«التوك توك».. وسيلة مواصلات يحتاج إليها المصريون ويرفضها المسؤولون

يكافح البطالة ويربك المرور

«التوك توك».. رفضه المسؤولون («الشرق الأوسط»)
TT

عربة صغيرة بثلاث عجلات تخطو نحو مستقبل مجهول بقائد قد لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة، يخترق دروب الفقر بمقود يتحدى به البطالة والعوز، تلك هي «الريكشا» المركبة الهندية التي جاءت مصر تحت مسمى «التوك توك» والذي أصبح معلما جديدا يضاف إلى اللوحة السريالية المتداخلة لشوارع العشوائيات والقرى المصرية مع مطلع كل نهار يمر على المحروسة. «التوك توك» الذي بات صداعا يهدد رأس المسؤولين المصريين بمشاكله المتزايدة يوما بعد يوم الى حد رفضهم منح سائقيه رخص قيادة، أصبح في الوقت ذاته ملاذا ضيقاً كضيق الحارات والشوارع الصغيرة التي يسلكها، للكثير من المصريين سواء الذين يتخذونه وسيلة للتنقل لقدرته على المرور عبر أضيق الطرق، أو الذين يقودونه من الشباب الذي فضل ركوبه والتكسب من ورائه على البقاء في المنزل في ظل ندرة فرص العمل.

وعندما ظهر «التوك توك» لأول مرة منذ ما يقارب العامين، كانت قيادته مقتصرة على الشباب ممن لا يجدون فرصا للعمل بمؤهلاتهم الدراسية، أما اليوم فقد بات سائقوه من الأطفال أيضا الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والخامسة عشرة، وهم أطفال أجبرتهم ظروف الحياة على ترك المدرسة والإنفاق على أسرهم. كحال عصام، 11 عاماً، الا أن حديثه يخرج بلسان كهل في الخمسين، حيث يؤكد أن والده قتل في حادث سيارة فلم يجد أمامه إلا العمل بهذه السيارة التي توفر له ولأسرته 15 جنيها في اليوم الواحد يمنحها له صاحب «التوك توك». ويضيف عصام أن أكثر ما يصعِّب عليه تلك المهنة هو مطاردة المرور له لصغر سنه، وعدم حمله ترخيصا بقيادة «التوك توك».

عصام ليس الوحيد الذي يشكو من مطاردة المرور لـ«التوك توك» رغم تزايد عدده في المدن المصرية حيث وصل عدده الى نحو 120 ألفا، فهناك كمال المدرِّس بأحد المعاهد الفنية والذي لا يتعدى راتبه 500 جنيه في الشهر والذي اضطرته ظروفه الى شراء «توك توك» بالتقسيط والعمل عليه بعد أوقات العمل الرسمية حيث يصل دخله منه كل شهر بعد سداد قيمة القسط إلى نحو 600 جنيه. كمال أكد أن أكثر ما يضايقه هو مطاردة بعض رجال الشرطة لهم كأنهم لصوص، الأمر الذي يبرره المسؤلون بأنه موقف ينطلق من القانون الذي يصنف تلك العربة بأنها دراجة بخارية يجب ألا تستخدم في نقل الناس، مؤكدين استمرار مطاردة سائقيها حتى يتم تعديل القانون.

وقد يظن البعض أن تلك الوسيلة الصغيرة للنقل لا تكلف الكثير من المال، وهو ما كان يبدو صحيحاً في الماضي عند بدء ظهورها في السوق المصري حيث لم يكن ثمنها يتجاوز 8000 جنيه، إلا انها جاوزت الآن 15 ألف جنيه، مع بدء استيراد النوع الصيني منه. وهو مبلغ ليس من السهل توفيره للكثيرين من الشباب الذي يسعى لامتلاكه. الطريف أنه وفي الوقت الذي ذكرت فيه دراسة لمركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري أن «التوك توك» بات الوسيلة الأولى في المواصلات حيث بلغ إنفاق كل مصري عليها 150 جنيها في الشهر إلى جانب أنه الوسيلة الوحيدة للمواصلات التي لا يشكو منها المصريون، إلا أن الصحف المصرية والمصريين من سكان الاحياء الراقية لا تفتأ تهاجم تلك الوسيلة التي لا شك أنها تزيد من ارتباك الشارع المصري الذي بات يعاني الزحام المستمر. وتقول رانيا، 22 عاما، وتعمل بأحد المصانع، إنها كانت تتعامل في البداية مع «التوك توك» كوسيلة سهلة للذهاب إلى السوق وخاصة عند العودة منه، و«لكن بمرور الوقت أصبح «التوك توك» وسيلة انتقال يومية لي ولغالبية جيراني في حي امبابة ممن يريدون الوصول إلى الشوارع الداخلية». أما ابتسام، 50 عاما، فأكدت تخليها عن هذه الوسيلة منذ فترة طويلة بعد أن كادت تفقد حفيدتها الصغيرة التي كانت معها في «التوك توك» لشراء بعض المستلزمات للمنزل في إحدى المرات، إذ كادت تنزلق من الفتحة الجانبية حيث لا يوجد باب للغلق. إلا أن عناية الله أنقذت الصغيرة.

«التوك توك» لم ينعش حال سائقيه المادية فقط بل أنعش أيضاً أصحاب محلات الميكانيك التي باتت تقوم بإصلاحه الى جانب محلات أخرى باتت تبيع إكسسوارات لـ«التوك توك» كالعرائس الملونة والشرائط المزركشة. لسائقي «التوك توك» أيضاً ذوق خاص فيما يستمعون له من أغانٍ تنتمي في الغالب وبلا سبب واضح إلى الاغاني الشعبية لمطربين لم يَسْمَعْ بهم أحدٌ. وكلها تتحدث عن المآسي والآلام والصعاب والغدر في حياة الانسان، وهو ما يبرره مصطفى، أحد سائقي «التوك توك» بأنه لزوم الحياة التي يَحييونها؛ فكل أغنية تصف جزءاً من حياتهم ومتاعبهم.