عميل مغربي سابق: المهدي بن بركة تعرض لتعذيب وحشي مدته ساعة قبل أن يقتل

TT

باريس-اف ب: تعرض المعارض المغربي المهدي بن بركة للتعذيب بشكل وحشي قبل ان يقتله الجنرال محمد اوفقير ومساعده احمد الدليمي، بحسب شهادة جديدة ادلى بها عميل سري مغربي سابق وتنشرها اليوم صحيفة «لوموند» الفرنسية .

وتستند الصحيفة الى شهادة العميل السري السابق احمد بخاري، الذي يقول ان المهدي بن بركة تعرض للتعذيب بشكل وحشي طوال ساعات قبل ان يقتله الجنرال محمد اوفقير، الذي كان في حينها وزيرا للداخلية في المغرب، ومساعده الكومندان احمد الدليمي.

وبحسب هذه الشهادة الحافلة بالتفاصيل فان المعارض المغربي لقي حتفه في الساعة الثالثة فجر يوم السبت 30 اكتوبر(تشرين الاول) 1965 في احدى الفيلات في فونتناي ـ لو فيكونت بالقرب من باريس. وقد نقلت جثته الى الرباط، حيث اذيبت في خزان من الحمض (الاسيد).

ويقول احمد بخاري انه «قرر ان يتكلم حتى يعرف المغاربة، بدءا بعائلة بن بركة، بما حدث فعلا، لاظهار الحقيقة».

وفي موضوعين متسلسلين يحملان عنوان «الحقيقة حول مقتل المهدي بن بركة في فرنسا»، بدأ نشرهما، تمت الاشارة الى ان بخاري كان في تلك الفترة، مساعدا مقربا جدا من محمد العشعاشي، الذي كان في تلك الفترة رئيسا لجهاز مكافحة التخريب في المغرب.

ونظرا لكون بخاري على اتصال دائم مع رئيسه، الذي كان في الفيلا الفرنسية، فقد كان في موقع جيد للحصول على المعلومات من مصدرها مباشرة حول جريمة دولة ما زال الغموض يكتنف ظروف الاعداد لها وتنفيذها.

وبحسب شهادة بخاري فان «العملاء المغاربة وشركاءهم الفرنسيين ـ من الشرطة والمرتزقة ـ تم تكليفهم باختطاف بن بركة ونقله حيا الى المغرب». ولكن «خرج الوضع عن السيطرة في جنوب باريس».

ففي فيلا فونتناي ـ لو فيكونت، حيث اقتيد بن بركة بعد ان اوقفه شرطيان فرنسيان امام حانة في وسط باريس، وصل احمد الدليمي في بداية السهرة «مما ادى الى تغيير المعطيات». فالرجلان كانا يعرفان بعضهما شخصيا ويكرهان بعضهما. ما ان دخل الدليمي الى الصالة، وهو كان قد حاول قتل بن بركة في 18نوفمبر (تشرين الثاني) 1962، «شتم رئيس المعارضة المغربية وكاد ان يخنقه عندما بدأ بالصراخ، وقعت في الفخ».

وتؤكد «لوموند» انه تم تقييد بن بركة بناء على طلب الدليمي ثم قام ممرض بحقنه لكن الجرعة كانت قوية جدا: «غاب بن بركة عن الوعي».

عندئذ انقسم العملاء المغاربة الى فئتين، واحدة تزعمها محمد العشعاشي تعارض تعذيب بن بركة وتريد نقله حيا الى المغرب، بينما الفئة الاخرى بزعامة الدليمي ارادت تصفية حسابها مع المعارض.

لكن وصول الجنرال اوفقيرعند منتصف الليل «لم يضع حدا لتمادي مساعده، الذي اغضبه الصمت المطبق لبن بركة». فقام الدليمي بتعليق بن بركة بحبل، واوثق يديه خلف ظهره، بينما قام اوفقير بضرب بن بركة على صدره وظهره بخنجر مضلع.

واستمرت عملية التعذيب ساعة كاملة. وعندما قرر العشعاشي التدخل ودفع الدليمي لتحرير المهدي بن بركة، كان قد فارق الحياة، بحسب شهادة بخاري.

وفي الجزء الثاني من الموضوع المقرر نشره اليوم فان «لوموند» ستكشف الظروف، التي تم خلالها نقل جثمان بن بركة الى الرباط «واذابته في خزان مليء بالحمض» (الاسيد).

وتعتبر قضية بن بركة واحدة من اكثر المراحل القاتمة في تاريخ فرنسا الحديث. وقد تركت اثرها على العلاقات الفرنسية -المغربية ولم يتم توضيح تفاصيلها الكاملة بتاتا. كما ان بشير بن بركة، احد ابناء المهدي بن بركة، قال لفرانس برس انه يعتبر ما نشر «مثيرا للاهتمام» لكنه «يطلب ان يتم تأكيده امام القضاء».

وقال بشير بن بركة، الذي يرأس معهد «المهدي بن بركة، الذاكرة الحية» ان «شهادة بخاري مثيرة للاهتمام لكونها المرة الاولى التي تأتي فيها المعلومات من داخل اجهزة الاستخبارات المغربية». واعترف انه وجد هذه الشهادة «مؤلمة جدا في بعض الاحيان»ب«.

واضاف بشير بن بركة ان «مجمل هذه الشهادة تحتاج الى تأكيدها امام القضاء ولنا ملء الثقة في القاضي جان باتيست بارلوس للحصول على تأكيدات حول كل ما نشر» مشيرا الى انه «يجب الاستماع الى افادات شخصيات اخرى ايضا».

ومن جهة اخرى ذكرت مصادر قضائية ان القاضي المكلف بملف قضية اختفاء بن بركة سيطلع على هذين الموضوعين، ويمكن ان يستمع الى بعض الافادات لاستيضاح بعض الامور الواردة في الموضوعين.

وكان القاضي بارلوس اطلق في يناير (كانون الثاني) 2000 انابة قضائية دولية في اطار توليه ملف اختفاء بن بركة على الاراضي الفرنسية، وقام بزيارة المغرب في يونيو( حزيران) 2001، وهي المرة الاولى التي تسمح فيها السلطات المغربية لقاض فرنسي باجراء تحقيقات حول هذه القضية على الاراضي المغربية.

=