلامية في الواقع، وبشكل موضوعي، وحاول أن يستعرض محاولات المفكرين التي تناولتها من الجانبين، ويضع تعريفاً لها باعتبارها حركة شاملة وواقعية ذات أهداف في مجالات العلم والاقتصاد والسلوك والاجتماع والسياسية، وهي حركة سلفية من حيث استنادها الى الأصول وتجديدية في محاولتها لتطبيق الاسلام في واقع عصرنا المتجدد، وهي أيضاً حركة نضالية تهدف الى تكريس الدين في كل نواحي الحياة.

ان اسباب المد الاسلامي، حسب الكتاب، عديدة منها فشل المشروع العلماني وهزيمة يونيو 1967، وانتصار الثورة الايرانية، والافغان والحركة الاسلامية في السودان وانهيار الاتحاد السوفياتي، والضائقة الاقتصادية التي تمر بها بعض الدول العربية وفشل محاولات التطور والتنمية، وتعاظم موارد الدول النفطية. اما أسباب المد الاسلامي في فلسطين فتركزت طبقا له، في طبيعة الصراع مع الدولة اليهودية ونظرة المواطن الفلسطيني لها حيث يراها اعتداء على دينه وتاريخه وهويته بما تمثله من تعصب ديني يعتمد على مقولات صهيونية كشعب الله المختار، والوعد الإلهي.

وهناك أسباب أخرى تتمثل في انحسار قوة ونفوذ منظمة التحرير الفلسطينية، ووجود أزمة تنظيمية داخل مؤسساتها، وقيام الحركة الاسلامية في فلسطين بنشاط اجتماعي واسع جعلت صورة الاسلاميين في أذهان الناس قريبة ومحببة، هذا الى جانب الدعم الخارجي الي تحدث عنه الباحث بوصفه أحد الأسباب التي أوردها غيره من أجل التشكيك في الحركة الاسلامية ودورها، بهدف ضربها وافساد ما تقوم به من نضال في الأرض المحتلة.

وتركز الباب الأول من الكتاب «الحركة الاسلامية في فلسطين» على جذورها، مشيراً الى ان حماس ظهرت داخل الأرض المحتلة مع بداية الانتفاضة التي انطلقت في ديسمبر 1987 واصدرت أول بيان لها في يوم 14 من نفس الشهر.

وتتجلى حقيقة انتساب حماس الى الجذور الاخوانية في فلسطين واضحة في بيانها رقم 6 الصادر في 11 فبراير (شباط) 1988 حيث أكد «ان حركة المقاومة الاسلامية تعتبر الساعد القوي لجماعة الاخوان المسلمين التي قدمت إمامها الأول شهيداً في مثل هذا الوقت من عام 1949». وكرر البيان رقم 15 المعنى نفسه، واكد ميثاق الحركة الصادر في 18 اغسطس (اب) 1988 والمادة الثانية منه ان حماس جناح من أجنحة الاخوان المسلمين في فلسطين.

وهذا الانتماء يجعل مؤلف الكتاب يضع يده علي جذور حماس التي تمتد الى الثلاثينات من القرن العشرين عندما أوفدت جماعة الاخوان عبد الرحمن الساعاتي ومحمد أسعد الحكيم لزيارة فلسطين وسورية ولبنان لنشر الدعوة هناك، وقد أسسا شُعب الاخوان في القدس وجميع أنحاء فلسطين قبل النكبة.

وقد رصد الكاتب في الباب الأول أيضاً الدور الجهادي للاخوان في الأرض المحتلة والعمل الفدائي الذي مارسته الجماعة في قطاع غزة ما بين سنتي 1949 و1955، ومقاومتها الاحتلال الصهيوني نتيجة العدوان الثلاثي عام 1956، كما أشار الكاتب الى تجربة الشيخ عز الدين القسام (1920 ـ 1935)، وجذور حركة «فتح» الاخوانية، اعضائها أصحاب الانتماءات الاخوانية السابقة أمثال خليل الوزير وصلاح خلف ومحمد يوسف النجار وكمال عدوان وسليم ورياض الزعنون، وذكر المؤلف منهم 24 اسماً ليس فيهم ياسر عرفات رئيس المنظمة والسلطة الفلسطينية الحالي، وأكد انه لم يكن من الاخوان اطلاقاً لكنه كان على علاقات طيبة مع الاخوان المصريين، وشارك في حرب العصابات ضد القوات الانجليزية في السويس سنة 1951، واستطاع ان يصبح رئيساً لرابطة طلاب فلسطين في الفترة من 1952 حتى 1956، مستفيداً في ذلك من علاقته بالاخوان حيث تقدم لترشيح نفسه على قائمتهم.

ثم تحدث المؤلف في الباب نفسه عن قطع الصلة بين فتح والاخوان المسلمين الفلسطينيين وهو القرار الذي اتخذه اعضاء الجماعة في صيف 1962 أو 1963 في أول مجلس شورى عقدوه على شاطئ بحر خان يونس في الأراضي الزراعية للأغوات «آل آغا» والذين كان عدد كبير من شبابهم أعضاء في الجماعة. وهكذا اصبح للفلسطينيين تنظيم خاص بهم، وصار لهم ممثل في المكتب التنفيذي للاخوان المسلمين في البلاد العربية. وقد أدى المد القومي والناصري في مصر وغيرها من بلاد العرب لانحسار دور الاخوان في فلسطين مثل غيرها من البلاد، وهاجر الكثيرون منهم، ولم يبق سوى اثنين هما الراحل محمد الغرابلي والشيخ احمد ياسين، اللذان قاما بجهد كبير قبيل حرب 1967 في عملية تجميع العناصر الاخوانية المتفرقة والاشراف على خطواتها البطيئة.

وأشار المؤلف في الباب الثاني «الاخوان المسلمون من 1967 الى 1987» الى مراحل بناء حركة حماس، ودور الشيخ احمد ياسين في اعداد الكثيرين من كوادرها وشبابها وذلك في الفترة من 69 حتى 1977، وكان معظمهم يفدون الى مصر بالمئات من قطاع غزة، بهدف الدراسة في جامعاتها، وقد اكتسبوا نضجاً وخبرة كبيرة خلال سنوات وجودهم بالقطاع، وقد انشأ طالب الزقازيق عضو جماعة الاخوان فتحي ابراهيم الشقاقي ومعه بشير نافع حركة الجهاد الاسلامي ـ كأحد مظاهر المد الاسلامي ـ في فلسطين سنة 78 أو 79، بعد ان انفصل عن الاخوان بسبب مرجعيته الخمينية. كما تحدث المؤلف عن نشاط الاخوان الفلسطينيين في الكويت ومناخها الذي أتاح لهم حرية كبيرة في الحركة، وتجربة السجون الاسرائيلية والتي تشكلت من عناصر مختلفة من الاسلاميين الفلسطينيين، وأضحت رموزاً من شباب الاسلام الثوري التابعين لفتحي الشقاقي، وأفراد من الجهاد الاسلامي اتباع الشيخ اسعد التميمي، والمجموعة القيادية للاخوان المسلمين وعلى رأسهم الشيخ احمد ياسين، وكانت فترة السجن كفيلة بأن تخلق كوادر قادرة على تحمل مسؤولية الكفاح ضد المحتل الاسرائيلي، وقد أدى خروج أكثر من ألف معتقل ممن حكم عليهم بالمؤبد من السجون ومن بينهم الشيخ احمد ياسين والشيخ محمد نصار الى بداية قوية للعمل العسكري ضد اسرائىل.

وفي الباب الثالث «حركة المقاومة الاسلامية حماس» تركز الحديث حول علاقة الانتفاضة وتزامن انطلاقتها مع ظهور حماس للنور والاعلان عن نفسها بقيادتها لها ودور الاعلام في التعريف بها وما تقوم به.

يشير المؤلف بعد ذلك الى دروس حماس ودورها في الانتفاضة، ويذكر اعضاءها البارزين وجناحها العسكري والأمني، وبدايتها في نابلس ومخيم بلاطة بالضفة الغربية باعتبارها اعلاناً عن مرحلة جديدة من العمل الوطني في مسيرة الاخوان المسلمين في فلسطين. كما تحدث المؤلف عن عمليات حماس العسكرية، ورآها الأكثر انخراطاً في الأعمال المسلحة ضد الأهداف الاسرائيلية، وهو ما أدى الى اعتقالات كثيرة في صفوف حماس خاصة من راجمي الحجارة وكتاب الشعارات، كما اعتقل اليهود أبرز قادتهم الشيخ خليل القوقا في ديسمبر 1987، وحكم عليه بالابعاد، كما شملت قائمة المعتقلين بسام جرار وفضل الصالح وحسن يوسف وابراهيم أبو سالم وآخرين. وقد وجهت اسرائيل ضربات مستمرة لحماس وقادتها بهدف اجهاضها إلا انها فشلت.

وأشار الباحث بعد ذلك الى ظهور القيادة الوطنية الموحدة التي خلت منها حماس، ورغبة القيادة في ابعاد الاسلاميين من قيادة الانتفاضة، ثم تحدث عن محاولات التنسيق معها، والخلافات التي حدثت بين فصائل القيادة المختلفة وأطرافها من الشيوعيين وفتح والجبهتين، الشعبية والديمقراطية، والمناوشات والوقيعة بين حماس وفتح التي تطورت في النهاية الى صدام أدى الى نقطة فاصلة في تاريخ العلاقة بينهما، وكان ذلك موقفاً حاسماً في إظهار قوة حماس ونفوذها في جميع مناطق الأرض المحتلة، وكان لنجاحها في اضراب 21 اغسطس 1988 في الذكرى السنوية لمحاولة احراق المسجد الأقصى دور كبير في تأكيد ذلك النفوذ.

ويرى المؤلف ان الاعلام الغربي والعربي بما في ذلك الموجود في الأرض المحتلة لم ينصف حركة حماس، ولم يتعامل مع دورها في الكفاح المسلح بشكل موضوعي، وهو في ذلك يتساوى ولو جزئياً مع النظرة الغربية التي تجاهلت الدور الاسلامي في فلسطين في محاولة لإبعاد ما سموه بالخطر الاسلامي عن اسرائيل.

حماس.. حركة المقاومة الاسلامية في فلسطين المؤلف: د. خالد أبو العمرين الناشر: مركز الحضارة العربية ـ القاهرة =