الفراغ في لبنان مرشح للاستمرار إلى أجل غير مسمى وتجربة الحكومة الحالية أخف وطأة من حكومتي 1988

وزير المال جهاد أزعور: قادرون على حماية الاستقرار ولكن بكلفة عالية

TT

ينذر الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية المستمر منذ الرابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 في لبنان بالاستمرار إلى أجل غير مسمى، فالشروط التي تعترض مبادرة جامعة الدول العربية والمترافقة مع سجالات تدل على أن كل محاولات التسوية هشة ، اذ يكفي تصريح من أحد أقطاب الصراع لينسفها، فيعود البحث عن آليات ومخارج جديدة للحل وسط تطورات أمنية خطيرة تهدد بالقضاء على ما تبقى من هيكلية الدولة اللبنانية ومؤسساتها.

وفي هذه الأثناء تسيّر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة شؤون المواطنين بـ«خفر» وسط عواصف من الانتقادات المتضاربة معظم الأحيان، فالمعارضة تتهمها بالتقصير في تأمين المتطلبات الحياتية للبنانيين، لتعود وتستنكر استيلاءها على صلاحيات رئيس الجمهورية. وزير المال جهاد أزعور قال لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة ملتزمة مبادئ أساسية في هذه المرحلة. لذا هي تقوم بواجباتها من دون التوسع نظرا للفراغ الموجود في سدة الرئاسة. وتلتزم ما يحتمه عليها واجبها لتسيير عمل المؤسسات وأمور المواطنين. وتحرص على الحد الأدنى في هذا الإطار بغية عدم إشعار البعض أنها تتخطى هذا الحد وتثير الاستفزازات أو الحساسيات». وأشار إلى أن الحكومة «تعتبر انه من المفروض أن تحصل الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن وينتظم العمل بطريقة طبيعية في الدولة». وأضاف: «المشكلة الكبيرة التي نواجهها هي الضغوط التي تتأتى من الأزمات السياسية والوضع الأمني، ما يضيف تحديا كبيرا إلى عمل الدولة».

وعن سلبيات هذا الوضع قال أزعور: «عملنا لا يكفي لأن البلاد تحتاج الى تنفيذ الكثير من المشاريع التي يجب العودة بها الى مجلس النواب، إضافة إلى مشاريع القوانين المجمدة. وهناك مشاريع تنموية تفوق قيمتها المليار دولار ويجب تفعيلها. لذا تواجه الحكومة حجما كبيرا من المصاعب والتحديات. لكنها استطاعت القيام بواجباتها في ظل ضغوط لا يستهان بها، ومنها الحرب على تنظيم فتح الإسلام في مخيم نهر البارد التي استمرت أكثر من مائة يوم، كذلك الاغتيالات السياسية. وعلى رغم إقفال مجلس النواب استطاعت المحافظة على استقرار مالي وتخفيف الاعباء عن المواطنين مع ارتفاع سعر النفط والمواد الأولية. فهي وفي ظل هذه التحديات تمكنت من المحافظة على الدولة ومقوماتها».

وعن قدرة الحكومة على الاستمرار إذا بقي الفراغ الرئاسي فترة طويلة، قال أزعور: «الحكومة لا تريد أن تستمر في هذه الظروف، لأن هذا الوضع يؤدي إلى سلبيات تضر بالدولة ومؤسساتها. ويجب معالجته من خلال العودة الى الأصول الدستورية وملء فراغ الرئاسة وتفعيل العمل في مجلس النواب. لكن من الناحية العملية نحن قادرون على حماية الاستقرار. هذه واجباتنا ولكن للأمر كلفة عالية».

ولبنان كان قد عرف تجربة البقاء من دون رئيس للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في العام 1988، فكان ان سلم مقاليد البلاد إلى حكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون، اقتصرت إدارتها على جزء من البلاد بعد رفضها من قبل حكومة الرئيس سليم الحص التي بقيت تدير الجزء الآخر من البلاد. واستمر لبنان من دون رئيس عاما وعدة أشهر، تتولى دفة الحكم فيه حكومتان لا تعترف الواحدة بالأخرى.

الأزمة الحالية تعكس وضعا مغايرا لا يشبه ما حصل عام 1988 إلا بخلو قصر الرئاسة في بعبدا من «فخامة الرئيس». وفي هذا الإطار يقول النائب في كتلة «التغيير والإصلاح» غسان مخيبر لـ«الشرق الأوسط»: «الفراغ الرئاسي الحالي لا يشبه التجربة السابقة. حينها بادر الرئيس أمين الجميل إلى تعيين رئيس حكومة مسيحي لتولي شؤون البلاد. لكن ذلك لم يحل دون وضع غير سليم ناتج عن وجود حكومتين. اليوم هناك حكومة واحدة. وهذا أفضل. كما أننا كنا في حالة حرب أهلية آنذاك، ما يعني أن الانقسام كان واقعا ميدانيا على الأرض. حاليا نحن في حالة استقرار ظاهرية مع خشية من انفلات الأوضاع والوصول إلى الشر المستطير».

النائب في كتلة وليد جنبلاط هنري حلو اعتبر أن «لا مشكلة دستورية في تسيير أمور البلاد. والوضع لا يشبه ما كان عليه عام 1988. لدينا حكومة شرعية يعترف بها العالم اجمع باستثناء سورية وإيران وفريق يعطل الانتخابات مع إعلان موافقته على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، إلا انه يضع شروطا تعجيزية في طريق الرئيس ما يؤدي إلى شل صلاحياته. كأنهم يريدون رئيسا مجردا من الصلاحيات».

واعتبر حلو ان «الحكومة تسير أمور الناس بموجب الدستور الذي أعطاها مجتمعة صلاحيات الرئيس في حال الفراغ. وهي تضم تمثيلا مسيحيا كاملا، كما أنها تنسق مع البطريركية المارونية بصفتها المرجعية المسيحية. وبكركي لا تعارض وترحب بعمل الحكومة لتسيير أمور اللبنانيين». وذكر بأن لبنان عرف أوضاعا أصعب مع حكومتين، وبالمقارنة فان هذه الحكومة تقوم بواجباتها في انتظار الخروج من هذه الأزمة.

لكن مخيبر حذر من استلهام حالة سيئة من الماضي ليضيف: «علينا أن لا ننسى أن مؤسسات الدولة معطلة. وهناك فريق يشكك بدستورية الحكومة وشرعيتها. كما أن مجلس النواب معطل وكذلك المجلس الدستوري.

وبالتالي مؤسسات الدولة منهارة إلا أنها تستمر في العمل الإداري. صحيح أن هذا الأمر حصل حتى في أصعب الظروف التي عاشها لبنان خلال الحرب الأهلية».