هل خليل الخوري هو رائد الرواية العربية فعلاً؟

«وي اذن لست بافرنجي» مقدمتها تنظيرية والخاتمة لا تمت إلى الفن الروائي بصلة

خليل الخوري كتب روايته ليسلي قارئه
TT

ثمة مبرران لاخراج خليل الخوري (1837 - 1907) من العتمة. المبرر الاول يكمن في مرور مائة عام على وفاته. أما المبرر الثاني فيعود الفضل فيه الى الباحث المصري محمد عبد التواب الذي أقنع «المجلس الاعلى للثقافة» لاعادة نشر رواية الخوري «وي اذن لست بافرنجي» باعتبارها باكورة الروايات العربية. ولكن إلى أي مدى حقق هذا النص شروط الفن الروائي؟ وفي اي ظرف كتب ونشر وطلع على الناس؟ ظروف كتابة «وي اذن لست بافرنجي» تستقيها «الشرق الأوسط» من أرشيف منتصف القرن التاسع عشر، وتستطلع رأي صاحبها، وأهل ذاك الزمان بها.

الرواية ذات العنوان الطريف «وي اذن لست بافرنجي»، ليست الباكورة اليتيمة لهذا النهضوي المغمور. فقد اصدر عام 1858، باكورة الصحف العربية في المشرق العربي وهي «حديقة الأخبار»، وهي رابع صحيفة بعد «الوقائع المصرية» الصادرة في القاهرة 1828، و«مرآة الأحوال» 1855، و«السلطنة» 1857، الصادرتان في اسطنبول. وقبل ان نغلق الهلالين على بواكير خليل الخوري، يجدر التنويه بأنه اشترك في تأسيس «الجمعية العلمية السورية» في بيروت، وهي أول جمعية ثقافية في العالم العربي تضم مسؤولين وأعضاء من كل الاديان والمذاهب. كذلك، كان الشاعر والروائي خليل الخوري الحلقة الاولى في سلسلة الادباء الذين اصدروا دوريات سياسية في لبنان والمشرق العربي مثل الشاعر بشارة عبدالله الخوري الملقب بـ «الاخطل الصغير» الذي اصدر جريدة «البرق» في بيروت. وللاسف ليست كل بواكير الخليل مفيدة. فبعد عشر سنوات من صدور «حديقة الاخبار» كدورية نهضوية مستقلة، حوّلها صاحبها في 13 اغسطس (آب) 1868 الى جريدة رسمية، وتحوّل حضرته في عام 1870 من كاتب مقاتل في سبيل التمدن والحرية والعدالة، الى مكتوبجي يراقب الصحف ويرفع التقارير عنها الى الوالي، مما يسبب في توقيفها. واذا كانت «حديقة الاخبار» اول جريدة مستقلة في بيروت تصبح جريدة رسمية للولاية، فإن صاحبها كان اول مكتوبجي بيروتي بعد ان كان هذا المنصب حكرا على الموظفين الاتراك.

ولنعد الى الرواية للاجابة عن بعض الاسئلة التي تطرحها مقدمة الطبعة الجديدة التي كتبها الباحث المصري سيد البحراوي: هل صدرت «وي اذن لست بافرنجي» عام 1859؟ وهل كانت مجهولة حتى اكتشفها محمد عبد التواب؟ وهل كانت من ألفها الى يائها - باستثناء مدخلها التقليدي - «رواية حقيقية في المعنى الفني للرواية» على حد تأكيد الزميل عبده وازن في «الحياة» بتاريخ 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007؟

منذ ان اصدر ابن مدينة «الشويفات» الصغيرة المجاورة للعاصمة بيروت «جرناله» حرص على نشر حلقة من رواية مترجمة عن الفرنسية في كل عدد. الا ان عدد 13 اكتوبر (تشرين الثاني) 1859 تضمن العبارة التالية: «اذا كنت ايها القارئ مللت من مطالعة القصص المترجمة، وكنت من ذوي الحذاقة، فبادر إلى مطالعة هذا التأليف الجديد المسمى: وي.. اذن لست بافرنجي». والمطالعة ستحصل من خلال سلسلة حلقات نشرها المؤلف في اعداد جريدته على مدى 18 شهرا. ذلك ان الكتاب الذي احتضن الرواية بعيد ظهور الحلقة الاخيرة منها في «حديقة الاخبار» صدر في عام 1861، بدليل الاعلان الذي نشره المؤلف في جريدته بتاريخ 21 مارس (آذار) 1861 وقال فيه «هذا المؤلف الجديد المحتوي على نقد مختلف يسرّ القارئ ولا يخلو من الفائدة بطريقة هزلية مقصود بها الجد مع رواية شهية المطالعة. الذي تلاه الجمهور مشهوراً بالتدريج في (حديقة الاخبار) قد نجز طبعه الآن كتابا مستقلا مغلفا بورق سميك ملوّن، وسيباع بسعر عشرة قروش للنسخة. والذي يأخذ منه اكثر من خمسين نسخة دفعة واحدة يخصم له، في المائة، عشرون».

مما تقدم، يمكن القول ان الرواية نشرت في كتاب مستقل عام 1861. اما ما جرى في عام 1859، وتحديداً في الشهر العاشر منه، فهو بدء نشر الرواية على حلقات وفي كل عدد من الجريدة «اذا سمح الوقت»، او بالاحرى مساحة الصفحات المحدودة، التي لم تسمح بنشر حلقة في كل عدد، مما استدعى عاماً وستة اشهر لنشر رواية صغيرة.

ولنقلب الصفحة على السؤال الثاني المتعلق باكتشاف الرواية. في سياق ترجمته لحياة خليل الخوري، نوه فيليب طرازي في الجزء الاول من كتابه «تاريخ الصحافة العربية» بالرواية فقال ان «وي اذن لست بافرنجي، هو كتاب اخلاقي وضعه على اسلوب القصة وضمنه انتقاداً دقيقاً على الاخلاق والعادات مع ملاحظات لطيفة على المتنبي والفنس دي لامرتين». وكرّت السبحة.

الكتاب الذي يحتضن الرواية موجود في المكتبات العامة، وكذلك هو حال «حديقة الاخبار». لذلك، ليس اكتشافاً العثور على الرواية. ولكن، ما يستحق التنويه بالنسبة للباحث محمد سيد عبد التواب، هو كشفه ان الرواية هي باكورة الروايات العربية. وبالطبع يجب ان يرد هذا الحكم بتحفظ. فمن يمكنه الجزم بعدم العثور على رواية عربية اخرى يعود صدورها الى تاريخ سابق لعام 1861 حيث صدرت الرواية في كتاب مستقل، او عام 1859 حيث بدأ مؤلفها بنشرها في حديقته على حلقات.

يبقى السؤال الثالث والاخير. هل رواية «وي اذن لست بافرنجي» حائزة على الشروط الفنية، خصوصاً اذا علمنا انها كتبت منذ 148 سنة، خاصة وان مقدمتها مباشرة وتنظيرية وخاتمتها لا تمت الى الفن الروائي بصلة. فالمقدمة تشبه في مضمونها المقالات الفكرية والاجتماعية التي نشرها الخوري في جريدته وقارن خلالها بين الشرقيين والغربيين على اصعدة «العلوم والمعارف والمبادىء العلمية». وكرر في سياق المقدمة ما سبق واكد عليه الرواد الذين سبقوه ومنهم اسعد يعقوب الخياط والمعلم بطرس البستاني: «اننا نريد ان يكون الانكليزي انكليزياً والفرنساوي فرنساوياً والعربي عربياً». وحسناً فعل حين استدرك في القسم الاخير من مقدمته القصيرة، وقرر الاحجام عن ايراد «كلما هو خاطر في بالنا من الافكار السامية، لاننا نخشى ملل القارىء وربما ايضاً لا يخلو الامر اننا نحن قد مللنا». اما الخاتمة فكانت اكثر تنظيراً ومباشرة، إذ يقول الخوري: «لا يجب ان نستهجن كل شيء لأنه افرنجي، ولا نستحسن كل شيء لانه عربي. فإن لكل قوم احسانات واساءات لا تخفى عمن تمعن بالحقائق. وعلينا معشر العرب ان نحدق النظر، ونتأمل بفكر خال من شوائب الغرض، بأبناء عمنا بين البشر القاطنين القارة الاوروبية، ونأخذ عنهم فقط ما كان واسطة لتقدمهم علينا بدرجات التمدن والتهذيب». ولكن الاخذ عن الاجانب لا يجوز ان يرادف السرقة، بل ان يكون اقتباساً وبما يتناسب «مع الروح الأهلية لكل امة».

صحيح ان الرواية ملتزمة وتستهدف تنوير قارئها. ولكن المقدمة والخاتمة كانتا اقرب الى الخطاب النهضوي المباشر، منهما الى الكلام الادبي المداور الذي يقتضيه المنهج الفني لصياغة الرواية.

ما تقدم لا يقلل من قيمة رواية «وي اذن لست بافرنجي»، واعتراف محمد عبد التواب بريادة خليل الخوري في فن الرواية العربية. فالرواية كتبت في عام 1859 وليس في عام 2007. والاعتراف بريادة شامي يندر حدوثه من الباحثين المصريين.