العرضة السعودية .. نشوة الفرح بأمجاد الوطن وحلول الأعياد

كانت بدايتها رقصة حرب

لباس مميز لضاربي الطبول من فرقة العرضة
TT

«نحمد الله جات على ما نتمنى .. من وليّ العرش جزل الوهايب». هكذا وبهذه الكلمات يردد السعوديون هذا البيت جماعياً مغنّى ومطعّم بأصوات الطبول ولمعان السيوف في كل احتفالاتهم الوطنية وغير الوطنية.

ويشكل هذا البيت واحداً من أبرز سمات الثقافة النجدية السعودية حيث يأتي مطلعاً للعرضة النجدية الشهيرة، وهي أشبه بالرقصة الرسمية للبلاد ، والحاضرة الدائمة في كل المناسبات، يشارك بها الملك والأمراء والمواطنون، رقصاً بالسيوف وعلى أصوات الطبول، ويجدون فيها تعبيراً عن الفرح والسلام. وبالعودة تاريخياً إلى جذور العرضة السعودية التي تقدم مراراً خلال العام، وتشارك بها البلاد في عروض واسابيع ثقافية في دول عربية وأوروبية في المحافل الثقافية والفنية المختلفة، يتبين أنها بدأت كرقصة حرب في زمن الحروب، حيث تؤدي الفرق الشعبية العرضة عند لقاء الخصوم.

وتشير المعلومات التاريخية إلى أن العرضة النجدية هي نتاج تطور لعادة عربية قديمة عرفها العرب منذ الجاهلية في حالة الحرب، رغم عدم وجود نصوص في التراث العربي القديم، يمكن من خلالها الربط بينها وبين واقع العرضة التي تعرف اليوم، إلا أن الملاحظ وبكل وضوح، أن أركان العرضة الأساسية كانت ملازمة للحرب منذ الجاهلية، فالطبول تقرع منذ القدم في الحرب، والسيف يحمل، والشعر الحماسي عنصر أساسي من عناصر الحرب. وتعد العرضة النجدية ـ وكما هو معروف ـ فناً حربياً كان يؤديه أهالي نجد بعد الانتصار في المعارك، وذلك قبل توحيد أجزاء البلاد عندما كانت الحروب سائدة في الجزيرة العربية. ومن مستلزمات هذا اللون من الفن الراية والسيوف والبنادق لمنشدي قصائد الحرب، بينما هنالك مجموعة من حملة الطبول، يضربون عليها بايقاع جميل متوافق مع انشاد الصفوف، ويطلق على أصحاب الطبول الذين يقفون في الخلف طبول التخمير، أما الذين في الوسط، فهم الذين يؤدون رقصات خاصة لطبول الاركاب، كما يوجد بالوسط حامل البيرق (العلم). وتقام في وقتنا الحاضرالعرضة النجدية في مواسم الأعياد والأفراح.

والعرضة وان كانت غالبا مرتبطة بالحرب، إلا أنها تؤدى في مناسبات أخرى كالاحتفالات والأعياد والزيجات، وتقام حفلة كبرى لاستقبال الشخصيات المهمة وتؤدى فيها العرضة. ويجد السعوديون أنفسهم كثيراً في هذه العرضات والرقصات، لما تشكله من تعبير للفرح لديهم وخاصة أنها تثير كثيرا من مشاعر الرغبة في الاحتفال لدى كل شخص وإن كان جالساً في بيته ويتفرج على هذه العرضة في التلفزيون.

ومن المؤكد أنها ستكون حاضرة في كافة المناسبات الوطنية في مشهد يوضح مدى التلاحم بين المواطنين والملك لتكون رسالة لكل أمم العالم أن هؤلاء هم السعوديون يرقصون ومليكهم بينهم، جزلاً وفرحاً به، كما هو فرح بهم.  وأخذت العرضة السعودية نصيباً كبيراً ووافياً من الاهتمام من رجال الفكر والأدب، فالمكتبات السعودية تمتلئ بالكتب والمؤلفات عنها. والأديب الكبير عبد الله بن خميس أعطى هذا الموروث والتراث التاريخي اهتماما خاصا وكبيرا ليأتي كتاب أهازيج الحرب أو شعر العرضة الذي جمعه ورتبه وعرف بشعرائه.. هذا الكتاب الذي يتكون من 300 صفحة أصبح مرجعا للجميع ليتعرف الإنسان على هذا التراث الأصيل. وقد تألق وأبدع الشعراء في الكلمات الجميلة للعرضة السعودية وأصبح الجميع يرددها بين الحين والآخر، ومن أشهر القصائد ما قاله الشاعر محمد العوني في قصيدته المشهورة:

مني عليكم يأهل العوجا سلام  واختص أبوتركي عما عين الحريب يا شيخ باح الصبر من طول المقام يا حامي الونيات يا ريف الغريب العرضة السعودية تعتبر الفن الذي سطر الملاحم التاريخية التي قادها الملك عبد العزيز والتي بدورها أسهمت في إحياء هذا الموروث والحفاظ عليه.

وبالنظر إلى طريقة أداء العرضة السعودية فإننا نجد أنه يغلب عليها أداء الكورال الذي يكرر أبياتا معينة ثم تليها الرقصة التي عادة ما تكون عبارة عن رفع للسيف وتمايل جهة اليمين أو جهة اليسار مع التقدم لعدد من الخطوات إلى الأمام.   ويكون عادة المنشدون في صف واحد وتستخدم فيها أنواع مختلفة من الطبول يطلق على الكبيرة منها اسم طبول التخمير، والصغيرة طبول التثليث التي اكتشفت مع العرضة السعودية في نفس الوقت بهدف رفع المعنويات، وكذلك لاستعراض القوة قبل الخروج إلى الحروب. وعندما اكتشف المحاربون أن الأصوات لا تكفي لأداء الغرض تم وبالعودة إلى الأزياء التي تستخدم في العرضة النجدية ادخال عنصر الإبهار الجمالي في تشكيلات هذه الرقصة، لذا فقد اهتم الراقص بإظهار الأسلحة وأدوات الحرب والقتال طوال هذه الرقصة، إضافة إلى وجود زي خاص يستخدم فيها وهو زي فضفاض واسع يسمح بسهولة الحركة للراقصين. ويصنع من قماش أبيض اللون خفيف حتى يتلاءم مع الطبيعة المحيطة التي تؤثر فيها عوامل الطقس، ويرتدى عادة فوق هذه القطعة قطيفة سوداء تسمى القرملية وتكون أحيانا ذات أكمام طويلة وتلبس مع الشماغ والغترة والعقال. ومن المستبعد أن تتم العرضة دون حضور السيف الذي يعتبر عماد الرقصة. ويلبس الراقص في الوقت الحاضر (محزماً) وهو عبارة عن (جله) يوضع بشكل متقاطع وكان قديما ذا أهمية في وضع الرصاص للبنادق. وكان يتم تسخين طبول التخمير أو طبول التثليث تحت الشمس أو تحت نار هادئة.

ومما يذكر أن العرضة هي أول نذر الحرب والتجميع لها، وأحيانا تكون في مجمل المناسبات كالأعياد ولكنها تذكر بأيام الحرب وتدرب الناشئة على إحيائها وضبط قواعدها وهي من الفنون الجميلة الخالدة التي تحتفظ بها الأمة في السلم للسلوة والذكرى في الحرب للنذر والاستعداد.

وحينما نتحدث عن العرضة السعودية يأخذنا الحديث إلى الدرعية التي أعطت العرضة السعودية جل عنايتها واهتمامها وأصبحت تقدم سنويا مجموعة من الذين يستطيعون أداء هذا الفن الأصيل، حتى أنك تجد الكل يتحدثون عن أبناء الدرعية فهم يتقنون هذا الفن الأصيل.