حارس الأمن مطلق النار ببغداد: راعي بقر سابق من تكساس

سلاو أخفق في الانضمام للقوات الخاصة

TT

قد يكون بول سلاو عمل في بلدته الصغيرة الواقعة في شمال غربي تكساس كراعي بقر، لكن الجنود الذين خدموا معه أصابتهم الدهشة، حينما سمعوا بأنه متهم بالتصرف وكأنه واحد من حراس شركة بلاك واتر الأمنية في العراق.

وقال جرميا ثومبسون، الذي شارك سلاو في دوريات داخل العراق لصالح الحرس الوطني الاميركي: «كان شخصا محترسا، وكان دائما حرفيا. أنا لم أعرفه شخصا يخالف قواعد الاشتباك».

واليوم أصبح سلاو، 28 سنة، موضع تحقيق فيدرالي لأعمال القتل الناجمة عن إطلاق النار يوم 16 سبتمبر (ايلول) في بغداد، ما أدى إلى مقتل 17 عراقيا على يد حراس شركة «بلاك ووتر» الأمنية. ورفضت السلطات التحدث حول التحقيق عدا قولها إنه يركز على حارس واحد تم تشخيصه بأنه «حامل البندقية المهاجم رقم 3».

ومن خلال مراجعة وثائق القضية والمقابلات في تكساس وواشنطن، توصلت «نيويورك تايمز» الى أن اسم حامل البندقية هو «سلاو»، وهو جندي سابق في سلاح المشاة، وانضم إلى شركة «بلاك ووتر وورلد وايد» بعد فشله في تحقيق حلمه في الانضمام إلى القوات الخاصة، بسبب مشكلة بدنية جاءت من إصابة قديمة في كرة القدم الأميركية.

وتقدم قصته نظرة نادرة حول الرجال الذين يتم تشغيلهم في شركات الأمن الخاصة، مع معدل عال من إطلاق النار في العراق. وظل مسؤولون عسكريون وتنفيذيون وشركات متعاقدة ولفترة طويلة يشتكون من تجنيد بلاك ووتر، شبانا بأوضاع مالية ضعيفة، ولتشجيعها لثقافة إطلاق النار ثم استخدام علاقات الشركة القوية بإدارة الرئيس جورج بوش لحماية العاملين فيها من أية عقوبة، حينما يقتلون عراقيين أبرياء.

واعتبر حادث 16 سبتمبر في ساحة النسور ببغداد من قبل مكتب المباحث الفيدرالي (إف.بي.آي) ووزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) والحكومة العراقية من أكثر الأمثلة بشاعة عن عنف يقع من دون أي استفزاز بين شركات الأمن الخاصة. وأثار الحادث ردود فعل حادة لدى الحكومة العراقية، التي هددت بمنع شركة بلاك واتر من العمل في العراق.

من ناحيتها بدلت إدارة بوش الطريقة التي كانت تدير شركات الأمن الخاصة، وكذلك يدرس الكونغرس فكرة إصدار تشريع يهدف إلى غلق الفجوات التي تسمح للمتعاقدين من الهروب من المحاكمة بسبب خروقهم، على الرغم من أن مسؤولين في وزارة العدل أخبروا المشرعين بأن إجراءاتهم قد تكون متأخرة جدا كي تؤثر على القضية.

ومع حذف اسمه عن السجلات العلنية حول إطلاق النار لم يجذب سلاو الكثير من الانتباه. ويوصف بأنه شخص طويل ونحيف مع لحية لونها يشبه لون الجزر، ويعيش مع زوجته في مسكن جيد بالقرب من قاعدة وورث. وقال ديوي سلاو أحد أعمامه إن ابن اخيه كان يعمل في مستودع للذخيرة، وكان يسعى للعثور على بديل أفضل. ويضيف «قلت له إن لي صديقا يعمل في مجال البناء، لكنه قال لي إنه عثر على عمل آخر، وإنه سيعود إلى العراق».

وبعد أسبوع على إطلاق النار، قال الأصدقاء إنهم شاهدوا بول سلاو وزوجته في حفلة. وكان ضمن الحاضرين تومبسون وعضو سابق من حرس تكساس الوطني. وقال إن سلاو كان يبدو نموذجا لحراس بلاك ووتر: نظارتان من نوع أوكلي مع سروال خاكي وشعر قصير، وبنية جسدية منحوتة. تذكر تومبسون حديثه معه: «قلت له: سمعت أن هناك مشاكل هناك. هل أنت طرف فيها؟ هز رأسه فقط وقال لي، إن ما حدث ليس مثلما قرأت في الصحف».

آن تايرل المتحدثة باسم بلاك ووتر لم تعلق على هذه المقالة، قائلة إن الشركة لا تريد أن تتدخل في التحقيق الجاري حاليا. كذلك تجنب سلاو المقابلة بشأن هذه المقالة، لكنه قدم أول تصريح له سبق أن وجهه للمحققين ثم نشر على الانترنت باسمه الأول فقط من قبل محطة «أيه.بي.سي نيوز». وفيه تحدث عن المذبحة بلغة عسكرية جافة. ووصف ما حدث من هجوم مخطط ضد الدورية، حينما تقدمت سيارة بيضاء صوبهم متجاهلة عددا من الإشارات. وقال سلاو: «نتيجة للخوف على حياتي وحياة رفاقي، واجهت السائق وأوقفت التهديد». وقال إن فوهة بندقية كانت تلمع من كوخ على بعد 50 مترا، وراء السيارة ثم كان هناك رجل بقميص أزرق مزرر وسروال أسود، يوجه بندقيته الاوتوماتيكية «أيه كيه 47»، ثم كانت هناك نيران تطلق من حافلة حمراء توقفت عن نقط التقاطع، ثم كانت هناك سيارة حمراء تتقدم صوب الدورية. وأضاف: «خوفا من أن تكون تلك سيارة مفخخة، اشتبكت معها من أجل إيقاف التهديد».

لكن التحقيقات الأولية التي أجريت من قبل «البنتاغون» و«إف.بي.آي» والحكومة العراقية لم تجد أي دليل يدعم شهادة سلاو، فلم تكن هناك سيارة مفخخة، ولا إشارات عن نيران قادمة من أعداء أو متمردين. واستنتجت «أف.بي.آي» أن هناك ما لا يقل عن 14 من 17 رصاصة اطلقت بدون مبرر، وقالت إن حراس بلاك ووتر خرقوا بتهور القواعد الأميركية لاستخدام أسلحة مهلكة. بل ان المحققين العسكريين ذهبوا أبعد، حيث قالوا إن كل أعمال القتل التي جرت آنذاك غير مبررة، وهي قابلة لأن تكون أعمالا إجرامية. واعتبرت الحكومة العراقية إطلاق النار بأنه «فعل متعمد للقتل».

لكن مارك هلكور محامي سلاو، قال إن المتعاقدين مع الشركات الأمنية الخاصة، يعملون «في مناخ شديد التحدي، حيث العدو لا يرتدي ملابس عسكرية، إلا إذا كان يريد أن يتخفى في هيئة جنود أو شرطة عراقيين، لاستغلال المدنيين».

* خدمة «نيويورك تايمز»