درب الحرير

الإفطار في سنغافورة والغداء في بيلاروس والعشاء في تايلند ممكن عبر «خط بري آسيوي سريع» يعبر 32 دولة

أحد الطرق السريعة في بانكوك يبين الازدحام المروري الحالي في القارة الاسيوية (إ.ب.أ)
TT

إنْ كنت من محبي السفرات الطويلة التي تتضمن تناول الغداء في سنغافورة ثم ركوب القطار إلى ادنبرة لتنعم بوجبة اسكوتلندية هناك.. أو أن تتبع طريقا ما بينهما، فإنك ستكون قادرا على تحقيق ذلك قريبا.

فالصين واليابان و30 دولة آسيوية وقعت اتفاقيات تربط ما بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط وروسيا بشكل يتجاوز كثيرا طريق الحرير التاريخي الذي من خلاله تواصلت تجاريا عدة مناطق مع بعضها بعضا. وهذه الخطة هي جزء من مشروع طموح وضعته الأمم المتحدة عام 1959 تحت اسم «تنمية البنية التحتية للنقل البري الآسيوي»، وكان هذا المشروع يهدف إلى تعزيز عمليات تطوير الطرق وخطوط السكك الحديدية الدولية في المنطقة لكن تنفيذه تأخر خلال فترة الحرب الباردة.

وجاءت نقطة التحول حينما وقعت 23 دولة آسيوية على اتفاقية طريق الخط السريع الآسيوي خلال الجلسة الستين للجنة الاقتصادية والاجتماعية في الامم المتحدة الخاصة بآسيا والمحيط الهادي في الصين، ودخلت الاتفاقية محل التطبيق يوم 4 يوليو 2005 حينما تم التوقيع عليها رسميا ثم انضمت 9 بلدان أخرى إليها.

وحسب المشروع الأول فإنه سيتم إنشاء شبكة طرق برية ضمن «الخط السريع الآسيوي» وتبلغ تكاليفه 44 مليار دولار ويمر عبر 32 دولة ويغطي مسافة 141 ألف كيلومتر، وتشمل هذه الشبكة طرق خط سريع وسكك حديدية وجسور. وحدد آخر أجل لتنفيذ المشروع أواخر عام 2010.

وتم حتى الآن استثمار 26 مليار دولار لتطوير أجزاء مختلفة من مشروع «الخط السريع الآسيوي» الذي يمر داخل البلدان الموقعة للاتفاق، وهذا ما سهل التنقل بحيث أصبح ممكنا تناول الفطور في مدينة هوشي منه والغداء في سافاناكهيت بيلاروس والعشاء في خون خاين بتايلاند. وبدأت عدة وكالات سفر في هذه البلدان الثلاث بتنظيم رحلات قصيرة بالحافلات بحيث تسمح للسياح المحليين بالتنقل ما بين المدن الكبرى في هذه البلدان الثلاث. وأشارت صحف فيتنامية إلى وجود 500 سائح أجنبي في يوم واحد دخلوا فيتنام عبر هذا الطريق الجديد.

وتم وضع إشارات «AH» (آسيان هايواي) والتي تعني الخط السريع الآسيوي، على الطريق مع وضع ارقام للمناطق التي أنشئ الطريق فيها. لذلك فإن ارقام الطرق ما بين 1 و9 هي لطرق الخط السريع الآسيوي والتي تمر عبر أكثر من منطقة ثانوية. أما الأرقام ما بين 40 و59، وما بين 400 و599، فهي لدول جنوب آسيا، بينما الأرقام ما بين 10 و29 وما بين 100 و299 فحفظت لبلدان جنوب شرقي آسيا. وسيمتد الطريق «AH1» من طوكيو وينتهي عند اسطنبول مارا عبر شمال وجنوب كوريا والصين وبلدان من جنوب شرق، ووسط وجنوب آسيا.

ويصل طول الطرق المارة عبر تايلاند 5111 كيلومترا بينما يصل إلى 25579 كيلومترا داخل الصين، أما الهند التي تمتلك أكبر شبكة طرق خط سريع في العالم والتي تقدر بـ 3.3 مليون كيلومتر بعد الولايات المتحدة فتم بناء 11432 كيلومترا من الخط السريع الآسيوي من 65570 كيلومترا مخصصة للهند من هذا الطريق.

وستصبح سبع بلدان آسيوية هي ميانمار وتايلاند وكمبوديا ولاوس وفيتنام وماليزيا وسنغافورة مربوطة بالهند حالما ينتهي الخط السريع العابر لبلدان آسيا في عام 2008. أما بلدان اندونيسيا والفلبين وبروناي فإنها ستستفيد بشكل غير مباشر من الاتفاقية حسبما ذكر تقرير خاص بالأمم المتحدة.

وبينما يتقدم العمل على شبكة الخط السريع الآسيوية بدأت الامم الآسيوية بالتحرك خطوة أخرى مع توقيعها على اتفاقية شبكة السكك الحديدية الآسيوية (TAR) والتي تبدأ من ساحل المحيط الهادي وتنتهي عند أعتاب أوروبا.

ووفق هذا المشروع الذي يبلغ طول سككه الحديدية 81 ألف كيلومتر سيتم ربط 44 دولة آسيوية بأوروبا عبر أربعة ممرات: الممر الشمالي الذي سيربط أوروبا بالمحيط الهادي عبر ألمانيا وبولندا وبيلاروس وروسيا وكازاخستان ومنغوليا والصين وشبه الجزيرة الكورية. أما الخط المار بسيبيريا فإنه سينقل كميات كبيرة من الحمولات القادمة من شرق آسيا إلى موسكو وإلى بقية أوروبا. وبسبب المشاكل السياسية مع كوريا الشمالية فإن الحمولات من كوريا الجنوبية تمر حاليا عبر البحر إلى ميناء فلاديفوستوك للوصول إلى الطريق. وهناك الممر الجنوبي الذي يذهب من أوروبا إلى جنوب شرقي آسيا، رابطا تركيا وإيران وباكستان والهند وبنغلادش وماينمار وتايلاند باقليم يونان الصيني عبر ماليزيا وإلى سنغافورة. وهناك فراغات في شرق إيران ما بين الهند وميانمار، وبين ميانمار وتايلاند، وما بين تايلاند وكمبوديا، وما بين كمبوديا وفيتنام وما بين تايلاند ويونان.

أما الممر الشمالي ـ الجنوبي فإنه سيربط شمال أوروبا بالخليج عبر روسيا ووسط آسيا ومنطقة القوقاز. أما الممرات الثانوية الإقليمية فستربط ما بين المناطق الثانوية الصينية ـ الهندية إضافة إلى المناطق غير البارزة.

وهناك خطان للسكك الحديدية عبر القارة الآسيوي أولهما طوله 9300 كيلومتر يربط بين فلاديفوستوك وموسكو، وهذا الخط يقع داخل الاتحاد الروسي. الخط الآخر يربط بين الصين وأوروبا عبر كازاخستان مع استخدام عبّارة في بحز قزوين من كراسنوفودسك (تركمانباشي) الى باكو عاصمة اذربيجان، ومن هناك يمكن استخدام شبكة النقل الروسية. الاتفاق حول خط السكك الحديدة العابر للقارة الآسيوية جرى التوقيع عليه في الجلسة 62 للجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا ومنطقة المحيط الهادي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. وقعت على الاتفاق حتى الآن 20 دولية، وبوسع الدول التي لم توقع على الاتفاق بعد التوقيع حتى نهاية ديسمبر (كانون الاول) من العام الجاري. بدأ هذا المشروع خلال عقد الستينات من القرن الماضي، شأنه شأن مشروع الطريق السريع عبر آسيا، بهدف مد شبكة سكك حديدية بطول 8750 ميلا (14000 كيلومتر) بين سنغافورة واسطنبول مع احتمال ربط مناطق إضافية في اوروبا وأفريقيا، إلا ان مشاكل سياسية وفنية حالت دون إنجاز المشروع حسب التصور الذي وضع له.

جزء كبير من شبكة السكك الحديدية موجود اصلا، على الرغم من وجود بعض الفجوات الكبيرة. ويقدر الزمن اللازم لسد هذه الفجوات واستكمال خط السكك الحديدة كاملا عبر القارة الآسيوية بحوالي 8 سنوات من الآن. من المحتمل ان تشتمل الشبكة على خط بحري جزئي، على سبيل المثال بين سنغافورة وهالديا في الهند.

وعلى الرغم من ان بنك التنمية الآسيوي هو الذي يمول مشروع الطريق السريع تحت رعاية لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا ومنطقة المحيط الهادي، فإن الدول الأعضاء مسؤولة عن تمويل تشييد الأجزاء الناقصة الواقعة داخل حدودها من شبكة السكك الحديدية وربطها مع الدول المجاورة. بدأت الصين مسبقا بتشييد أجزاء من خط كونمينغ ـ سنغافورة للسكك الحديدية، وتعمل ايضا مع تايلاند وكمبوديا على تشييد خط باوبي ـ سيسوفون، الذي يتوقع انتهاء العمل فيه بنهاية العام الجاري او مطلع العام المقبل. الهند ايضا بدأت العمل في خط للسكك الحديدية يربطها بميانمار المجاورة. يتمثل التحدي الأكبر في المسافة بين خطي السكك الحديدية في مختلف المناطق، إذ ان اختلاف المسافات في مختلف الدول يعني ان القطارات لا يمكن ان تسافر عبر الخط كله، كما يعني ايضا نقل البضائع والركاب عند نهاية خط ما الى بداية خط آخر في الدولة المجارة اذا تباين مقياس الخطين.

تهدف هذه المشاريع الى ترقية الاقتصاد المحلي في الدول الآسيوية من خلال تسهيل التجارة والسياحة بين دول القارة بربط الموانئ والمطارات ومناطق السياحة. كما انه سيحقق حلم إيجاد اتحاد اجتماعي وسياسي واقتصادي آسيوي على غرار الاتحاد الاوروبي. ويرى كيم هاك سو، السكرتير التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لآسيا ومنطقة المحيط الهادي، ان الخط السريع الذي يربط دول القارة الآسيوية بالإضافة الى خط السكك الحديدية سيكون بمثابة «حقبة جديدة من التعاون والشراكة في إطار جهود التكامل الآسيوي». ومن المنتظر ان يؤدي ربط مختلف أجزاء القارة الآسيوية وأوروبا الى تحسن وتسهيل حركة البضائع والحاويات بين الدول، وسيؤدي ذلك بدوره الى تحسين التجارة بين هذه الدول. وقال باري كيبل، مدير إدارة المواصلات والسياحة في لجنة الامم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لقارة آسيا ومنطقة المحيط الهادي ان تطوير البنيات التحتية في القارة الآسيوية سيؤدي الى تحسن اقتصاد دولها ويفتح الدول التي ليست لها موانئ بحرية مثل لاوس وأفغانستان ومنغوليا وجمهوريات منطقة آسيا الوسطى مع توسيع الفرص بصورة عامة في التجارة الخارجية والسياحة. وأضاف قائلا ان الشبكة ستتيح الفرصة لتسهيل السفر وفهم الثقافات والمجتمعات الأخرى والمساهمة في التنمية السلمية. ويرى محللون ان شبكة آسيا للسكك الحديدية ستساهم في إيجاد شبكة سكك حديدية للبضائع في اوروبا وآسيا، خصوصا أن النقل بواسطة السكك الحديدية بات يعتبر على نطاق واسع أفضل وسيلة للنقل بدلا عن التلوث الناجم عن النقل بواسطة الطرق البرية والبحرية، خصوصا في بعض المناطق التي باتت تعاني من نشاط القراصنة. وعلى الرغم من ان حركة الركاب لم توضع في الاعتبار في الوقت الراهن، فإن السياحة ستشهد نشاطا وحركة عقب ربط مختلف المناطق بشبكة النقل وتشييد البنيات التحتية. بالرغم من استكمال العمل في 80 بالمائة من الطريق السريع الآسيوي وبدء العمل في الأجزاء الناقصة من شبكة السكك الحديدية، فإن الدول الأعضاء لا تزال في حاجة الى الدخول في اتفاقيات ثنائية او جماعية بغرض التوصل الى تسوية بشأن قضايا مثل اجراءات الجمارك في النقاط الحدودية والاجراءات الأمنية ونظم الدخول والحصص والمسافات المسموح بالسفر خلالها بالنسبة للمركبات الأجنبية والقطارات داخل الدول. ويقول الدبلوماسي الهندي ساجيف سيكري ان تطوير خطوط شبكة النقل الآسيوية مشروع له اهمية بالغة، وأضاف قائلا انه لن يكون هناك تأخير في دخول البضائع الى الدول الأخرى، ذلك ان خط السكك الحديدية سيركز على نقل الحاويات والبضائع.